رام الله، الضفّة الغربيّة — أبقت محكمة الصلح في رام الله يوم الخميس في 24 تشرين الأوّل/أكتوبر قرارها السابق الصادر في 17 من الشهر ذاته، قيد التطبيق، بعدما قرّرت تأجيل الردّ في شأن طلب التراجع عن قرارها الصادر بحجب 59 موقعاً إلكترونيّاً فلسطينيّاً، حتّى النظر بدستوريّة المادّة 39 من قانون الجرائم الإلكترونيّة 2018 أمام المحكمة الدستوريّة.
وحسب القرار، فإنّ المحكمة أحالت المادّة 39 من قانون الجرائم الإلكترونيّة والتي اتّخذت بموجبها قرارها السابق بالحجب، إلى المحكمة الدستوريّة لفحص دستوريّة هذه المادّة، فالمادّة بصيغتها الحاليّة لا تتيح الطعن في القرارات المتّخذة استناداً إليها.
وتقدّم القائمون على موقع "ألترا فلسطين"أحد المواقع الذي طالها قرار الحجب يوم الثلاثاء، من خلال محامي الهيئة المستقلّة لحقوق الإنسان بطلب إلغاء قرار الحجب، بصفته يتناقض مع القانون الأساسيّ الذي يضمن حرّيّة التعبير والحرّيّات الإعلاميّة.
وعلّلت المحكم ةقرار الحجب الذي جاء بناء على طلب من النائب العامّ، بأنّ هذه المواقع تتطاول على رموز السلطة الفلسطينيّة وتخلّ بالأمن العامّ واستقرار البلد.
وحتّى البتّ بهذه المادّة، ستبقى المواقع التي شملها القرار، وهي مواقع إخباريّة فلسطينيّة وعربيّة بمحتوى فلسطينيّ كامل، وأخرى تابعة إلى حركة حماس، وصفحات خاصّة بحركة فتح تيّار محمّد دحلان، إلى جانب بعض الصفحات التي تتحدّث عن الفساد في السلطة ورجالاتها، محظورة في نطاق عمل شبكات الإنترنت الفلسطينيّة.
قال المحرّر في موقع "ألترا فلسطين" والناطق باسمه أحمد يوسف: "النيابة العامّة قالت إنّ سبب حجب موقعنا جاء بعد نشر مواد تطال رموز السلطة بالسوء، وكلّها مقالات رأي لكتّاب معروفين".
وأضاف يوسف لـ"المونيتور" أنّ هذه المقالات تتحدّث عن نقد لسياسة السلطة الفلسطينيّة والأجهزة الأمنيّة، وهو ما يشير إلى انتهاك واضح لحرّيّة التعبير والنشر.
وأكّد يوسف أنّهم في إدارة الموقع لم يصلهم قبل نشر قرار الحجب، القرار اتّخذ في 17 تشرين الأوّل/أكتوبر وكشف عنه بعد نشره على موقع وكالة معا الإخباريّة في 22 تشرين الأوّل/أكتوبر، أيّ شكاوى على هذه المواد، ومذكّرات رسميّة توضح سبب الحجب، لاتّخاذ الإجراءات المعمول بها في حال الاعتراض على أيّ من المواد المنشورة.
وأثار هذا القرار موجة احتجاجات قويّة بين الصحافيّين والإعلاميّين والجهات القانونيّة والمؤسّسات الدوليّة المدافعة عن الحرّيّات الإعلاميّة، التي اعتبرت أنّ القرار ينسف مبدأ الحرّيّات الإعلاميّة.
واللافت في هذه الردود كان بيان الحكومة الفلسطينيّة الذي طالب المحكمة بالتراجع عن هذا القرار، ومع ذلك جاء ردّ النيابة العامّة، التي استندت في طلب الحجب على توصيات من الأجهزة الأمنيّة بالإصرار على الحجب والدفاع عنه خلال جلسة المحكمة، على عكس ما كان متوقّعاً، وهو ما أدخل الحكومة في حرج كبير من عدم الالتفات إلى طلبها.
وهذا الحرج ليس فقط بعد الأخذ بطلبها بالتراجع، وإنّما بتصريحات مكرّرة من رئيس وزرائها محمّد اشتيّة بضمان الحرّيّات العامّة والحفاظ على علاقة جيّدة مع الصحافيّين والمؤسّسات الإعلاميّة.
يقول الإعلاميّ المتخصّص بالقضايا الحقوقيّة والقضائيّة ماجد العاروري لـ"المونيتور" إنّ بيان الحكومة الذي عارض قرار الإغلاق أسقط أيّ تبريرات بأنّ هذه المواقع تشكّل مسّاً بالأمن القوميّ أو النظام العامّ أو إخلالاً به، وهي الجهة التي تستطيع تقدير كلّ هذه المخاطر، ممّا يحتّم على المحكمة التراجع عن قرارها التعسّفيّ.
كما فتح هذا القرار من جديد الاعتراض على قانون الجرائم الإلكترونيّة بصفته الحاليّة ومطالبات بوقف العمل به وتعديله، والذي أقرّ في عام 2018، على الرغم من رفضه من قبل الإعلاميّين والحقوقيّين لما يتضمّنه من مواد تعارض في شكل صريح القانون الأساسيّ والقوانين الدوليّة التي تتبنّاها السلطة الفلسطينيّة.
وممّا زاد من الغضب على القرار تزامنه مع الحملة الفلسطينيّة لحماية المحتوى الفلسطينيّ على الـ"فيسبوك"، ومحاربة ما أسموه تواطئ الموقع الاجتماعيّ مع طلبات إسرائيليّة بحذف هذا المحتوى.
يقول المدير العامّ للمركز الفلسطينيّ للتنمية والحرّيّات الإعلاميّة "مدى" موسى الريماوي، إنّ قرار المحكمة ضربة لكلّ الجهود في التصدّي لحملة الحجب من قبل "فيسبوك".
وأشار الريماوي في حديثه إلى "المونيتور" إلى أنّ باحثي مركزه رصدوا خلال الشهر الفائت فقط أكثر من 34 حجباً لصفحات فلسطينيّة على "فيسبوك"، وهو ما يشير إلى خطورة ما تقوم إدارة "فيسبوك" تجاه المحتوى الفلسطينيّ.
والأكثر استفزازاً للصحافيّين كانت تصريحات صحافيّة إلى النيابة العامّة الفلسطينيّة على لسان رئيسة نيابة مكافحة الجرائم الإلكترونيّة التابعة إليها، بأنّها ستضمن تطبيقه من خلال توجّهها إلى إدارة الـ"فيسبوك" لطلب حجب الصفحاتالتي شكّلها القرار، في ظلّ تحرّك فلسطينيّ حقوقيّ وقانونيّ وإعلاميّ لحماية المحتوى الفلسطينيّ على شبكة الـ"فيسبوك"، بعد تعرّض عشرات الصفحات إلى الإغلاق.
ويؤكّد تمسّك النيابة العامّة بطلبها حجب المواقع، أنّ هذا الانتهاك ضدّ الحرّيّات الإعلاميّة يمكن ألّا يكون الأخير، وهو ما يتطلّب تحرّكاً في أوساط الإعلاميّين لمواجهة هذه الممارسات من قبل السلطة.
حول هذه الإجراءات، قال الريماوي إنّ هذه الممارسات لن تتوقّف، والمطلوب الآن تنظيم صفوف الإعلاميّين من خلال الإسراع في تشكيل التحالف المدنيّ لحماية حقوق حرّيّة التعبير والحقوق الرقميّة لتوحيد الجهود لمواجهة التحدّيات في هذا المجال.
وتابع: "يتحتّم علينا تسريع تشكيل هذا التحالف، للتصدّي للسياسات القمعيّة، وخلق بيئة قانونيّة موائمة لعمل الإعلام وتعزيز حرّيّة التعبير في فلسطين".
ودعا الريماوي أيضاً إلى تعديل القوانين الناظمة للبيئة الإعلاميّة للتوافق مع القوانين الدوليّة، وخصوصاً قانون الجرائم الإلكترونيّة.
يوافق العاروري الريماوي في ضرورة العمل على تعديل القوانين، وتحديداً قانون الجرائم الإلكترونيّة، "السيّئ السمعة والصيت" كما وصفه، وقال: "من المهمّ أن نتوحّد بوقفات احتجاجيّة وأن نبقى يقظين إلى أيّ قانون يمرّر يمكن أن يمسّ الحرّيّات العامّة وحرّيّة التعبير".
وتابع: "من المهمّ تعزيز دور القضاء في الدفاع عن حرّيّة التعبير والحرّيّات الإعلاميّة، فعندما اعترضنا على قانون الجرائم الإلكترونيّة في السابق، كان الهدف أن تفرض المحاكم إجراءاتها على أيّ إجراء يمسّ هذه الحرّيّات يمكن أن تتّخذه الحكومة أو النيابة العامّة، وهو ما نراه الآن".