مدينة غزّة، قطاع غزّة — شاركت قيادات من حركتيّ "حماس" و"الجهاد الإسلاميّ"، للمرّة الأولى منذ سنوات، في اجتماع القيادة الفلسطينيّة الطارئ الذي عقد بمدينة رام الله في 28 كانون الثاني/يناير الجاري، للتباحث في خطوات الردّ على خطّة السلام الأميركيّة المعروفة باسم "صفقة القرن"، وذلك بعد تلقّيها دعوات من قبل مؤسّسة الرئاسة الفلسطينيّة.
الدعوة التي أنهت حالة من القطيعة بين قيادات "حماس" والرئيس الفلسطينيّ محمود عبّاس دامت سنوات على خلفيّة الانقسام السياسيّ، أفسحت الطريق أمام استئناف حوارات المصالحة الداخليّة، التي توقّفت مع محاولة تفجير موكب رئيس الوزراء الفلسطينيّ السابق رامي الحمد الله أثناء زيارته لقطاع غزّة في آذار/مارس من عام 2018، واتّهام محمود عبّاس حركة "حماس بتدبير التفجير لإفشال جهود المصالحة.
وكانت العاصمة القطريّة شهدت، في تشرين الأوّل/أكتوبر من عام 2016، اللقاء الأخير بين قيادة "حماس" وعبّاس للتباحث في إنهاء الانقسام وتشكيل حكومة وحدة وطنيّة وإجراء الانتخابات العامّة، إلاّ أنّ محاولات تحقيق الوحدة التي أعقبت اللقاء لم يكتب لها النجاح حتّى اليوم.
وسبق اللقاء، الذي عقد في مدينة رام الله، اتصال هاتفيّ بين عبّاس ورئيس المكتب السياسيّ لحركة "حماس" إسماعيل هنيّة في 28 كانون الثاني/يناير الجاري، دعا خلاله الأخير عبّاس إلى العمل المشترك سياسيّاً وميدانيّاً لقطع الطريق على التوجّهات الأميركيّة والإسرائيليّة، وهي دعوة ثمّنها عبّاس.
وكشف مسؤول فلسطينيّ مقرّب من مؤسّسة الرئاسة الفلسطينيّة، طلب إخفاء هويّته، لـ"المونيتور"، أنّ عبّاس كلّف عضو اللجنتين التنفيذيّة لمنظّمة التحرير والمركزيّة لحركة "فتح" عزّام الأحمد بالاتصال الهاتفيّ بعدد من النوّاب السابقين لحركة "حماس" في الضفّة الغربيّة ودعوتهم إلى حضور الاجتماع الطارئ، الذي عقد في 28 كانون الثاني/يناير الجاري بمدينة رام الله.
وأوضح المسؤول الفلسطينيّ أنّ قيادات "حماس"، التي قبلت الدعوة وحضرت الاجتماع، دعت عبّاس إلى القيام بخطوات جادّة لإنهاء الانقسام عبر الجلوس الفوريّ مع قيادة "حماس" في قطاع غزّة، وطالبته بزيارة القطاع بسرعة لتحقيق ذلك الهدف، إلاّ أنّ عبّاس التزم الصمت ولم يعقّب على طلبها.
من جهته، أكّد عضو اللجنة المركزيّة لحركة "فتح" عبّاس زكي في حديث لـ"المونيتور" أنّ عبّاس طلب تشكيل وفد من الفصائل الفلسطينيّة للذهاب إلى قطاع غزّة منتصف الأسبوع المقبل، لبدء حوار وطنيّ جامع يهدف إلى تعزيز الموقف الفلسطينيّ الرافض لـ"صفقة القرن".
وبيّن عبّاس زكي أنّ اتّصال إسماعيل هنيّة بعبّاس كان له أثر إيجابيّ، ودفع بالرئيس إلى تشكيل الوفد الفصائليّ، مشيراً إلى أنّ استجابة حركة "حماس" لحضور الاجتماع الطارئ في رام الله أظهرت حجم المسؤوليّة العالية التي تتمتّع بها الحركة واستشعارها للخطر الحقيقيّ الذي تتعرّض له القضيّة الفلسطينيّة بعد إعلان الرئيس الأميركيّ دونالد ترامب خطّته.
وعن موعد زيارة عبّاس لقطاع غزّة، قال زكي: "إنّ الأمر خاضع للرئيس عبّاس فهو الذي يحدّد الموعد".
وأشار أمين سرّ اللجنة التنفيذيّة لمنظّمة التحرير صائب عريقات في تصريحات لإذاعة "الشعب" الفلسطينيّة بـ29 كانون الثاني/يناير الجاري، إلى أنّ عبّاس ينتظر نتائج اللقاء الفصائليّ في غزّة. وبعدها، سيقرّر موعد زيارته للقطاع.
ويأتي التحضير لاجتماع الفصائل الفلسطينيّة، بعد أيّام قليلة من دعوة هنيّة في 26 كانون الثاني/ يناير الجاري، الفصائل الفلسطينيّة، وفي مقدّمتها حركة "فتح"، إلى لقاء عاجل في العاصمة المصريّة القاهرة لمواجهة خطّة السلام الأميركيّة.
ووصف وزير الماليّة الأسبق القياديّ في حركة "حماس" عمر عبد الرّازق خلال حديث لـ"المونيتور" اللقاء الذي حضره مع قيادات أخرى من حركة "حماس" في مقرّ الرئاسة الفلسطينيّة برام الله بالإيجابيّ، مشيراً إلى أنّ عبّاس شدّد خلاله على ضرورة إنهاء الانقسام وتجاوز العقبات التي أعاقت التوصّل إلى اتفاق مع حركة "حماس" في السابق.
واعتبر عمر عبد الرّازق أنّ ما ينتظره الشارع الفلسطينيّ هو تطبيق عبّاس تصريحاته خلال الاجتماع على أرض الواقع، لا سيّما تنفيذ قرارات المجلس المركزيّ الفلسطينيّ في دورتيه 2015 و2018، وتحديداً في جانب وقف التنسيق الأمنيّ.
وأوضح أنّ الشارع الفلسطينيّ في الضفّة الغربيّة ينتظر أن يشاهد مساحة أوسع للحريّات العامّة والعمل النقابيّ والحزبيّ، والإفراج عن المعتقلين السياسيّين بهدف إنجاح أيّ حوار وطنيّ.
وتوافق ناصر الدين الشاعر، الذي شغل منصب نائب رئيس الوزراء الفلسطينيّ الأسبق إسماعيل هنيّة وأحد الذين حضروا اجتماع القيادة الطارئ برام الله، في حديث مع "المونيتور" مع سابقه في أنّ الشارع الفلسطينيّ بالضفّة الغربيّة يتساءل عن الحريّات العامّة وإنهاء الانقسام قبل الحديث عن التصدّي لأيّ خطط أميركيّة لتصفية القضيّة الفلسطينيّة، وقال: "سمعنا خطاباً جديداً ولغة إيجابيّة خلال اللقاء الذي جمعنا بالرئيس، والذي نعتقد أنّه يمهّد لإنهاء الانقسام".
وأشار إلى أنّ اللقاء الذي سيجمع الفصائل في غزّة الأسبوع المقبل سيكون بداية لقاءات متلاحقة لتحقيق الوحدة.
الشارع الفلسطينيّ لا يلقي بالاً لحوارات الفصائل التي تحدث بين حين وآخر، وذلك من جرّاء الفشل المتكرّر الذي صاحب تلك اللقاءات على مدار 12 عاماً من محاولات إنهاء الانقسام.
ورأى أستاذ العلوم السياسيّة في جامعة "النّجاح" الوطنيّة البروفسّور عبد الستّار قاسم خلال حديث لـ"المونيتور" أنّ لقاء الفصائل الفلسطينيّة المتوقّع خلال الأسبوع المقبل يأتي في ظروف مختلفة لم تشهدها القضيّة الفلسطينيّة منذ سنوات طويلة، الأمر الذي يعطي أملاً بأن ينجح في التقدّم بخطوات لإنهاء الانقسام.
وطالب عبد الستّار قاسم السلطة الفلسطينيّة وفصائل منظّمة التحرير بدعم المقاومة الشعبيّة والمسلّحة ضدّ إسرائيل، في ظلّ فشل كلّ خيارات التسوية وانحياز الإدارة الأميركيّة إلى إسرائيل، إضافة إلى استمرار الحراك الديبلوماسيّ على المستوى الدوليّ لإحباط الخطّة الأميركيّة.
أمّا المحلّل السياسيّ ورئيس التحرير السابق لصحيفة "الرسالة" التابعة لحركة "حماس" وسام عفيفة فاعتبر في حديث مع "المونيتور" أنّ فشل الخيار الذي كانت تعول عليه السلطة الفلسطينيّة في إقامة دولة فلسطينيّة من خلال المفاوضات مع إسرائيل دفعها إلى الجلوس مع الفصائل الفلسطينيّة بهدف وضع خطّة عمل للمرحلة المقبلة، وفي مقدّمتها إنهاء الانقسام.
ورغم حالة التفاؤل الحذر لنتائج اجتماع الفصائل المرتقب في قطاع غزّة الأسبوع المقبل، تبقى الخطوات العمليّة ما ينتظره الشارع الفلسطينيّ لإنهاء الانقسام الداخليّ والتفرّغ للتصدّي لخطّة السلام الأميركيّة.