رام الله، الضفّة الغربيّة — أثارت نتائج الانتخابات الإسرائيليّة، التي جرت في 9 نيسان/إبريل، وفاز فيها حزب الليكود بزعامة بنيامين نتنياهو بـ36 مقعداً من اصل 120 مقعدا في الكنيست الاسرائيلي (البرلمان) امتعاض السلطة الفلسطينيّة، التي كانت تأمل بخسارة بنيامين نتنياهو في الانتخابات.
وعقب ظهور النتائج الأوليّة للانتخابات في 9 نيسان/إبريل، قال أمين سرّ اللجنة التنفيذيّة لمنظّمة التحرير الفلسطينيّة صائب عريقات في تغريدة على "تويتر": "لقد صوّت الناخب الإسرائيليّ للمحافظة على الوضع القائم، لقد صوّتوا على عدم إنهاء الاحتلال الإسرائيليّ، صوّت الناخب الاسرائيليّ للتفرقة العنصريّة والأبرثايد. من الاستطلاع الأوليّ هناك فقط حوالى 18 مقعداً من الـ120 يؤيّدون مبدأ الدولتين على حدود 1967".
يبدو أنّ الإسرائيليّين حلّلوا امتعاض السلطة من فوز نتنياهو، إذ كتب الصحافيّ الإسرائيليّ يوني بن مناحيم مقالاً في 10 نيسان/ابريل على موقع مركز القدس للشؤون العامّة قال فيه: إنّ السلطة تشعر بخيبة أمل كبيرة وإحباط، بسبب نتائج الانتخابات الإسرائيليّة، وسط خشية الرئيس عبّاس من عزم نتنياهو على فرض السيادة الإسرائيليّة على أجزاء من الضفّة.
ونقل يوني بن مناحيم عن مسؤولين في السلطة الفلسطينيّة لم يذكرهم، أنّهم لا يملكون وسائل عمليّة لمنع هذا الوضع، في إشارة إلى نيّة نتنياهو ضمّ أجزاء من الضفّة.
ويلقي فوز نتنياهو تحدّياً أمام السلطة، التي تترقّب بحذّر ما سيقوم به إزاء وعده الانتخابيّ، الذي أطلقه في 6 نيسان/إبريل خلال حديث لقناة "12 نيوز" الإسرائيليّة، بنيّته ضمّ المستوطنات في الضفّة إلى السيادة الإسرائيليّة، في حال فوزه في الانتخابات، وأنّه تحدّث بذلك مع ممثّلي الرئيس الأميركيّ دونالد ترامب.
كما تترقّب السلطة نيّة دونالد ترامب طرح خطّته المتعلّقة بالشرق الأوسط والمعروفة بصفقة القرن، بعد تمكّن نتنياهو من تشكيل ائتلاف حكومته.
وقالت عضو اللجنة التنفيذيّة لمنظّمة التحرير الفلسطينيّة حنان عشراوي لـ"المونيتور": "إنّ نتائج الانتخابات الإسرائيليّة كانت متوقّعة لدى القيادة الفلسطينيّة، بناء على قراءتها للمجتمع الإسرائيليّ وانحيازه لليمين، والانتخابات أثبتت أنّ إسرائيل قضت على حلّ الدولتين بشكل نهائيّ".
وعن الخيارات الفلسطينيّة للتعامل مع الحكومة الإسرائيليّة المقبلة، قالت: "إنّ أولويّتنا الآن تعزيز بقاء وصمود الشعب الفلسطينيّ على أرضه، لأنّ إسرائيل تريد السيطرة على الأرض والتخلّص من الشعب، لما يشكّله من خطر ديموغرافيّ عليها، والقيام بخطوات على الصعيد الداخليّ كتحقيق الوحدة"، إضافة إلى الاهتمام بمخاطبة الرأي العام الدوليّ وحلفائنا وأصدقائنا حول العالم والعمل في إطار القانون الدوليّ ومرجعيّاته ومؤسّساته.
وأشارت حنان عشراوي إلى أنّ من الخيارات المطروحة أمام السلطة التلويح بتطبيق قرارات المجلسين المركزيّ والوطنيّ لمنظمة التحرير، لكن من المستبعد تطبيقها في الوقت القريب.
يذكر أنّ المجلس المركزيّ لمنظّمة التحرير قرّر في 5 آذار/مارس من عام 2015 تحديد العلاقة مع إسرائيل سياسيّاً واقتصاديّاً ووقف التنسيق الأمنيّ معها، وعاد ليتّخذ القرار نفسه في 29 تشرين الأوّل/أكتوبر من عام 2018، في حين قرّر المجلس الوطني ّلمنظّمة التحرير في 4 أيّار/مايو من عام 2018 تكليف اللجنة التنفيذيّة بتعليق الاعتراف بإسرائيل، إلى حين اعترافها بدولة فلسطين على حدود 4 حزيران/يونيو من عام 1967.
وعن تطبيق تلك القرارات، قالت عشراوي: "لقد اتُخذت قرارات عديدة على مختلف المستويات، ولكن لا يمكن تطبيقها مرّة واحدة"، مضيفة: "إنّ تطبيق القرارات يحتاج إلى تجهيز واستعداد، وهذا الأمر على طاولة القيادة الفلسطينية للبحث باستمرار".
من جهته، قال مستشار الرئيس محمود عبّاس للشؤون الخارجيّة والعلاقات الدوليّة نبيل شعث لـ"المونيتور": "إنّ الاستراتيجيّة الفلسطينيّة لن تتأثّر أو تتغيّر بما جرى في الانتخابات الإسرائيليّة، والتي كانت نتائجها متوقّعة".
أضاف: "خياراتنا تعتمد على رفض صفقة القرن، التي يجهّز ترامب للإعلان عنها، وتكثيف الحراك الدوليّ والشعبيّ". ولفت إلى أنّ عبّاس يصرّح بشكل دائم أنّ اتفاق أوسلو وكلّ الاتفاقيّات الموقّعة مع إسرائيل سيعاد النظر بها لعدم التزامها بها.
وعن تطبيق قرارات المجلسين المركزيّ والوطنيّ، أشار نبيل شعث إلى "أنّ تنفيذ القرارات يخضع لمسألة حسابات وتقديرات سياسيّة لدى الرئيس"، وقال: "إنّ القيادة الفلسطينيّة تدرس كلّ البدائل والخيارات في مواجهة إسرائيل".
ونفى أن تكون السلطة الفلسطينيّة فضّلت فوز أحد الأطراف في الانتخابات الإسرائيليّة على طرف آخر، وقال: "إنّ الانتخابات الإسرائيليّة لا تعني لنا شيئاً، لأنّ المنافسة بين الأحزاب كانت على من يقمع الفلسطينيّين أكثر، ولعدم وجود أيّ فروق جوهريّة بين المرشّحين، خصوصاً أنّه لا يوجد يسار إسرائيليّ".
بدوره، قال أستاذ العلوم السياسيّة في جامعة "القدس" (أبو ديس) أحمد رفيق عوض لـ"المونيتور": "إنّ نتنياهو لم يكن المرشح المفضل لدى السلطة الفلسطينية، الذي كان واضحاً في برنامجه الانتخابيّ القائم على إنهاء حلّ الدولتين وتعزيز الاستيطان، الأمر الذي سيؤدّي إلى توتّر الأوضاع وخلق مواجهة، السلطة الفلسطينيّة ليست مستعدّة لها".
وعن خيارات السلطة لمواجهة نتنياهو في الفترة المقبلة، قال رفيق عوض: "إنّ خيارات السلطة محدودة، فهي تقوم بردود فعل متأخّرة على السياسة الإسرائيليّة، في ظلّ غياب استراتيجيّة واضحة، واعتمادها على الدول العربيّة ذات الأنظمة المتهالكة والوسطاء والمراهنة على والمجتمع الدوليّ"، وكلّ ذلك لن يحقّق أيّ نتائج، في اشارة الى عقم كل تلك الوسائل.
أمّا مدير مركز القدس للإعلام والاتصال ووزير التخطيط الأسبق غسّان الخطيب فقال لـ"المونيتور": "إنّ خيارات السلطة محدودة للتعامل مع إسرائيل، ليس لأنّ إسرائيل خرجت من دائرة عمليّة السلام والعلاقات الديبلوماسيّة الثنائيّة، بل لأنّ الكثير من عوامل القوّة بالنسبة إلى الفلسطينيّين غائبة، فالوضع العربيّ ضعيف، والوضع الداخليّ منقسم، وأميركا تتّخذ موقفاً معادياً بشكل واضح".
ولفت إلى أنّ خيارات السلطة في المرحلة المقبلة تكمن في مسارين: "التركيز على الوضع الداخليّ الفلسطينيّ وتحصين المجتمع وتقوية صموده لمواجهة الضغوط المستقبليّة التي ستزداد عليه على كلّ الأصعدة"، يضاف إلى ذلك "التركيز على العمل الدوليّ والرأي العام العالميّ والتكامل بين الديبلوماسيّة التي تستند إلى القانون الدوليّ وبين عمل شعبيّ واسع النطاق على غرار عمل حركة مقاطعة إسرائيل BDS".
إنّ تهديد نتنياهو بضمّ أجزاء من الضفّة الغربيّة وتكثيفه الاستيطان، يعني إطلاق رصاصة الرحمة على إمكانيّة إقامة دولة فلسطينيّة، الأمر الذي يضع السلطة الفلسطينيّة أمام مأزق محرج حول جدوى استمراريّتها ووجودها في الفترة المقبلة.