مدينة غزة، قطاع غزة — وضعت الإدارة العامّة للجمارك والمكوس التابعة إلى وزارة الماليّة في قطاع غزّة، لافتة على مدخل معبر إيرز في شمال قطاع غزّة، تخبر المواطنين أنّه سيتمّ تحصيل رسوم جمركيّة على كلّ البضائع التي تكون في حوزتهم خلال عودتهم إلى القطاع من خلال المعبر، بحسب ما نشرته شبكة سهم الإخباريّة المحلّيّة في 20 كانون الثاني/يناير 2020.
ويعتبر معبر إيرز الذي تشرف عليه إسرائيل، الطريق الرئيسيّ أمام سكّان القطاع للتنقّل إلى الضفّة الغربيّة، لأغراض العلاج في مستشفيات الضفّة الغربيّة أو لزيارة الأقارب هناك، الأمر الذي يثير تساؤلات حول مدى قانونيّة فرض حركة حماس، ضرائب على بضائع يشتريها المواطنون من مدن فلسطينيّة في الضفّة الغربيّة، ويدخلون بها إلى القطاع عبر حقائبهم الشخصيّة.
وتقول فاطمة السرحي (37 عاماً) من سكّان مدينة غزّة لـ"المونيتور" إنّها فوجئت خلال عودتها إلى القطاع عبر معبر إيرز بعد رحلة علاج لطفلها في مستشفيات الضفّة الغربيّة في 22 كانون الثاني/يناير، بطلب ضبّاط الجمارك في الجانب الفلسطينيّ من المعبر الذي تديره حماس، بدفع جمارك على سلع اشترتها من أسواق الضفّة الغربيّة، وهي سلع شخصيّة لا تتجاوز سعتها حقيبة يدويّة.
وأوضحت أنّ حقيبتها كانت تحتوي على 3 كيلوغرامات من معسّل الأرجيلة، ابتاعتها من أسواق الخليل في جنوب الضفّة الغربيّة بثمن 90 شيقلاً (25 دولاراً) للكيلوغرام الواحد، إلّا أنّ ضبّاط الجمارك في القطاع طلبوا منها دفع مبلغ 130 شيقلاً (37 دولاراً) كجمارك عن كلّ كيلوغرام، أي ما يتجاوز ما نسبته نحو 150% من سعر الكيلوغرام.
وأضافت السرحي: "أشتري هذا المعسّل كهدايا لأشقّائي في قطاع غزّة الذين لا يستطيعون شراءه من أسواق القطاع بسبب غلاء ثمنه، إذ يبلغ ثمن الكيلو الواحد منه 270 شيقلاً (77 دولاراً)".
وقال رئيس تحرير جريدة الاقتصاديّة في غزّة محمّد أبو جياب لـ"المونيتور": "إنّ تطبيق النظام الجمركيّ على بضائع تتجاوز حدّ الاستخدام الشخصيّ للمسافر من بلد إلى آخر هو نظام معمول به في مختلف دول العالم، لاعتبار أنّ هذه البضائع تصبح سلع تجاريّة مستوردة من الخارج".
وبيّن أبو جياب أنّ حدّ الاستخدام الشخصيّ وفق ما هو معمول به في الأراضي الفلسطينية يسمح للآتين من خارج فلسطين إلى داخلها، حمل بضائع لا يتجاوز استخدامها الشخصيّ فترة زمنيّة قصيرة، مثل حمل "كروزين" من السجائر، وكيلوغرام واحد فقط من المعسّل، وما يفوق ذلك، يعتبر لغرض التجارة ويخضع إلى النظام الجمركيّ.
وأضاف أبو جياب: "لكن ما هو غير طبيعيّ هنا هو تطبيق هذا النظام الجمركيّ على بضائع يشتريها مواطنون من مدن فلسطينيّة في الضفّة الغربيّة ويريدون الدخول بها إلى قطاع غزّة، لأنه سبق وقد خضعت هذه البضائع للنظام الجمركي عند دخولها الضفة الغربية من الخارج".
وتابع أبو جياب: "حماس ممثّلة في وزارة الماليّة في غزّة، تتعاطى مع كلّ ما هو وارد من معبر إيرز إلى القطاع بغضّ النظر عن مصدره، سواء كان أسواق الضفّة الغربيّة أم خارج فلسطين، كبضائع مستوردة للقطاع وتخضعها للنظام الجمركي"، مشيراً إلى أنّ هذا الإجراء يهدف في الدرجة الأولى إلى تعزيز إيرادات حماس.
واستهجن عضو المجلس الثوريّ لحركة فتح محمّد اللحام خلال اجتماع عقد في مقرّ إقليم الحركة في مدينة بيت لحم في جنوب الضفّة الغربيّة في 21 كانون الثاني/يناير 2020، قيام حركة حماس بتحصيل رسوم جمركيّة من الآتين من الضفّة الغربيّة إلى قطاع غزّة.
وقال اللحام إنّ هذه الضرائب الجديدة تدلّل على إمعان حماس بفصل قطاع غزّة عن الضفّة الغربيّة.
وتعاني حركة حماس من أزمة ماليّة خانقة ممتدّة منذ بدء الجيش المصريّ في 26 تشرين الأوّل/أكتوبر 2014 بإقامة منطقة حدوديّة عازلة مع قطاع غزّة، متضمّنة تدمير الأنفاق الحدوديّة وإغلاقها مع القطاع، التي كانت تعدّ أهمّ الطرق الرئيسيّة لنقل الأموال والسلاح إلى حماس من الخارج.
وعلى مدار السنوات الماضية، اتّخذت حماس قرارات عدّة لزيادة إيراداتها من خلال الضرائب، كان آخرها في 17 كانون الأوّل/ديسمبر 2018، إذ فرضت ضرائب جديدة على 95 صنفاً وسلعة يتمّ استيرادها من الخارج.
وبينما لا تتوافر أيّ بيانات حول حجم الجمارك التي تجنيها وزارة الماليّة في غزّة على البضائع التي تدخل إلى القطاع، كشف الوكيل المساعد للوزارة عوني الباشا في تصريحات نشرها موقع "وكالة فلسطين اليوم" المحلي في 19 آذار/مارس 2019، أنّ قيمة الجمارك والضرائب التي تحصّلها وزارته على معابر القطاع في شكل عامّ تبلغ بين 50 و60 مليون شيقل شهريّاً (بين 14 و17 مليون دولار).
ويقول مدير العلاقات العامّة والإعلام في وزارة الماليّة في غزّة بيان بكر لـ"المونيتور": "إنّ البضائع التي يدخلها المواطنون إلى غزّة عبر معبر إيرز بغرض الاستخدام الشخصيّ لا تخضع إلى النظام الجمركيّ، ولكن إن تجاوزت كمّيّة البضائع حدّ الاستخدام الشخصيّ، تصبح الكمّيّات بغرض التجارة وتخضع إلى النظام الجمركيّ".
وأكّد بكر أنّ تحصيل الضرائب على أيّ عمليّات تجاريّة تمرّ عبر معبر إيرز حتى على البضائع التي تأتي من الضفة الغربية: "هو أمر مهمّ جدّاً لتجنّب التهرّب الجمركيّ الذي يضرّ بالاقتصاد الفلسطينيّ، إذ يتسبّب بوجود سلع ثمنها أرخص من ثمن شبيهاتها التي خضعت إلى النظام الجمركيّ خلال دخولها إلى القطاع عبر معبر كرم أبو سالم التجاريّ".
بالنسبة إلى أبو جياب فيقول إن تحصيل حماس جمارك إضافية على البضائع التي تأتي من الضفة الغربية إلى غزة رغم خضوعها مسبقاً للنظام الجمركي عند دخولها الضفة من خارج فلسطين، "يعد شكلاً من أشكال الازدواج الضريبي، وهو نتاج الانقسام الفلسطيني الذي خلق سلطتين منفصلتين واحدة في الضفة وأخرى في القطاع".
وبيّن أبو جياب أن الازدواج الضريبي يعتبر سياسة تدميرية للقطاع التجاري، والسبب الرئيس في غلاء الأسعار في قطاع غزة.