مدينة غزّة، قطاع غزة - بعد نحو 3 أسابيع من إعلان الرئيس الفلسطينيّ محمود عبّاس على منصّة الأمم المتّحدة في 26 أيلول/سبتمبر المنصرم، نيّته إجراء انتخابات عامّة في الأراضي الفلسطينيّة، علّق أخيراً في 16 أكتوبر الجاري "تيّار الإصلاح الديمقراطيّ" في حركة "فتح"، الذي يتزعّمه القياديّ المفصول من الحركة محمّد دحلان على الإعلان، مؤكّداً حرصه على المشاركة في أيّ انتخابات.
منذ سنوات، بدا واضحاً أنّ محمّد دحلان، الذي يقيم في الإمارات العربيّة المتّحدة منذ عام 2011 ويحظى بدعمها الماليّ، يحاول كسب موطئ قدم على الساحة السياسيّة الفلسطينيّة عبر تكثيف دعمه للمشاريع الإنسانيّة والإغاثية في قطاع غزّة عبر لجنة "تكافل" والتي تأسّست خلال عام 2013 وعقد تفاهمات مع "حماس" في تمّوز/يوليو قبل عامين.
وأسّس دحلان "تيّار الإصلاح الديمقراطيّ" في حركة "فتح"، الذي ظهر في عام 2016، عقب فشل كلّ جهود المصالحة بينه وبين الرئيس محمود عبّاس. ويضمّ التيّار عدداً من القيادات البارزة مثل: سمير المشهراوي، سفيان أبو زايدة، أشرف جمعة، ماجد أبو شمالة، نعيمة الشيخ علي، وعبد الحميد المصريّ.
ورأى مراقبون أنّ دحلان لا يستطيع، رغم قاعدته الشعبيّة المتنامية في القطاع خصوصاً، خوض الانتخابات وحده في حال إجرائها، وتبقى احتماليّة عقد تحالفات مع أحزاب أخرى مطروحة على الطاولة، أو الإعلان عن تشكيل حزب سياسيّ جديد والخروج من عباءة "فتح".
وأظهر استطلاع أجراه "المركز الفلسطينيّ للبحوث السياسيّة والمسحيّة"، الذي يتّخذ من الضفّة الغربيّة مقرّاً له، في آذار/مارس الماضي، أنّه في حال عقدت الانتخابات الرئاسيّة سيحصد دحلان نسبة 7 في المئة: 2 في المئة بالضفّة الغربيّة و16 في المئة بقطاع غزّة. وفي استطلاع آخر أجراه المركز في أيلول عام 2017، أشار إلى أنّ مؤيّدي حركة "فتح" في غزّة يحوّلون ولاءهم إلى دحلان، الذي ارتفعت شعبيّته في القطاع بشكل كبير، من 9 في المئة قبل 9 أشهر إلى 23 في المئة اليوم، في حين أنّ شعبيّته في الضفّة الغربيّة لم تتجاوز الـ1 في المئة.
وأشار الناطق باسم "تيّار الإصلاح الديمقراطيّ" في "فتح" عماد محسن إلى أنّ التيّار دعا على الدوام إلى تنظيم انتخابات تشريعيّة ورئاسيّة، إضافة إلى انتخابات مجلس وطنيّ متزامنة في يوم واحد، من أجل إعادة شرعيّة كلّ المؤسّسات الوطنيّة الفلسطينيّة، محذّراً في حديث لـ"المونيتور" من إجراء الانتخابات التشريعيّة قبل الرئاسيّة، موضحاً أنّ الرئيس محمود عبّاس "استغلّ في وقت سابق صلاحيّاته لحلّ المجلس التشريعيّ (في كانون الأوّل/ديسمبر من عام 2018)، فما الذي يضمن هذه المرّة إذا ما فازت كتلة أو تشكيل سياسيّ يخالف مزاجه وأهواءه ألاّ يحلّ المجلس مجدّداً؟".
وعن شكل مشاركة التيّار في الانتخابات، قال عماد محسن: "نريد أن نذهب إلى انتخابات تشريعيّة في قائمة فتحاويّة واحدة وموحّدة على قاعدة لا إقصاء ولا تهميش ولا فصل من الحركة، لكن في حال أصرّ الفريق الإقصائيّ (في إشارة إلى عبّاس) على قراره الذهاب بقائمة يختارها بعيدة عن التوافق الفتحاويّ، فسيلجأ التيّار إلى تشكيل تيّار وطنيّ عريض أو قائمة وطنيّة للخوض، وسننافس على كلّ مقعد".
ونفى محسن تصريحات سابقة منسوبة إليه نقلتها صحيفة "الرسالة" المحليّة في كانون الثاني/يناير الماضي بشأن تحالف التيّار مع حركتيّ "الجهاد" و"حماس"، في حال فشل مساعي التوحّد في قائمة مشتركة مع "فتح"، وقال: "ما قصدناه هو تيّار وطنيّ عريض نتنافس فيه قبل الانتخابات، ثمّ نبحث عن شراكات وتحالفات تحت قبّة المجلس التشريعيّ، بعد معرفة كلّ فصيلة وزنها التمثيليّ وحجمها الجماهيريّ".
ولا تبدو فكرة تشكيل حزب سياسيّ بدعم من الإمارات ومصر جديدة على طاولة نقاشات التيّار، إذ طرحت مراراً على فترات متباعدة، وكشف موقع "عربي 21" في تمّوز/يوليو المنصرم، نقلاً عن مصادر داخل التيّار، عن نيّة دحلان تشكيل حزب سياسيّ جديد، وذلك في ظلّ استمرار تعثّر المصالحة مع محمود عبّاس.
وقال الموقع، نقلاً عن مصادره التي لم يسمّها: "إنّ تيّار الإصلاح، الذي يقوده دحلان، يستعدّ لإجراء انتخابات داخليّة، لإفراز قيادة جديدة، في خطوة استباقيّة، استعداداً لخوض أيّ انتخابات مرتقبة قد تشهدها الساحة الفلسطينيّة.
ونفى محسن لـ"المونيتور" أيّ نيّة لتأسيس حزب سياسيّ جديد، وقال: "إنّ اجتماعات قيادة التيّار في كانون الثاني/يناير الماضي في العاصمة الإماراتيّة أبوظبي أكّدت أنّ التيّار باق في فتح ولا نيّة لديه للخروج أو تشكيل حزب سياسيّ أو كتلة جديدة".
من جهته، قال الباحث في قضايا الحكم والسياسة جهاد حرب: إنّ عودة دحلان إلى الساحة السياسيّة مرهونة بتوحّد حركة "فتح" من جديد وعودة التيّار إليها، خصوصاً أنّ دحلان لم يعلن أنّه قد خرج أو شكّل تنظيماً سياسيّاً جديداً، إنّما الحديث جارٍ عن "تيار إصلاحيّ"، والذي غالبيّة جمهوره تتمركز في قطاع غزّة.
وأشار جهاد حرب في حديث لـ"المونيتور" إلى أنّ "دحلان كشخص ليست لديه القدرة على العودة إلى المشهد السياسيّ، لكنّ التيّار يمكن أن يحصل في حال جرت انتخابات في الضفّة وغزّة على شرعيّة شعبيّة عبر صناديق الاقتراع".
وهو ما اتّفق معه المحلّل السياسيّ ذو الفقار سويرجو، إذ أشار إلى أنّ دحلان "حالة جدليّة في الساحة الفلسطينيّة، ولا يستطيع الحصول على نسبة تؤهّله لقيادة السلطة"، متوقّعاً أن يحصد التيّار نسبة ليست بقليلة، في حال خوضه الانتخابات، الأمر الذي يؤهّله للعب دور سياسيّ في الساحة الفلسطينيّة، وقال في حديث لـ"المونيتور": على دحلان الذهاب إلى تشكيل حزب سياسيّ جديد والتوقّف عن استخدام اسم حركة "فتح".
وأوضح أنّ هذا الحزب سيجعل من السهل التعامل معه من قبل الفصائل التي تعترف بحركة "فتح" كونها العمود الأساس لمنظّمة التحرير، والتعامل معه سيكون كحزب جديد وليس نداً لحركة "فتح"، وقال في حديث لـ"المونيتور": "إنّ مصلحة التيّار في الوقت الراهن أن يشكّل حالة جديدة قد يلتفّ حولها جزء من الجماهير في مواجهة حالة الاستقطاب التي عجزت فصائل اليسار والمستقلّين عن كسرها".