مدينة غزّة، قطاع غزّة — سمحت إسرائيل مع نهاية عام 2019، وللمرّة الأولى منذ 13 عاماً، بتصدير العديد من المنتوجات والسلع الفلسطينيّة التي تنتج في قطاع غزّة عبر معبر كرم أبو سالم التجاريّ - جنوب قطاع غزّة، باتّجاه دول خليجيّة وأوروبيّة وإسرائيل. وفي المقابل، ذكرت مصادر إعلاميّة فلسطينيّة وإسرائيليّة، بـ29 كانون الأوّل/ديسمبر الماضي، أنّ إسرائيل وافقت على إدخال العديد من السلع إلى قطاع غزّة كانت محظورة في السابق، وتحديداً إطارات السيّارات وباصات النقل العام والموادّ التي كانت تصنّف تحت بند "الاستخدام المزدوج".
وتأتي تلك التسهيلات، بعد إعلان الفصائل الفلسطينيّة في قطاع غزّة بـ26 كانون الأوّل/ديسمبر الماضي، عن وقف مسيرات العودة وكسر الحصار على طول الحدود مع إسرائيل لــ3 أشهر، على أن تصبح بعد ذلك مرّة واحدة في الشهر أو في المناسبات الوطنيّة، وهو ما اعتبرته إسرائيل مؤشّراً على رغبة "حماس" في التوصّل إلى اتفاق تهدئة.
واجتمع المجلس الوزاريّ الإسرائيليّ المصغّر، في 29 كانون الأوّل/ديسمبر الجاري، للبحث في التهدئة مع "حما
س" بغزّة، من دون الإفصاح عن نتائج تلك المباحثات، التي استكملت في جلسة ثانية في 1 كانون الثاني/يناير من عام 2020. وفي المقابل، نفت "حماس" بشكل قاطع وجود أيّ اتصالات مع إسرائيل في خصوص تلك التهدئة.
وقال مسؤول في حركة "حماس"، فضّل عدم الكشف عن هويّته، لـ"المونيتور": "ما تروّج له إسرائيل من تسهيلات اقتصاديّة لقطاع غزّة لا يرقى للمطالب الفلسطينيّة، التي تمّ تسليمها للوسطاء على مدار عامين".
ونفى، في الوقت ذاته، وجود أيّ اتصالات مع إسرائيل للبحث في التهدئة، موضحاً أنّ تعليق مسيرات العودة لـمدّة 3 أشهر وعودتها بآليّة أخرى يأتيان في إطار تطويرها بهدف الحفاظ على أرواح المتظاهرين ومنعهم من الاحتكاك بالجيش الإسرائيليّ، ولا علاقة له بما تروّجه إسرائيل إعلاميّاً أنّه في إطار التوصّل إلى اتفاق تهدئة.
إنّ رزمة التسهيلات الإسرائيليّة تأتي لاحقة لتسهيلات أخرى كانت قدّمتها إسرائيل إلى قطاع غزّة في أعقاب اتفاق وقف إطلاق النار في 14 تشرين الثاني/نوفمبر الماضي، والتي كان من ضمنها السماح للصيّادين الفلسطينيّين بالإبحار لمسافة 15 ميلاً بحريّاً، وكذلك استخدام قوارب الصيد الكبيرة للمرّة الأولى منذ فرض الحصار الإسرائيليّ، وإدخال معدّات لبناء المستشفى الميدانيّ الأميركيّ شمال قطاع غزّة.
وأوضح نقيب الصيّادين الفلسطينيّين نزار عيّاش خلال حديث لـ"المونيتور" أنّ الصيّادين الفلسطينيّين يبحرون بشكل يوميّ، ومنذ منتصف تشرين الثاني/نوفمبر الماضي، لمسافة 15 ميلاً بحريّاً، مشيراً إلى أنّ الاعتداءات والمضايقات الإسرائيليّة التي كان يتعرّض لها الصيّادون الفلسطينيّون تراجعت بنسبة كبيرة خلال الأشهر الأخيرة.
وأوضح أنّهم ينتظرون خلال الأيّام المقبلة إدخال إسرائيل العديد من الموادّ، التي تستخدم في الصيد، والتي كانت محظورة من دخول قطاع غزّة سابقاً، وتحديداً مادّة "الفيبر جلاس" التي تستخدم في صناعة قوارب الصيد وصيانتها، وكذلك الأسلاك الفولاذيّة.
من جهته، أكّد المتحدّث الإعلاميّ باسم اتحاد شركات إطارات السيّارات في قطاع غزّة طرزان دغمش لـ"المونيتور" أنّ إسرائيل أبلغتهم بالموافقة على إدخال إطارات السيّارات إلى قطاع غزّة، وذلك بعد أن أوقفت إدخالها منذ نيسان/إبريل من عام 2018، ردّاً على حرق المتظاهرين الفلسطينيّين الإطارات المطاطيّة خلال مسيرات العودة قرب الحدود مع إسرائيل.
وأوضح أنّ قطاع غزّة دخل في أزمة كبيرة منذ منع إدخال تلك الإطارات، الأمر الذي اضطرّهم إلى استيرادها من مصر بأسعار مضاعفة، مشيراً إلى أنّ سعر 4 إطارات يصل حاليّاً إلى 430 دولاراً، بعد أن كان سعرها 200 دولار قبل أن تمنع إسرائيل توريدها.
أمّا مدير مجموعة شركات "سرايو الوادية" للصناعات الغذائيّة في غزّة وائل الوادية فقال لـ"المونيتور": "هذه هي المرّة الأولى التي تسمح فيها إسرائيل لنا بتصدير منتوجاتنا منذ عام 2007".
ولفت إلى أنّهم تمكّنوا، في 30 كانون الأوّل/ديسمبر الماضي، من تصدير الشحنة الأولى من حلوى "كرمبو" تزنّ 8 أطنان إلى البحرين، موضحاً أنّ السماح لهم بالتصدير دفعهم إلى رفع طاقتهم الإنتاجيّة بشكل تدريجيّ، بعد أن كانت 30 في المائة فقط خلال الأعوام الماضية، نتيجة الركود الاقتصاديّ في غزّة ومنع التصدير.
وأشارت التوقّعات الفلسطينيّة إلى أنّه إذا ما استمرّت التسهيلات الإسرائيليّة، فإنّ قطاع غزّة سيشهد تعافياً اقتصاديّاً خلال عام 2020، وهو الأمر الذي سينعكس إيجاباً على أوضاع السكّان المعيشيّة الذين أرهقهم الفقر والبطالة الّلذان وصلت نسبتهما إلى 75 في المائة، وفقاً لوزارة التنمية الاجتماعيّة.
وفي المقابل، أثارت تلك التسهيلات غضب السلطة الفلسطينيّة، التي هاجمتها بقوّة، واعتبر رئيس الوزراء الفلسطينيّ محمّد اشتيّة في 31 كانون الأوّل/ديسمبر الماضي، أنّ هدف التسهيلات الإسرائيليّة تعزيز الانقسام الفلسطينيّ وفصل قطاع غزّة عن الضفّة الغربيّة والقدس وضرب المشروع الوطنيّ الفلسطينيّ.
ورأى المحلّل السياسيّ والكاتب في صحيفة "الأيّام" الفلسطينيّة طلال عوكل خلال حديث لـ"المونيتور" أنّ المؤشّرات على أرض الواقع والتسهيلات الإسرائيليّة تدلّان على أنّ "حماس" وإسرائيل حقّقتا تقدّماً ملموساً في مباحثات التهدئة بينهما، مشيراً إلى أنّ نفي "حماس" وجود مباحثات حول التهدئة يفهم في غزّة على أنّ الحركة تنتظر النضوج الكامل للاتفاق كي تعلنه إلى الجمهور.
وبيّن أنّ الطرفين في حاجة إلى تلك التهدئة، فـ"حماس" معنيّة بتحقيق بعض الإنجازات الاقتصاديّة للمواطنين في قطاع غزّة بعد الإعلان عن وقف مسيرات العودة. وفي المقابل، فإنّ إسرائيل في حاجة إلى تلك التهدئة بهدف التفرّغ للملف الإيرانيّ من جهة، والتجهيز للانتخابات البرلمانيّة الثالثة من جهة أخرى.
أمّا الكاتب في صحيفة "فلسطين" والمقرّب من "حماس" إياد القرا فوصف خلال حديث لـ"المونيتور" التسهيلات الإسرائيليّة بـ"الوهميّة"، وقال: "ما تقدّمه إسرائيل إلى قطاع غزّة هو حقوق بسيطة، وجزء منها تمّ التوافق عليه سابقاً عبر الوسطاء ضمن تفاهمات التهدئة".
يبدو أنّ الجيش الإسرائيليّ نجح في الضغط على المستوى السياسيّ في إسرائيل لتقديم تلك التسهيلات والبحث بشكل جديّ في التوصّل إلى اتفاق تهدئة مع "حماس"، وذلك خوفاً من اندلاع مواجهة عسكريّة في غزّة لا يرغب فيها الجيش الإسرائيليّ حاليّاً، والذي يتوقّع اشتعال الجبهة الشماليّة مع إسرائيل خلال عام 2020.