رام الله - يقوم الفلسطينيّ محمّد أبو هشهش بإعداد دليل مكتوب حول المسارات البيئيّة في فلسطين، حيث سيتضمّن معلومات موثّقة عن 114 مساراً قام بتجربتها، وهي مسارات تتراوح في صعوبتها من مسارات سهلة يسمح بمشاركة كل الفئات فيها، في خطوة تعتبر الأولى من نوعها، في ظلّ انتشار السياحة البيئيّة بشكل كبير في المناطق الطبيعيّة والتاريخيّة.
ويعمل محمّد أبو هشهش (37 عاماً)، منذ سنوات، دليلاً بيئيّاً وتاريخيّاً لعدد من هذه المسارات في الضفة الغربية، وهو ما جعله قادراً على إعداد هذا الدليل، الذي بدأه قبل 7 أشهر، ومن المقرّر الانتهاء منه في حزيران/يونيو المقبل، تحت اسم "دليل المسارات المجرّب" حيث سيتضمّن معلومات موثّقة عن 114 مساراً قام بتجربتها، وهي مسارات تتراوح في صعوبتها من مسارات سهلة يسمح بمشاركة كل الفئات فيها، مثل مسار دير قديس وهو مسار داخل القرية والمناطق التاريخية فيها مثل مقر البوليس البريطاني وفي مثل هذه المسارات يسمح باصطحاب الأطفال، أو يفتح الباب للتسجيل العائلات. ولكن المسارات صعبة مثل مسار وادي القلط الواقع في مناطق جبلة و منحدرات خطرة، والذي تتجاوز فترة المشي فيه لأكثر من 19 كم متر، يكون المشاركون فيه من فوق 18، ومن يتحمل المشي المتواصل في بيئة وعرة.
وأشار أبو هشهش في حديث لـ"المونيتور" إلى أنّ شغفه في التجوال والمسارات بدأ في عام 2013 حينما عاد إلى الدراسة في كليّة "دار الكلمة الجامعيّة للفنون والثقافة" تخصّص الأدلاّء السياحيّين، وهو الذي كان قد أنهى دراسته بتخصص "نظم معلومات إداريه" من جامعة البوليتكنيك في الخليل. تخصص الأدلاء السياحيين تشمل تاريخ فلسطين وجغرافيّتها والحضارات المتعاقبة عليها وثقافاتها ودياناتها وما خلّفته تلك الحضارات من آثار متنوّعة عبر العصور، والزيارات الميدانيّة لهذه المواقع. في حينه لم يكن أبو هشهش يفكّر في كتابة الدليل، لكنّه كان يدوّن كلّ ما يراه خلال هذه الزيارات.
وبعد الدراسة، انقطع عن المسارات لعام كامل، حيث انتقل للعمل في وزارة التنمية الاجتماعية، حتّى صادفه إعلان عبر شبكة التواصل الاجتماعيّ "فيسبوك" عن مسار إلى قرية دير غسانة - شمال رام الله ، وهي القرية التي تحتوي على أثار من الفترة البيزنطية وأبنية من الفترة العثمانية، و تتمتع بإطلالات طبيعية رائعة. وخلال الرحلة، ضلّ الدليل طريقه إلى المكان المحدّد، وهو ما جعل أبو هشهش يفكّر بأهميّة وجود دليل مكتوب لهذه المسارات.
وبعد ذلك، وتحديداً في عام 2015، بدأ بالخروج مع فريق مسار "رحلتنا"، حيث يعتمد القائمون عليه، في الدرجة الأولى، على الأدلاّء المحليّين، الذين يعرفون المنطقة جيّداً.
هذه المسارات مكّنته أيضاً من جمع حصيلة جيّدة عن الحياة الاجتماعيّة والثقافيّة لكلّ منطقة يزورها، من حيث المأكولات الشعبيّة والحياة القديمة، إضافة إلى المعلومات التاريخيّة والبيئيّة، كما كان في مسار طوباس والذي نظم في 25 من شهر كانون ثاني، هذا المسار طوله 13 كم متر مش متواصل في سهول خضراء، ويصنف على أنه مسار متوسط الصعوبة، تعرف خلالها المشاركون من الأدلاء المحليين على تاريخ المنطقة والزي الشعبي لأهل المنطقة. يقول أبو هشهش أن من بين المعلومات الجديدة التي حصل عليها من هذا المسار كانت أن هذه المنطقة كانت أهم مناطق الدفاعية لجيش الإنقاذ في العام 1948.
وأيضاً، خلال مسار قرية أرطاس القريبة من بيت لحم، كانت المفاجأة لأبو هشهش ومن معه في المسار، أنّ أهمّ الأديرة الموجودة في المكان وهو دير الجنة المقفلة الذي ووضع حجر الأساس لبنائه خلال زيارته للقرية "الأسقف مورينو رئيس اساقفة الآرغواي" في العام 1894، صمم وبني بأيدي مهندسين فلسطينيّين هما الأخويين إبراهيم ومرقص نصار، وهي المعلومة التي سيقوم بتوثيقها في الدليل عند الحديث عن مسارات مدينة بيت لحم.
ويعتقد أنّها ستكون كافية لتغطية كلّ الضفّة الغربيّة. وسيقوم بتصنيفها حسب المدن، بحيث يكون في الدليل فصل لكلّ مدينة واسم المسار ومعلومات حول طوله ومستوى الصعوبة وما يمكن أن يراه المتجوّل من مكوّنات الطبيعة، النباتات والزهور والحيوانات وأنواعها، إضافة إلى الطيور التي تعيش في المسار وتهاجر إليه أيضاً، وحالته الجويّة في مختلف الفصول، وصور مرفقة لكلّ مسار منذ البداية حتّى نقطة النهاية، فضلاً عن بدائل الطرق للوصول إلى النقطة المحدّدة في حالات الطوارئ.
ولجمع هذه المعلومات، لم يكتف بما دوّنه خلال المسارات التي قام بها بشكل شخصيّ، لكنّه تعاون مع جهات عدّة من وزارة الثقافة كـ"رواق مركز المعمار الشعبيّ" للتعرّف إلى تاريخ المباني الموجودة في المناطق، وكذلك مع المصوّرين المحليّين، إضافة إلى تجريته مسارات بشكل فرديّ.
ورغم إتمام أبو هشهش المسارات التي سيحتويها الدليل، إلاّ أنّ عمله لا يزال ناقصاً، من دون تمكّنه من تجربة مسارات قطاع غزّة، كما قال، بسبب إجراءات الاحتلال ومنعه من الوصول إلى هناك، رغم محاولاته استصدار تصريح أمنيّ أكثر من مرّة.
وقالت منسّقة مسار "رحلتنا" كوثر طه لـ"المونيتور": "خلال بداية عملي على تنسيق المسارات، لم يكن التنظيم بهذه السهولة، كان يتطلّب العمل مع الأدلاّء المحليّين وزيارة مسبقة للمسار، وهو ما يمكن لمثل هذا الدليل أن يوفّره لمن يرغب في تنظيم المسارات أو حتّى خوض التجربة بشكل فرديّ.
تقوم وزارة السياحة بالتركيز على هذه السياحة الداخلية لتنظيمها كما يقول مدير السياحة الداخلية في الوزارة أحمد نعيرات. نعيرات قال ل" المونيتور" إن دائرته تقوم وبشكل رسمي على إعداد دليل لهذه المسارات أيضا، سيتضمن أهم 30 مسارا سياحيا في فلسطين في المرحلة الأولى".
وقال نعيرات أن الدليل اعتمد في المرحلة الأولى على هذه المسارات الثلاثين بناء على متابعة أهم المسارات التي تتكرر، ومنها مسار وادي غزة في القطاع، والذي يتميز بطبيعته الخلابة ووجود الخرب والمناطق الأثرية فيه، وفي القدس مسارات البلدة القديمة، والبقية هي مسارات في الضفة وأهمها مسار وادي القلط وهو مسار يمتد من الضواحي الشرقية لمدينة القدس المحتلة في الغرب، إلى أريحا ونهر الأردن في الشرق، وسمي نسبة إلى هي دير القديس جورج، أو دير القلط، والذي نحت في الصخور والمعلق بأعلى الجرف الصخري، ومسار وبلدة بلدة بتير وهي القرية التي أدرجت على لائحة التراث العالمي.
وقال نعيرات إن هذا النوع من السياحة يزداد كل عام، وهذا ما جعل الوزارة تأخذ الأمر بعين الاعتبار خلال إعدادها قانون السياحة الجديد لتنظيم هذا النوع من السياحة بقوانين واضحة، ولكن إلى حينه قامت الوزارة بالتواصل مع أهم منظمي هذه المسارات والطلب منهم بالالتزام بمجموعة من المعايير أهمها اصطحاب دليل مرخص واسعاف مرخص والالتزام بمعايير السلامة وتجنب المسارات الخطرة.