على مدار 7 سنوات، بقيت الفتاة نور أبو القرايا (28 عاماً) من مدينة خانيونس - جنوب قطاع غزّة منعزلة عن صديقاتها وحبيسة منزلها ولا تستطيع الخروج منه، إلاّ في حالات الطوارئ والذهاب إلى المستشفى لتلقّي العلاج فقط، بعد تعرّضها لتشوّهات خطيرة في وجهها ومختلف أنحاء جسمها، إلى أن انضمّت إلى مبادرة المرأة الأوركيديّة، التي تعنى بضحايا الحروق والتشوّهات في قطاع غزّة. وكانت نور أبو القرايا تعرّضت لاعتداء من قبل أفراد من أسرتها برشّ ماء النار "حمض الكبريت" على وجهها وجسمها، نتيجة خلافات على تقسيم ميراث والدها المتوفّى منذ سنوات عدّة، لتصاب بحروق من الدرجتين الثانية والثالثة, أدت لحدوث تشوهات كبيرة في وجهها, وفقدان الرؤية بشكل كامل في عينها اليمني، وتدخل في حالة نفسيّة سيّئة، بعد مكوثها ما يزيد عن 4 أشهر في المستشفى وإجراء أكثر من 8 عمليّات جراحيّة تجميليّة لها، في ظل حاجتها الي اجراء المزيد من العمليات الجراحية لإعادة ترميم وجهها".
ومبادرة المرأة الأوركيديّة هي مبادرة شبابيّة انطلقت للمرّة الأولى في قطاع غزّة، وتعنى بتسليط الضوء على النساء ضحايا التشوّهات، سواء الناتجة من عيوب خلقيّة أم حروق وحوادث أم تشوّهات الحروب التي شنّتها إسرائيل. وحازت المبادرة، خلال عام 2018، على الجائزة الثانية على مستوى فلسطين ضمن "برنامج تحدّي الإبداع" لتعزيز مشاركة المرأة الفلسطينيّة، وتنشط المنخرطات فيها بتقديم نصائح طبيّة ونفسيّة إلى النساء ضحايا التشوّهات. وتتضمّن المبادرة برامج دعم نفسيّ من قبل متخصّصين وناشطات نسويّات فلسطينيّات على شكل جلسات، وبرامج علاجيّة للتشوّهات وإرشادات صحيّة، إضافة إلى التمكين المجتمعيّ بإشراك النساء المشوّهات في أنشطة مجتمعيّة.
وأشارت أبو القرايا خلال حديث لـ"المونيتور" إلى أنها "تعيش ظروفاً نفسيّة صعبة داخل المجتمع، وفقدت الأمل في الحياة، نتيجة نظرة المجتمع السلبيّة إليها، والتي حرمتها الالتحاق ببعض الأعمال والوظائف، وحتّى الزواج، كونها امرأة مشوّهة، إلاّ أنّ انضمامها إلى المبادرة جعلها تشعر بالثقة الكبيرة لاندماجها داخل المجتمع, ولن تقوم بإخفاء وجهها بعد الآن".
وتمنّت أبو القرايا على مبادرة المرأة الأوركيديّة توفير علاج مناسب لها في المستقبل القريب، ووضع برنامج علاجي طبي ضمن أجندتها لمساعدتها وكافة النساء المشوهات للسفر إلى خارج قطاع غزّة لإجراء عمليّات جراحيّة تجميليّة لها، إذ لا يتوافر مثل هذا النوع من العمليّات الجراحيّة في قطاع غزّة المحاصر.
معاناة أبو القرايا لم تختلف كثيراً عن حال السيّدة صفيّة حسين (45 عاماً) من مدينة غزّة، التي تعرّضت لحروق وتشوّهات مؤلمة في وجهها وصدرها خلال عام 2016، بعد انفجار سخّان كهربائيّ بوجهها ليتسبّب لها بحروق من الدرجة الثالثة، وتبقى في عزلة عن المجتمع وحبيسة منزلها بعد أن شوّهت الحروق ملامحها.
وقالت حسين لـ"المونيتور": "إنّ الحروق تطلّبت علاجاً وعمليّات جراحيّة مكثّفة لمدّة عامين كاملين، ولا أزال أحتاج إلى المزيد من العمليّات الجراحيّة التجميليّة والعلاجات، بعد أن تركت الحروق تشوّهات صعبة وواضحة في الوجه والصدر".
واستذكرت حسين حياتها السعيدة برفقة زوجها وأبنائها الأربعة قبل تعرّضها لحادثة الحرق، والتي كانت مليئة بالحب والألفة، إذ قرّر زوجها الانفصال عنها بعد التشوّهات التي أصابتها، وأخبرها بعد شهرين من الحادثة بأنّه يرفض العيش معها كونها امرأة مشوّهة، وفق وصفها، لتعيش وعائلتها أوضاعاً اقتصادية صعبة بعد طلاقها من زوجها, وتحصل على مساعدة مالية تقدر 750 شيكل ( 200 دولار امريكي) تقدمها لها وزارة الشئون الاجتماعية مرة واحدة كل ثلاثة أشهر، لكي تستطيع أن تفي بأبسط متطلبات أسرتها الاساسية".
وقالت: "إنّ المجتمع ينظر إلى المشوّهات بتفرقة وعنصريّة كبيرة ولا يتفهّم معاناتهنّ، حتّى أصبحت نساء وفتيات كثيرات يرفضن الخروج إلى الشارع، ويفضّلن العزلة داخل منازلهنّ، تجنّباً للنظرة الدونيّة لهنّ من قبل أفراد المجتمع، إلى أن ظهرت مبادرة المرأة الأوركيديّة، التي استطاعت فكّ عزلة بعض هؤلاء النسوة لإعادة الثقة إليهنّ وتشجيعهنّ على تقبّل أنفسهنّ وأجسادهنّ، ودعمهنّ نفسيّاً لمواجهة نظرة المجتمع السلبيّة إليهنّ".
وبرأي حسين، "إنّ المرأة الأوركيديّة من أهمّ المبادرات المجتمعيّة، التي كان يفتقرها قطاع غزّة منذ زمن بعيد لتقديم الدعم النفسيّ والإرشادات الصحيّة إلى المشوّهات اللواتي حرمن من حقوقهنّ في الحياة كغيرهنّ من الفتيات والنساء".
بدورها، تحدّثت الإعلاميّة الفلسطينيّة وإحدى القائمات على مبادرة المرأة الأوركيديّة هبة كريزم لـ"المونيتور" فأشارت إلى أن "النساء المشوّهات يتعرّضن للتنمّر داخل المجتمع، ويرفض ذويهنّ السماح لهنّ بالخروج من المنزل والتفاعل مع كلّ أفراد المجتمع"، ورأت أن "المبادرة تقتصر علي تقديم النصائح الطبية عبر وسائل التواصل الاجتماعي علي صفحتي الفيس بوك وتويتر، والاستعانة بعدد من الأطباء المتخصصين بجراحة الحروق للتوعية ونشر عدد من النصائح للنساء المشوهات، والتحذير من بعض السلوكيات الخاطئة التي تؤدي الى التسبب بالحروق والتشوهات، وتم نشر هذه الفيديوهات على صفحة المبادرة على الفيس بوك".
وتابعت أن "المرأة الاوركيدية تسعى لتسليط الضوء على معاناة النساء المشوهات حتى تقوم عدد من المؤسسات الحقوقية باحتضانهن والدفاع عنهن واسترداد حقوقهن، وهو ما ستقوم به المبادرة خلال المرحلة المقبلة".
وأشارت هبة كريزم إلى أنّ "المبادرة قامت بتنظيم حملة تغريد إعلاميّة على موقع التواصل الاجتماعيّ "تويتر" ، في 17 تشرين الثاني/نوفمبر الماضي لتسليط الضوء على النساء المشوّهات وتقديم بعض النصائح والإرشادات إليهنّ، وعرض فيلم وثائقيّ يتناول قصصاً مختلفة لـ5 نساء مشوّهات اشتركن في المعاناة نفسها، إضافة إلى عرض ورقة حقائق وإحصائيّات عن أعداد النساء المشوّهات في قطاع غزّة، والتي تم الحصول عليها من قبل وزارة الصحة وقامت المبادرة بنشرها على حسابها في موقع تويتر".
وبيّنت أنّ "الإحصائيّات أظهرت أنّ عدد حالات الدخول إلى مستشفى الشفاء، وهو أكبر مجمّع طبيّ في قطاع غزّة، نتيجة الاصابة بالحروق بين عاميّ 2010 إلى تشرين الأوّل/أكتوبر من عام 2019 بلغ 24 ألفاً و185 حالة حرق، بواقع ألف و624 سيّدة على مدار 10 سنوات. كما تمّ تسجيل دخول 708 حالة إلى مجمّع ناصر الطبيّ - جنوب قطاع غزّة بين عام 2017 إلى تشرين الأوّل/أكتوبر من عام 2019، بواقع 199 سيّدة على مدار ثلاث سنوات"، وقالت: "إنّ هناك أسباباً مختلفة للتشوّهات، التي أصابت النساء في قطاع غزّة، من بينها انقطاع التيّار الكهربائيّ لفترات طويلة الأمر الذي يجعل العائلات تقوم باستخدام الشموع لإنارة منازلها واستخدام المحروقات الخطرة لإشعال الأخشاب لطهي الطعام والتي تؤدّي إلي حرائق كبيرة والإصابة بالحروق المختلفة، وكذلك الأخطاء الطبيّة للعمليّات الجراحيّة التجميليّة، وقذائف الفسفور الأبيض التي استخدمتها إسرائيل خلال حربها على غزّة في عام 2008/2009، إضافة إلى العنف الأسريّ كسكب البنزين والموادّ الحارقة على النساء".