الأقصر— موجة غضب أثيرت بعد تداول مواقع التواصل الاجتماعيّ صور حفل زفاف داخل معبد الكرنك في الأقصر، جنوب مصر، بـ4 تشرين الأوّل/أكتوبر من عام 2018، والذي شيّده الملك سنوسرت الأوّل قبل أكثر من 4000 عام.
قالت الإعلاميّة والكاتبة ياسمين الخطيب على حسابها الرسميّ على "تويتر" بـ7 تشرين الأوّل/أكتوبر: "ده معبد أثريّ عمره آلاف السنين مش صالة أفراح".
وطالب المستشار السياحي لغرفة شركات السياحة في الأقصر ثروت عجمي في بيان صحفيّ وزّع على وسائل الإعلام، في 5 تشرين الأوّل/أكتوبر، بـ"التحقيق في واقعة قيام وزارة الآثار بالموافقة على إقامة حفل عشاء وعقد قران بحضور أكثر من 300 شخص داخل معابد الكرنك الفرعونيّة"، وقال انه من المرفوض إقامة حفل زفاف داخل المعبد ولا يمكن تحويل المناطق الأثريّة لصالات أفراح لتتمكن الوزارة من جني الأموال.
وهناك لائحة تنظم إقامة الحفلات والمؤتمرات في المناطق الأثرية وحرم الأثر(المساحة الملاصقة للأثر)، ويجب الالتزام بها، وهي: "الحفاظ على الأثر وعدم العبث به، وإخطار وزارة الآثار ببرنامج الحفل، وميعاده، وعدد الحضور، والالتزام بقواعد النظام العام والآداب العامة، ويحق لوزارة الآثار اتخاذ الإجراءات القانونية ضد من يخالف هذه الشروط"
ورغم حرص الغاضبين على المعبد من التأثيرات السلبيّة التي تسببها حفلات الزفاف، إلاّ أنّ المدير العام لآثار الكرنك الدكتور مصطفى الصغير، قال في تصريحات صحافيّة بـ5 تشرين الأوّل/أكتوبر: "إنّ حفل الزفاف الذي أقيم داخل معبد الكرنك تمّ تنفيذه وفقاً لموافقة وزير الآثار الدكتور خالد العناني".
وأشار إلى "أنّ حالة الجدل التي أعقبت حفل الزفاف تعود إلى الصراع الدائم بين شركات السياحة، خصوصاً عندما تقيم إحدى شركات السياحة حفلاً داخل المعبد وفقاً للقانون".
بينما أكدت وزارة الآثار المصرية في بيان لها نشر على صفحتها الرسميّة على "فيسبوك" بـ6 تشرين الأوّل/أكتوبر: إنّ الشركة خالفت الموافقات الرسميّة والخاصّة بإقامة حفل عشاء، وليس حفل زفاف. ولذا، تمّ تحرير محضر في شرطة السياحة والآثار ضدّ الشركة، ووقف التعامل معها، لتخفيف حدة الغضب التي تسبب فيها حفل الزفاف.
ولم تكن هذا أول مرة يتسبب فيها حفلاً داخل معبد الكرنك في غضب المصريين، ففي شهر تشرين الأول/أكتوبر 2016، نظم الثنائي المصري"Ali and Fila"حفلاً موسيقياً صاخباً، حضره العديد من الشباب والفتيات المصريين والأجانب، مما جعل معبد الكرنك أقرب إلي ملهي ليلي.
ويذكر أنّ في 23 تمّوز/يوليو من عام 2016، أصدر الأمين العام للمجلس الأعلى للآثار المصريّة قراراً بتحديد أسعار تأجير المناطق الأثريّة لإقامة الحفلات العامّة والخاصّة (حفلات الزفاف) والتصوير الفوتوغرافيّ أو السينمائيّ، بهدف تنمية الموارد الماليّة للوزارة، وهناك لائحتان تنظمان الاحتفال والتصوير في الأماكن الأثرية، الأولي خاصة بالاحتفالات ونوعيتها (سواء كانت حفلة عامة أو حفل زفاف)والعدد المسموح به وسعر كل حفل حسب المكان الأثري، والثانية خاصة بالتصوير(سواء كان فوتوغرافيّ أو تلفزيونيّ أو سينمائيّ)ومحدد فيه سعر كل منهم حسب المكان الأثري وجنسية المصور(سواء كان مصري أو أجنبيّ".
وتعليقاً على الخلاف الدائر، الذي تسبّبت فيه وزارة الآثار المصريّة، قال عضو لجنة السياحة والطيران في مجلس النوّاب أحمد إدريس خلال حديث خاص لـ"المونيتور": "لا يوجد ما يمنع إقامة حفلات الزفاف في المناطق الأثريّة، ولكن شرط أن تقام في الساحات المحيطة بالآثار، ووفقاً لضوابط واشتراطات وزارة الآثار، للحفاظ على القيمة الأثريّة والتاريخية للآثار".
أضاف: "إنّ الحفلات تعدّ صورة من صور الترويج السياحيّ لمصر، خصوصاً إذا حضرتها شخصيّات عالميّة".
وأكّد: "أنه سيقدم طلب بمراجعة اللوائح المنظمة لإقامة الحفلات الاجتماعية أو العامة بالمناطق الأثرية في البرلمان، من أجل تعديلها ووضع شروط وضوابط مُلزمة لإقامة الحفلات بمحيط المناطق الأثرية، مما يزيد من فرص الاستثمار السياحي، حتى لا تكون المناطق الأثرية للزيارة فقط".
وفي سياق متّصل، تدرس وزارتا السياحة والآثار كيفيّة الاستفادة من القصور والمباني الأثريّة كمنتج سياحيّ يمكن الترويج له، وقالت وزيرة السياحة المصريّة رانيا المشاط خلال تصريحات صحافيّة بـ7 تشرين الأوّل/أكتوبر: "إنّ مصر مليئة بالقصور التي تعدّ تحفاً معماريّة وأثريّة، ويمكن الاستفادة منها واستغلالها سياحيّاً".
أضافت: "يمكن استغلال بعض هذه القصور لإقامة فنادق بوتيك (Boutique Hotels)، والتي تجذب سيّاحاً من ذوي الإنفاق المرتفع".
وأشار عضو مجلس إدارة غرفة شركات السياحة السابق علاء الغمري في اتصال هاتفيّ لـ"المونيتور" إلى أنّ "القصور الأثريّة في مصر لها عمق تاريخيّ، يمكن الاستفادة منها إذا اصبحت فنادق، لأنّ طرازها المعماريّ والفنيّ سيكون عامل جذب لنوع خاص من السيّاح، أصحاب الإنفاق المرتفع"، وقال: "يعتمد نجاح تلك الخطوة على إعادة تأهيل القصور الأثريّة من ناحيتيّ الترميم والصيانة، حتّى تصبح بأبهى صورها، ودراسة كلّ قصر بشكل منفصل، وتسعير كلّ غرفة بشكل منفصل عن الأخرى، والتعريف بالشخصيّات المشهورة التي أقامت في تلك الغرف، لضمان نجاح عمليّة الترويج لتلك الفنادق خارجيّاً".
أضاف: "يجب أن تطرح الحكومة المصرية مناقصة عالمية لإدارة الفنادق التراثية، لدخول المستثمرين القادرين على إدارة هذا النوع من الفنادق حتى تحقق العائد الاقتصاديّ المتوقّع لها".
واتّفق معه في الرأي أحمد إدريس، إذ قال لـ"المونيتور": "فكرة استغلال القصور الأثريّة كفنادق، ظاهرة عالميّة، ولها السيّاح الباحثون عنها. ولذا، يجب أن تبدأ مصر في تنفيذها، والدعاية الكافية لها خارجيّاً".
أضاف: "يجب أن تدار تلك الفنادق من قبل شركات متخصّصة في إدارة الفنادق التراثية، ولكن تحت إشراف وزارة الآثار، للحفاظ على الطابع المعماريّ للآثار، وأن يتمّ منح هذه الشركات فقط حقّ الإدارة مقابل نسبة من الأرباح، وذلك وفقاً للعقود التي سيتمّ توقيعها مع وزارة الآثار".
وأكّد إدريس "أنّ العائد الماليّ من تلك الفنادق يجب أن يستخدم في صيانة الآثار المصريّة كافّة وتأهيلها والترويج لها".
من جهته، أكّد أستاذ الآثار الإسلاميّة في كليّة الآثار بجامعة القاهرة الدكتور مختار الكسباني لـ"المونيتور" "أنّ الفنادق التراثيّة ذات أسعار مرتفعة، بسبب طرازها وقيمتها الأثريّة والتاريخيّة، الأمر الذي سيحقّق لمصر عائداً اقتصاديّاً مرتفعاً، وقال: هناك قصور عدّة تعود إلى القرن الـ19 صالحة إلى أن تكون فنادق، وتصبح عنصر جذب سياحيّ".
بدوره، قال مدير مشروع تطوير القاهرة التاريخيّة (جهة حكوميّة تابعة لوزارة الآثار) محمّد عبد العزيز لـ"المونيتور": "إنّ هناك 58 قصراً أثرياً مسجلاً في وزارة الآثار، منها 55 قصراً ملك الدولة، وبعض تلك القصور قيد الترميم والصيانة لإعادة توظيفها وتصنيفها، مثل: قصر البارون، وقصر الأمير طاز، وقصر الشناوي.. وغيرها، بهدف الاستفادة منها بشكل أفضل واستثمارها سياحياً وثقافياً".
وأشار إلى أنّ "فكرة تحويل القصور الأثريّة إلى فنادق طرحتها وزيرة الاستثمار في اجتماع اللجنة الوزاريّة المعنيّة بالقصور الأثريّة، وما زالت قيد الدراسة"، مؤكداً: "إن الدراسة هي من سوف تحدد القصور الصالحة لأن تكون فنادق أو متاحف أو لإقامة الفعاليات الفنية والثقافية"، متابعاً: "لكنّ وزارة الآثار بدأت منذ فترة بتحويل بعض الوكالات الأثريّة لتصبح فنادق تراثيّة سياحيّة، مثل وكالة قايتباي التي تعود إلى العصر المملوكيّ في منطقة الجماليّة بالقاهرة، لأنها ذات طابع معماري وفني مميز"، وقال: "إذا خرجت الدراسة بقرار تحويل عدد من القصور إلي فنادق، سوف تكون المرة الأولي التي يحدث فيها ذلك تحت إشراف وزارة الآثار".
وعن الفنادق التي كانت سابقاً قصوراً في مصر، مثل، فندق ماريوت بالقاهرة وفندق سوفيتيل كتراكت بأسوان وفندق قصر السلاملك بالإسكندرية، قال: "إنّ تلك القصور تم تحويلها قبل أن يتم تسجيلها كأثر في وزارة الآثار، لذا هي غير خاضعة للوزارة".
وأكّد محمّد عبد العزيز "أنّ إدارة تلك الفنادق لم تحدّد حتّى الآن، حتّى يتمّ وضع الشروط والضوابط المناسبة للحفاظ على الآثار".