منذ 5 سنوات، قرّر المزارع يوسف أبو ظاهر من مدينة قلقيليّة في شمال الضفّة الغربيّة تخصيص مساحة من أرضه لزراعة الأفوكادو في أرض مفتوحة وليس بيوتا بلاستيكية، بدلاً من الخضروات في البيوت البلاستيكيّة، لما لهذه الزراعة من آفاق جيّدة في التسويق داخل فلسطين وخارجها وثبات سعرها المرتفع مقارنة ببقيّة المزروعات.
مثل يوسف أبو ظاهر، هناك حوالى 400 مزارع في محافظة قلقيليّة التي تعتبر الأولى زراعيّاً في الضفّة، استبدلوا زراعة الجوّافا والحمضيّات بزراعة الأفوكادو، وجميعهم يخشون من تأثر موسم حصاد الأفوكادو الصيفي الذي بدأ في تموز الحالي بسبب التقلبات الجوية وارتفاع الحرارة نهارا وانخفاضها ليلا.
وأشار أبو ظاهر (50 عاماً) في حديث لـ"المونيتور" إلى أن المحصول هذا العام مهدد وخاصة مع عدم وجود الخبرة الكافية لديه، وغيره من المزارعين، في التعامل مع الأمراض التي أصابت بعض أنواعه نتيجة للتقلبات الجوية.
توجه أبو ظاهر إلى هذه زراعة الأفوكادو بدلا من زراعة البيوت البلاستيكية لأنها تحتاج إلى جهد وتكلفة أقلّ من المزارع، إلى جانب حفاظها طوال فترة قطافها على أسعار جيّدة حيث لا يقل ثمنه في الأسواق المحلية عن 7 شواكل (ما يعادل دولارين اثنين لكل كيلو).
وحاليّاً، يزرع أبو ظاهر ما مساحته 30 دونماً بأنواع مختلفة من ثمرة الأفوكادو، ويصدّر ما مجموعه 150 طنّاً من منتجاته، ورأى أنّ سرّ نجاح هذه الزراعة هو الطلب العالي عليها داخل السوق الفلسطينيّة ووجود آفاق للتصدير إلى الخارج.
المعوقات الوحيدة التي يواجهها أبو ظاهر وغيره من المزارعين الجدد لهذه النبتة، عدم وجود الخبرة الكافية، خصوصاً في ظلّ الأجواء الجويّة الحاليّة التي أثّرت على المحصول وأدّت إلى ظهور بعض الأمراض، الأمر الذي جعله يستعين بخبرات أحد معارفه، الذي يعمل في زراعة الأفوكادو بمزارع إسرائيليّة.
الجدوى الاقتصاديّة الجيّدة لزراعة الأفوكادو جعلت وزارة الزراعة الفلسطينيّة توليها اهتماماً خاصّاً، كما قال مدير زراعة محافظة قلقيليّة المهندس أحمد عيد، وأضاف إن وزارة الزراعة قامت بتدريب مهندسين زراعيّين على هذا الصنف لنقل خبراتهم إلى المزارعين ضمن خطّة وضعتها الوزارة قبل أكثر من 10 سنوات لتوسيع المساحة المزروعة بالأفوكادو.
وقال أحمد عيد لـ"المونيتور": إنّ زراعة الأفوكادو في فلسطين حديثة ولا تزال محصورة في محافظة قلقيليّة، إلى جانب مساحات محدودة في طولكرم، وبدأت بمبادرات فرديّة لمزارعين فلسطينيين كانوا يعملون في إسرائيل، نقلوا خبرات عملهم داخل إسرائيل بهذا الصنف إلى الأراضي الفلسطينية.
وتزرع قلقيلية بحسب أبو عيد ما مساحته 5 آلاف دونما بينما تبلغ الساحات في محافظة طولكرم 500 دونما، ونظراً إلى ارتفاع أسعار الشتول، تقوم الوزارة بتوزيعها مجّاناً على المزارعين وتوفّر الإرشاد الزراعيّ لهم منذ أكثر من عشرة سنوات.
وقال عيد: "كانت نقطة التحوّل في هذه الزراعة قبل 5 سنوات، بالاتفاق مع وزارة الزراعة الأردنيّة وأصبحنا نصدّر الأفوكادو إلى الخارج، وعائدها الاقتصاديّ جيّد جداً، مقارنة مع الأصناف الأخرى، فزراعة الحمضيّات والجوّافا تراجعت بسبب عدم وجود تسويق والمنافسة الكبيرة". قبل ذلك كان التصدير بكميات قليلة وبجهود ذاتية من المزارعين.
وبالأرقام التي زوّدنا بها عيد، فإنّ الوزارة توزّع سنويّاً ما يزيد عن 10 آلاف شتلة أفوكادو في قلقيلية، وهو ما يؤشّر إلى توجّه كبير لدى المزارعين للمحافظة على هذا النوع من الزراعة. وتزرع في قلقيليّة 3 أنواع من الأفوكادو، أشهرها: الهاس (الخشن)، التنجر (الملس الكبير)، و"بنجرتون"، الذي تأثّر إنتاجه بالتقلّبات الجويّة هذا العام.
وعن الإنتاج السنويّ، قال عيد: إنّ قلقيليّة تنتج ما مجموعه 8 آلاف طنّ سنويّاً يتمّ تصدير 800 طنّ إلى الأردن والكويت، في ظلّ توقّعات بارتفاع نسب التصدير خلال الموسم الحاليّ مع فتح آفاق تصدير جديدة في كلّ من قطر والعراق ستحدد كمياتها حسب الموسم هذا العام بحسب عيد.
المزارع مدحت زيد (53 عاماً) كان من المزارعين الأوائل الذين توجّهوا لإدخال هذه الزراعة إلى المحافظة، لكنّه، كما أبو ظاهر، يعاني هذا العام من تقلّبات الأجواء والحرارة العالية في النهار وانخفاضها في الليل.
يملك مدحت زيد 350 دونماً تقع داخل الجدار العازل الذي بنته إسرائيل حول مدينة قلقيليّة، كلّها مزروعة بالمزروعات الاستوائيّة الجديدة على قطاع الزراعي في فلسطين من أفوكادو ومانجا وغيرهما، وقال لـ"المونيتور" إنّ هذه المزروعات ناجحة جدّاً في المحافظة، التي تمتاز بارتفاع الحرارة في الصيف، إضافة إلى الرطوبة العالية وتوافر المياه للري. وتابع:" هذا العام أكثر من 30 في المئة من المحصول تأثّر بفعل التقلّبات الجويّة".
ولكن لدى زيد، وهو من المصدّرين الأوائل لهذا المنتج إلى الخارج، مشاكل أخرى تتعلّق بالتصدير وعدم وجود سياسات حكوميّة ضابطة، إلى جانب الرسوم العالية التي يدفعها المزارعون لتصدير منتجاتهم.
ووافق أبو ظاهر ما ذهب إليه زيد في ما يتعلّق بالرسوم العالية على التصدير، إذ قال: في العامين الأخيرين، فرض الأردن رسوماً على تصدير الأفوكادو بمقدار 400 دينار أردنيّ (حوالي 560 دولار) لكلّ طنّ، وهو ما أصبح يشكّل عبئاً على المزارعين المصدّرين.
أضاف أبو ظاهر: لا بدّ من سياسة رسميّة لرعاية هذا التوجّه للتصدير، وألاّ تبقى الأمور مجرّد جهود ذاتيّة للمزارعين، فضلاً عن حاجتهم إلى بيوت للتعبئة والتهيئة للتصدير بمواصفات دوليّة لتوسيع مجالات التصدير أكثر.
لا يتوقّف دور الوزارة عند هذا الحدّ، كما قال مدير التسويق في وزارة الزراعة الفلسطينيّة طارق أبو لبن لـ"المونيتور"، فالحكومة تتابع التسويق في الأسواق المحليّة حيث الطلب العالي عليها، أو في الأسواق الأردنيّة، ويعتبر الأردن اليوم أكبر سوق للأفوكادو الفلسطينية.
وعن الرسوم التي يدفعها المزارعون، قال أبو لبن: إنّ الأفوكادو، كما غيره من المنتجات الفلسطينيّة، معفيّ من الضرائب والجمارك في السوق الأردنيّة، وذلك بناء على قرار المجلس الاقتصاديّ والاجتماعيّ التابع لجامعة الدول العربيّة رقم 200 الصادر سنة 2000، والذي قضى بإعفاء السلع والمنتجات الفلسطينيّة من كلّ الرسوم الجمركيّة والرسوم والضرائب ذات الأثر المماثل.
ولكن هناك سياسات أردنيّة فرضت خلال العامين الأخيرين، ومن الصعب على الوزارة الزراعة الفلسطينية التدخّل بها بحسب أبو لبن.
فهذه الرسوم هي ضرائب جباية تفرض على كلّ المنتجات الأردنيّة والفلسطينيّة، على غرار ضريبة الدخل، والتي ترتفع حسب نوع السلعة، فالأفوكادو يصنّف من قبل الجانب الأردني على أنّه سلعة كماليّة، ليست أساسيّة. ولهذا، إنّ الضرائب عليه مرتفعة بحسب أبو لبن.
وأشار أبو لبن إلى أنّ الوزارة تسعى إلى فتح أسواق جديدة لهذا الصنف، إلاّ أنّ الكميّة المصدّرة لا تزال حتّى الآن متواضعة، نظراً لحداثة هذه الزراعة نسبيا في فلسطين وحاجة السوق المحليّة إلى كميّات جيّدة منه.
ورغم جدوى هذه الزراعة إلا أن لا المعلومات واضحة عن نسبة مشاركة ناتج الأفوكادو من الناتج المحلي الإجمالي، أو نسبة ما يشكله من ناتج قطاع الزراعة الذي بلغ 3% فقط من الناتج المحلي الإجمالي في العام 2018 بعد أن كان 2.8% في العام 2017.