لوحات تدور حول مدينة القدس وكيف يمكن للاستيطانات أن تغيّر شكلها، وأخرى تركّز على كيف يمكن أن تكون العمارة أداة استعماريّة وتغيّر شكل مدينة القدس وشرقيّتها العربيّة. أفلام تروي قصص النكبة أو تصوّر بشاعات ما حدث في سجن أبو غريب، مدافع دبّابات وضباع تلتهم الجثث، وفي جوارها يقف دراويش يحنون رؤوسهم. إنّها بعض الأعمال المشاركة في بينالي القاهرة الدوليّ للفنون، الذي افتتحته وزارة الثقافة الإثنين في 10 حزيران/يونيو في دورته الـ13، بقصر الفنون، في دار الأوبرا "وسط القاهرة"، بمشاركة 80 فنّاناً من 50 دولة، وذلك بعد توقّف دام 8 سنوات. ولقد حرص عدد كبير من الفنّانين العرب والديبلوماسيّين الأجانب والوزراء المصريّين الحاليّين والسابقين على حضور الافتتاح، من بينهم الأمين العام السابق لجامعة الدول العربيّة عمرو موسى ووزير الثقافة الأسبق فاروق حسني.
وعن سبب اختيار "نحو الشرق" شعار بينالي القاهرة، قال الفنّان إيهاب اللبّان، وهو قوميسير بينالي: كأنّه يحاول الإشارة إلى العالم القديم، نحو مهد الحضارات الإنسانيّة، إلى موطن قيام الحضارة البشريّة الأولى، نحو أقوى الحضارات وأشهرها، نحو مهد الديانات السماويّة، نحو قبائل وأعراف وأجناس بعاداتها وفنونها وتراثها. خلال السنوات العشر الأخيرة، أصبح الشرق محور اهتمام العالم بأكمله، بما فيه من اضطرابات. ولذلك، يتمّ النظر إلى الشرق بكلّ إيجابيّاته وسلبيّاته. ومن هنا، جاءت الفكرة، لأنّ الفنون خلال السنوات الماضية بدأت تتّخذ اتّجاهاً سياسيّاً بشكل واضح، وفقاً لكمّ الأحداث التي ظهرت.
وتقدم الأعمال المعروضة في الأماكن الثلاثة في القاهرة ، وهي مركز الجزيرة للفنون ، وقصر الفنون ، والمتحف المصري للفن الحديث ، "وسط القاهرة " مجموعة كبيرة ومتنوعة من الفن التكشيلي، وتحلّ أعمال الفنّان الفرنسيّ جيرار جاروست كضيف شرف في بينالي القاهرة، في إطار احتفاء وزارة الثقافة بعام مصر- فرنسا ٢٠١٩، وتبدو لوحاته مزعجة حيناً ومبهجة أحياناً، إذ يظهر فيها حشد من الحيوانات بعضها خياليّ، ومجموعة من الشخصيّات المختلفة، وهو اعتاد أن يستلهم أعماله من الكتاب المقدّس والثقافة الشعبيّة.
وفى لوحة للفنان الأماراتي عمار عطار، اظهرت رجالاً فى اردية بيضاء وكأنهم يشاركون فى احتفالات او طقوس حداد، اما لوحة الفنان العراقي سيروان باران التي تحمل اسم "دورة الإيحاء" ، ظهر فيها صدام بالزي العسكري والأحذية السوداء وبنظرة شريرة يقف حاملًا كلبًا أسود مخيفًا، وعن اعمال الفنانة السعودية سارة العبدلي والتى حملت اللونين بالأبيض والأسود ، بالرغم من اقتراب التصميم من الرسومات الإسلامية التقليدية للوهلة الأولى ، الا انها كانت تحمل بينها شخصيات نسائية عارية.
ويقّدم بينالي القاهرة، الذي انطلقت دوراته الأولى في عام 1984، وتوقّف في عام 2010، مختلف أنواع الفنون التشكيليّة، التي تتمثّل في: "النحت، التصوير، الفوتوغرافيا، الجرافيك، الفيديو، الأعمال المركّبة والمجسمات". وتقام الدورة الجديدة، التي انطلقت تحت شعار "نحو الشرق" في 10 حزيران/يونيو وتستمرّ حتّى 8 آب/أغسطس، فى إطار سعي مصر إلى عودة الأحداث الدوليّة المتوقّفة، لتأكيد دورها الثقافيّ وريادتها على الصعيدين الإقليميّ والدوليّ.
وفي مؤتمر صحافيّ عقد في اليوم السابق للافتتاح بـ9 حزيران/يونيو، وحضره "المونيتور"، قالت وزيرة الثقافة إيناس عبد الدايم: "يهدف البينالي الذي بدأ أولي دوراته في عام 1984، إلى إنشاء منبر للحوار وجمع الأعمال الفنية من قارات مختلفة ،وبات تجربة فريدة في مجاله، ونجح في فرض ذاته عالميّاً باعتباره فعاليّة مؤثّرة تعمل على تلاقي الإبداعات من مختلف القارّات، وتأتي تلك الدورة لتجمع مبدعين من أرجاء الأرض في رحاب أقدم الحضارات".
وفي تصريح لـ"المونيتور" على هامش المؤتمر الصحافيّ، قال رئيس قطاع الفنون التشكيليّة الدكتور خالد سرور: "مع استعادة بينالي القاهرة الدوليّ على الخريطة الثقافيّة المصريّة، بعد غياب 8 سنوات، تتدافع وتتشابك المشاعر داخليّاً بين الفنّان والمسؤول، وحتّى كمواطن عاديّ مع كلّ خطوة إلى الأمام هناك إحساس بالفخر والأمل والثقة. إنّ الفنّ هو رابط قويّ وطبيعيّ عابر للحدود والآفاق، والأحداث الدوليّة الكبيرة كهذه، والتي تقام في أنحاء العالم، هي مهمّة من أجل تبادل الأفكار والرؤى الفنيّة.
وانتقد الفنّان التشكيليّ والنّاقد عماد إبراهيم اختيار عدد معيّن من الفنّانين فى بينالي القاهرة، إذ أشار إلى أنّه لم يحظ بفرصة المشاركة في بينالي القاهرة من قبل، رغم أنّه متواجد ومنتج للحركة الفنيّة التشكيليّة لمدّة تزيد عن 25 عاماً، وقال: "أيّ نشاط فنيّ ينظّمه قطاع الفنون التشكيليّة يقتصر على فئة من التشكيليّين المعروفين باسم "الدائرة المغلقة"، التي يختارها القطاع كلّ عام. ولهذا، لست حريصاً على المشاركة في أيّ فعاليّة فنيّة ينظّمها قطاع الفنون التشكيليّة".
وانتقد الفنّان التشكيليّ عبد الرازق عكاشة وعضو نقابة الفنّانين التشكيليّين المصريّين، اختيار أسماء فنّانين مصريّين، إذ قال خلال تصريح في صفحته الشخصيّة على "فيسبوك": "هنا لي عدّة أسئلة مهمّة عن ممثّلي مصر في البينالي وكلّهم أسماء محترمة جدّاً، لكن هل هناك لجنة اختارت الأسماء من كبار فنّانين مصر، أم هي صدقات؟ هل تقدّم الفنّانون بمشروع وتمّ قبوله؟ وهل مصر التي تضمّ على الأقلّ مائة ألف فنّان، كانت في حاجة إلى استيراد فنّانين مصريّين من الخارج الأميركيّ؟ مثل السيّد يوسف نبيل، وهل أعمال السيّد يوسف نبيل فيها فعلاً إبداع أم إرضاء للغرب؟".
ويعدّ بينالي القاهرة حدثاً دوليّاً، لا يحقّ للأفراد الاشتراك فيه، إلاّ من خلال وزارة الثقافة المصريّة، حيث تختار كلّ دولة من جهتها الفنّانين، وترسل طلباً بذلك إلى وزارة الثقافة المصريّة، ويحقّ لكلّ دولة الاشتراك بـ3 فنّانين على الأكثر. وقد وقع الاختيار من مصر في هذه الدورة على الفنّانين: أحمد بدري، أحمد قاسم، حازم المستكاوى، رضا عبد الرّحمن، عصام درويش، مروة عادل ويوسف نبيل.
ورأى أستاذ كليّة الفنون الجميلة أشرف رضا أنّ "افتتاح بينالي وعودته أمران مبهران، وتنسيقه جاء على أعلى مستوى لعرض أعمال الفنّانين المصريّين والعرب والأجانب"، وقال في تصريح لـ"المونيتور": "إنّ عودة بينالي وعودة مثل هذه الفعاليّات الدوليّة تؤكّدان الريادة المصريّة في مجالات الفنون التي تتمثّل بالقوى الناعمة لمصر".
وأكّد أنّ هناك خطوات إيجابيّة بدأ قطاع الفنون التشكيليّة باتّخاذها لصالح الفنّانين.
واعتبر نقيب الفنّانين التشكيليّين الدكتور حمدي أبو المعاطي أنّ هذه الفعاليّة تعدّ إحدى الفعاليّات، التي تضع مصر مرّة أخرى في مكانها الطبيعيّ على الخريطة الدوليّة التشكيليّة، بعد أن دام توقّفها أكثر من 8 سنوات، لافتا إلى أن أسباب توقف بينالى القاهرة الدولى ترجع إلى عدم الإرادة والحماس فى إقامة هذه الفعالية الدولية الضخمة من قبل وزارة الثقافة.
وقال في تصريح لـ"المونيتور": "تعتبر هذه خطوة مهمّة لإعادة بينالي الإسكندريّة إلى دول حوض البحر الأبيض المتوسّط، وترينالي الجرافيك الدوليّ وبينالي الخزف، وغيرها من الفعاليّات التي توقّفت ورسّخت لوجودها على الخريطة التشكيليّة الدوليّة".