تجاوز إلى المحتوى الرئيسي

هيت في غرب العراق تسعى إلى لائحة التراث العالميّ عبر نواعيرها التاريخيّة

مدينة هيت، التي احتلّها تنظيم "داعش"، تسعى إلى إعادة إحياء تراثها بتأهيل دواليب السقي التاريخيّة المسمّاة "النواعير"، والتي تمثّل معلماً تاريخيّاً ورمزاً محليّاً يعكس هويّة السكّان، بعد أن كانت في الماضي القريب الوسيلة المثاليّة لإرواء الأراضي الزراعيّة.
GettyImages-526988498.jpg

يستعدّ العراق منذ 10 نيسان/إبريل من عام 2019 إلى حملة إعادة تأهيل نواعير هيت، إحدى مدن أعالي الفرات غرب العراق، حيث تشكّل هذه الآلات التي ترفع الماء من الأنهر لسقي الأراضي الزراعيّة، مصدراً اقتصاديّاً في الماضي، وجزءاً من ذاكرة المدن الممتدّة على جانبيّ نهر الفرات وهويّتها، الأمر الذي يدفع بالمسؤولين والمواطنين في المدينة إلى تسجيلها على لائحة التراث العالميّ، التي ترعاها منظّمة الأمم المتّحدة للتربية والعلم والثقافة - اليونسكو.

والناعور يُعرّف بأنّه دولاب يدور بدفع الماء، أو جرّ الماشية، فيخرج الماء من البئر أو من النهر إلى الحقل، و"العراق، الموطن الأوّل للنواعير"، كما قال لـ"المونيتور" الباحث في التاريخ والمدرّس في كليّة "المعارف" بالرمادي قحطان محمّد صالح الهيتي، الذي كتب بحوثاً في النواعير وتاريخ هيت، وأوضح أنّ "تاريخ هذه الآلات يعود إلى الحضارة الأكديّة، فيما مدينة هيت هي الأقدم بين مناطق غرب العراق (2368 ق.م)، وقد استخدم سكّانها دواليب النواعير لرفع المياه من نهر الفرات إلى السهول المجاورة".

وأشار إلى أنّ "هذه الطريقة في الريّ، المبتكرة في وقتها، تمّ اختراعها على الأرجح حوالى عام 200 ق.م في سوريا أو في بلاد الرافدين أو في إيران، لتجنّب الجفاف، نتيجة انخفاض مستوى مياه نهر الفرات عن الأراضي الزراعيّة".

وإنّ الشعور بأهميّة النواعير لا يقتصر على أهالي هيت والمناطق الغربيّة، بل على سكّان العراق بغالبيّتهم، فالكاتب صباح ناهي تحدّث في مقال عن "معاناة النواعير من الإهمال لسببين، أحدهما الجفاف نتيجة بناء السدود على الأنهر التي خفّضت مناسيب المياه، وثانيهما بسبب حالة اللاّاستقرار الذي أصاب مناطق وجود النواعير، نتيجة الحروب في العراق وسوريا وهجرة السكّان نتيجة سيطرة داعش عليها".

وفي خطوة أولى، أكملت وزارة الموارد المائيّة تدوير الناعور الأوّل في 29 نيسان/إبريل من عام 2019 بمنطقة التربة في جزيرة هيت، فيما التقى أعضاء اللّجنة المشكّلة من قبل محافظة الأنبار والمختصّة بمشروع إحياء التراث والمواقع الأثريّة، مسؤولي حكومة هيت المحليّة بهدف تنفيذ الخطوات الأولى في المشروع.

وتحدّث عضو اللّجنة العليا المركزيّة لإحياء التراث والمواقع الأثريّة في محافظة الأنبار عبد المنعم عبد العزيز الدوسري، وهو صاحب فكرة مشروع تأهيل النواعير، لـ"المونيتور" عن "البدء في تشكيل لجان متخصّصة، قانونيّة وإعلاميّة وماليّة وتنفيذيّة وفنيّة، تعمل على حصر أعداد النواعير، والشروع في مباحثات رصينة مع الوزارات المعنيّة والعمل على استكمال الأمور اللوجستيّة الأوليّة والمهمّة، بهدف إكمال الإعمار والتأهيل. بعد ذلك، البدء في خطوات تسجيلها على لائحة التراث العالميّ".

وكشف عن "دراسة أعدّها حول عمليّات الترميم والصيانة تلبّي الشروط الـ16 المطلوبة للانضمام إلى اللاّئحة العالميّة للتراث وتمّ تسليمها إلى هيئة المستشارين في محافظة الأنبار، وهي تركّز على إعادة التأهيل من دون المساس بالبناء الأصليّ وهيكله المبنيّ من خشب التوت، وهو النوع الوحيد من الخشب الصالح لبناء النواعير"، مشيراً إلى "الاستعانة بحرفيّين من أصحاب التجربة والاختصاص في بناء دواليب النواعير، وهم في الغالب من كبار السنّ في المدينة"، وقال: "ما يواجهه المشروع من صعوبات يكمن في التمويل الماليّ، الأمر الذي يستدعي دعم منظّمة اليونسكو، فضلاً عن الحاجة إلى تثبيت حقوق الأهالي من أصحاب المواقع المشمولة بالتأهيل، وكلّ ذلك يحتاج إلى موافقات الجهات الرسميّة ذات العلاقة".

وأوضح المدير العامّ لدائرة الفنون في وزارة الثقافة العراقيّة الدكتور علي عويد العبادي خلال حديث لـ"المونيتور" مساهمة الوزارة في مشروع تأهيل النواعير للاّئحة العالميّة، وقال: "إنّ دائرة الفنون شرعت في حملة إعلاميّة، فنظّمت معرضاً فنيّاً في 10 نيسان/إبريل من عام 2019 يستعرض عبر صور فوتوغرافيّة تقنيّات بناء النواعير، والعمل على إعادة احياء هذه المهنة باعتماد آليّة لتدريب الشباب على حرفة بناء النواعير بالاستعانة بأصحاب المهنة القدماء في هيت".

وكشف عن أنّ "دائرة الفنون العامّة التي تعنى بالتراث، تعمل الآن على إدخال صناعة هذه الآلات في منهاج معهد الحرف والفنون الشعبيّة".

وإلى جانب اهتمام وزارة الموارد المائيّة بالمشروع، بدأت دائرة صيانة مشاريع الريّ والبزل في هيت باعتماد نظام الــGPS لمراقبته عن بعد، وقال قائمقام قضاء هيت مهنّد الهيتي لـ"المونيتور": "إنّ عمليّة إعادة تأهيل النواعير أسندت إلى وزارة الموارد المائيّة التي اطّلعت ميدانيّاً على نسب الأضرار والاحتياجات، ورفعت تقريرها عبر وزير الموارد إلى رئيس الوزراء". ولفت إلى أنّ "رئيس الوزراء وافق على بدء مشروع إعادة إعمار النواعير، وفق المعايير العالميّة التي تكفل انضمامها إلى التراث العالميّ".

من جهته، ينظر الأكاديميّ والتدريسيّ في مركز البحوث التربويّة الدكتور طه جزاع، وهو من نخب هيت، إلى "المسألة الاعتباريّة في المشروع، حيث يحلم أبناء المدينة بوضع مدينتهم ذات يوم على لائحة التراث العالميّ"، مشيراً إلى أنّ ذلك "يحتاج إلى جهود كبيرة وعمل متواصل من أبناء هذه المدينة التاريخيّة الموغلة في القدم، مثلما يحتاج إلى دعم الوزارات والهيئات الحكوميّة مثل وزارة الموارد المائيّة التي أشرفت الهيئة العامّة لصيانة مشاريع الريّ والبزل فيها على إعادة تأهيل نواعير آل رديعان إسهاماً منها في إحياء التراث الثقافيّ لمناطق أعالي الفرات. كما يحتاج ذلك إلى دعم وزارة الثقافة والسياحة والآثار التي ينبغي أن تمهّد لفتح هذا الملف أمام اليونسكو للحصول على الدعم المطلوب"، معتبراً أنّ "ذلك سوف يشجّع على قدوم مجاميع سياحيّة للمدينة".

ولفت طه جزاع إلى أنّ المشروع لا يعود بالمنفعة السياحيّة والماليّة فحسب، بل يساهم في انفتاح المنطقة التي عانت لسنوات من العزلة بسبب هيمنة التنظيمات المتطرّفة على مقدّراتها، مثلما يساهم في عودة تواصل أهاليها مع أنحاء العراق والدول المجاورة والعالم بعودة السيّاح إليها من مختلف الثقافات والعقائد.

Join hundreds of Middle East professionals with Al-Monitor PRO.

Business and policy professionals use PRO to monitor the regional economy and improve their reports, memos and presentations. Try it for free and cancel anytime.

Already a Member? Sign in

Free

The Middle East's Best Newsletters

Join over 50,000 readers who access our journalists dedicated newsletters, covering the top political, security, business and tech issues across the region each week.
Delivered straight to your inbox.

Free

What's included:
Our Expertise

Free newsletters available:

  • The Takeaway & Week in Review
  • Middle East Minute (AM)
  • Daily Briefing (PM)
  • Business & Tech Briefing
  • Security Briefing
  • Gulf Briefing
  • Israel Briefing
  • Palestine Briefing
  • Turkey Briefing
  • Iraq Briefing
Expert

Premium Membership

Join the Middle East's most notable experts for premium memos, trend reports, live video Q&A, and intimate in-person events, each detailing exclusive insights on business and geopolitical trends shaping the region.

$25.00 / month
billed annually

Become Member Start with 1-week free trial
What's included:
Our Expertise

Memos - premium analytical writing: actionable insights on markets and geopolitics.

Live Video Q&A - Hear from our top journalists and regional experts.

Special Events - Intimate in-person events with business & political VIPs.

Trend Reports - Deep dive analysis on market updates.

We also offer team plans. Please send an email to pro.support@al-monitor.com and we'll onboard your team.

Already a Member? Sign in