القاهرة - على مدار يومي18 و19 أكتوبر/تشرين الأول، استضافت القاهرة اجتماعاً جديداً لأعضاء مجلس النوّاب الليبيّ، بدعوة من البرلمان المصريّ، للتشاور والبحث في الأزمة السياسيّة بالبلاد، مستبقاً المؤتمر الدوليّ المرتقب في برلين المقرّر عقده مطلع الشهر المقبل لحلّ الأزمة تحت رعاية الأمم المتّحدة.
وأشار البيان الختاميّ الصادر عن الاجتماع، السبت في 19 أكتوبر/تشرين الأوّل، إلى أنّ اللقاء يأتي استمراراً للاجتماع الأوّل الذي عقد بالقاهرة يوليو/تموز الماضي، "في ظروف جعلت من الصعب على مجلس النوّاب العمل بشكل طبيعيّ، خصوصاً مع تزايد الضغوط التي تمارس للسيطرة على إرادته، ومحاولات تقسيمه لإفشاله"، في إشارة إلى النوّاب الموالين لحكومة الوفاق في طرابلس الذين أعلنوا انشقاقهم عن المجلس في أيّار/مايو الماضي احتجاجا على الهجوم الذي شنته قوات المشير خليفة حفتر في نيسان/إبريل الماضي على الجماعات المسلّحة المتحالفة مع حكومة الوفاق للسيطرة على طرابلس.
وقبل يوم من اجتماع القاهرة، أعلن "نواب طرابلس" رفضهم المشاركة رغم دعوتهم للحضور لاحتواء الانقسام الذي دب في المجلس، وقالوا في بيان يوم 16 أكتوبر/تشرين الأول (اطلع عليه المونيتور)، إن مصر ليست طرفا محايدا لتبني أي مبادرة لحل الأزمة بعد دعمها الحرب على العاصمة.
ورحّب النوّاب المجتمعون (90 نائباً) بكلّ الجهود الدوليّة لوضع حلّ للأزمة الليبيّة، لكنّهم "أعلنوا رفضهم لأيّ تجاوز لمجلس النوّاب ومحاولة وضع حلول تستند على معايير أخرى كدعوة جهات وأطراف غير ذات صفة لا يمكن أن تكون ممثّلة للشعب الليبيّ، ولا يمكن لنتائج مثل هذا الحوار أن تكون شرعيّة".
ولفت مسؤولون ومراقبون إلى أنّ الاجتماع يهدف إلى توحيد صفّ مجلس النوّاب، بعد انشقاق عدد من النوّاب الموالين لحكومة الوفاق المدعومة أمميّاً في طرابلس، وأيضاً تنسيق المواقف مع القاهرة، التي تدعم المشير خليفة حفتر المدعوم بدوره من مجلس النوّاب، مع اقتراب مؤتمر برلين المرتقب لحلّ الأزمة.
وأشار رئيس مجلس النوّاب الليبيّ عقيلة صالح في تصريحات نشرها الموقع الرسميّ للمجلس، الإثنين بـ21 تشرين الأوّل/أكتوبر، إلى أنّ اجتماع القاهرة "يصب في صالح توحيد صف مجلس النوّاب كسلطة شرعيّة لإنهاء الأزمة السياسيّة وتحقيق إرادة الليبيّين، مثمّناً في الوقت نفسه "جهود مصر الحثيثة لدعم السلطة الشرعيّة الوحيدة المنتخبة من الشعب".
وعلى المنوال ذاته،رحّبت القيادة العامّة للجيش الوطنيّ الليبيّ الذي يقوده خليفة حفتر بالاجتماع.
وفي أيلول/سبتمبر، أعلنت ألمانيا عن مساعيها، بالتعاون مع الأمم المتّحدة، إلى عقد مؤتمر دوليّ لإنهاء الحرب جنوب العاصمة.
وأظهرت الحملة، التي نفّذها حفتر، انقساماً دوليّاً حادّاً حول الأزمة الليبيّة، حيث لم يستطع أيّ من الطرفين المتصارعين في ليبيا حسم المعركة لصالحه، وأسفرت عن مقتل أكثر من ألف قتيل وجرح أكثر من 5 آلاف شخص، ونزوح 120 ألف مدنيّ، فضلاً عن اتهامات للطرفين من جانب منظّمة العفو الدوليّة عن احتمال ارتكاب جرائم حرب في القتال.
ولفت العضو في مجلس النوّاب الليبيّ المبروك الخطابي إلى أنّ اجتماع القاهرة استباق لمؤتمر برلين ضمن مساعي حفتر إلى إظهار "واجهة سياسيّة" تدعمه في التسوية المرتقبة، وقال في تصريحات عبر الهاتف لـ"المونيتور": في الوقت نفسه، صعّد الجنرال المتقاعد عمليّاته العسكريّة في طرابلس أخيراً لتحقيق أكبر مكاسب على الأرض أيضاً قبل المؤتمر.
وأضاف: في المقابل، أثبت الطرف الآخر المتمثّل بحكومة الوفاق برئاسة فايز السرّاج أنّه "ليس لقمة سائغة ولا يزال صامداً" أمام الهجوم العسكريّ".
واتّفق معه عضو المجلس المصريّ للشؤون الخارجيّة السفير رخا حسن، الذي قال لـ"المونيتور": إنّ اجتماع القاهرة الأخير جاء لتنسيق الموقف، وهدفه محاولة توحيد أكبر عدد من أعضاء البرلمان لتأييد حفتر لتقوية جبهته وأوراقه التفاوضيّة قبل مؤتمر برلين.
وأشار في حديث لـ"المونيتور" إلى أنّ مصر والإمارات تشكلان الداعم الإقليميّ لحفتر، في وجه حكومة الوفاق التي تضمّ في هيكلها عناصر من جماعة الإخوان المسلمين وتدعمها تركيا وقطر.
بدوره، رأى الباحث المتخصّص في الشأن الليبيّ بـ"مركز الأهرام للدراسات الاستراتيجيّة" كامل عبد الله أنّ الاجتماع الأخير جاء لرأب الصدع، الذي دبّ في مجلس النوّاب - المعسكر السياسيّ لحفتر- بسبب العمليّة العسكريّة الأخيرة على العاصمة، مدلّلاً على ذلك بانشقاق نوّاب طرابلس وسعيهم إلى استقطاب مزيد من الأعضاء إلى صفوفهم، وقال في تصريحات لـ"المونيتور": إنّ مصر سارعت في الدعوة إلى الاجتماع لاحتواء الخلاف في المعسكر الشرقيّ (حلفاء حفتر) لإبقاء التماسك في جبهة حفتر.
ويكثّف المبعوث الأمميّ غسّان سلامة اجتماعاته مع أطراف وجهات متعدّدة في ليبيا للتمهيد للمؤتمر. وفي المقابل، استضافت برلين اجتماعاً (غير معلن)، في أيلول/سبتمبر، ضمّ ممثّلين عن دول أميركا وبريطانيا وفرنسا وإيطاليا ومصر وروسيا والصين وتركيا والاتحاد الإفريقيّ وجامعة الدول العربيّة.
وأعلنت واشنطن، في18 تشرين الأوّل/أكتوبر، مشاركتها في مؤتمر برلين، بعدما ضاعفت جهودها في الأشهر الأخيرة لإنهاء القتال ودعم مبادرات الأمم المتّحدة للتوصّل إلى حلّ سياسيّ تفاوضيّ للأزمة.
وعن مؤتمر برلين، قلّل المبروك الخطابي من فرص نجاحه في حلّ الأزمة الراهنة، وقال: "كغيره من المؤتمرات السابقة مثل باريس وباليرمو، لن يتغيّر الأمر كثيراً، فيتمّ استقبال الوفود ووقف إطلاق النار، ثمّ يعودون إلى الحرب مجدّداً".
ورأى الخطابي أن "حل الأزمة يكمن في أن يحسم أحد الأطراف المعركة الدائرة في طرابلس لصالحه والسيطرة على ما تبقّى من البلاد وإحكام قبضته الأمنيّة عليها، وبعدها إجراء مصالحة وطنية تحت إشراف أممي ودولي ثمَ تنظيم انتخابات تشريعيّة ورئاسيّة في البلاد"، وفق قوله.
من جهته، ربط كامل عبد الله نجاح المؤتمر باتفاق اجتماع مجموعة "5 + 5"، أيّ الأعضاء الدائمين في مجلس الأمن، إضافة إلى إيطاليا والإمارات ومصر وتركيا وألمانيا، على الحلّ الجذريّ للنزاع قبل استدعاء الأطراف الليبيّة إلى طاولة المفاوضات، وقال: إنّ هناك إشارات من تحضيرات مؤتمر برلين عن استبعاد أطراف داخليّة ليبية وإقليميّة من التسوية المرتقبة، فيما يبدو أنّ "هناك تحرّكات لإعادة هندسة المشهد السياسيّ في ليبيا والبحث عن وجوه جديدة لتصدّر المشهد السياسيّ، بعد أن سئمت من الشخصيّات المتصارعة حاليّاً".