القاهرة – في وقت قالت الحكومة إنّها تهدف إلى "زيادة فعاليّة" إجراءات مكافحة الإرهاب وتمويله، أقرّ مجلس الوزراء، في 8 كانون الثاني/يناير الجاري، مشروع تعديل قانون تنظيم قوائم الكيانات الإرهابيّة والإرهابيّين رقم 8 لسنة 2015، ليتضمّن توسيع سلطة النيابة العامّة في تجميد أصول وأموال الأشخاص والكيانات الإرهابيّة.
ففي حين تلزم المادّة السابعة من القانون الحاليّ السلطات التجميد والتحفّظ على أموال الكيان أو الإرهابيّ التي استخدمت في ممارسة النشاط الإرهابيّ فقط، جاءت التعديلات الجديدة لتعطي السلطات الحقّ في تجميد كلّ الأموال المملوكة للمتّهمين، حيث تنصّ على أن يتمّ "تجميد الأموال أو الأصول الأخرى المملوكة للكيان الإرهابيّ وأعضائه من الإرهابيّين، سواء بالكامل أو في صورة حصّة في ملكيّة مشتركة، والعائدات المتولّدة منها، أو التي يتحكّم فيها بشكل مباشر أو غير مباشر، والأموال أو الأصول الخاصّة بالأشخاص والكيانات التي تعمل من خلاله".
ونصّت التعديلات الجديدة أيضاً على تجميد كلّ الأصول الماليّة والموارد الاقتصاديّة، ومنها: النفط والموارد الطبيعيّة الأخرى، والممتلكات أيّاً كان نوعها، و"أيّاً كانت وسيلة الحصول عليها".
وأدرجت التعديلات أيضاً "الشكل الرقميّ والإلكترونيّ للعملات الوطنيّة أو الأجنبيّة، والأوراق الماليّة أو التجاريّة، والصكوك والمحرّرات المثبّتة لكلّ ما تقدّم أيّاً كان شكلها، وكلّ الحقوق المتعلّقة بأيّ منها، بما في ذلك الائتمان المصرفيّ والشيكات السياحيّة والشيكات المصرفيّة والاعتمادات المستنديّة، أو أيّ فوائد أو أرباح أو مصادر دخل أخرى مترتّبة على أو متولّدة من هذه الأموال أو الأصول، أو أيّ أصول أخرى يحتمل استخدامها للحصول على تمويل أو منتجات أو خدمات".
ويعرّف القانون الكيانات الإرهابيّة بأنّها "كلّ جمعيّة أو منظّمة أو جماعة أو عصابة تمارس أو يكون الغرض منها الدعوة بأيّ وسيلة إلى الإخلال بالنظام العامّ أو تعريض سلامة المجتمع أو مصالحه أو أمنه للخطر أو الإضرار بالوحدة الوطنيّة"، الأمر الذي يعطي السلطات الحقّ في وضع أيّ شخص تراه أنّه يخلّ بالنظام العام على قوائم الإرهاب ومصادرة ممتلكاته.
وإذ رأت الحكومة المصريّة أن التعديلات تستهدف وضع إطار قانونيّ أشمل لتحديد الأشخاص والكيانات الإرهابيّة، بما يسهم في الوفاء بالمعايير الدوليّة ويحقّق المصلحة الوطنيّة العليا في مكافحة الإرهاب، اعتبر مصدر قضائيّ، في تصريحات لموقع "مدى مصر"، بـ9 كانون الثاني/يناير الجاري، "أنّ التعديلات تعطي غطاء قانونيّاً للتعدّي على حرمة المال الخاص للمتّهمين،" لافتاً إلى "أنّ القانون في صيغته الحاليّة يشترط لتجميد أموال الأشخاص أو الكيانات الإرهابيّة وجود دليل على استخدامها في نشاط إرهابيّ، لكنّ التعديلات حرّرت سلطات الضبط والتحرّي، أيّ وزارة الداخليّة والنيابة العامّة، من هذا الشرط."
من جهته، أشار النائب ضياء الدين داوود، في تصريحات خاصّة لـ"المونيتور"، إلى أنّ التعديلات الجديدة مخالفة للدستور ويشوبها عدم دستوريّة، نظراً لتعارضها مع نصوص الدستور التي تحذّر من التعدّي على الملكيّة الخاصّة للأفراد، وقال في تصريحات: "إنّ هذه التعريفات المطّاطة، التي يتضمّنها القانون، تخالف القاعدة القانونيّة، التي تؤكّد أنّ النصوص لا بدّ أن تكون قطعيّة الثبوت وواضحة الدلالة لعناصر الجريمة ولأركانها حتّى يستطيع القاضي معرفة قصد المشرّع في إنزال العقاب على وقائع محدودة، وذلك خشية الطعن بعدم الدستوريّة على نص يستخدم جملاً مطّاطة".
وتنصّ المادّة 33 من الدستور على أن "تحمي الدولة الملكيّة بأنواعها الثلاثة، الملكيّة العامّة، والملكيّة الخاصّة، والملكيّة التعاونيّة"، فيما تنصّ المادّة 35 على أنّ الملكيّة الخاصّة مصونة، ولا يجوز فرض الحراسة عليها، إلاّ بحكم قضائيّ ووفقاً للقانون.
وقال ضياء الدين داوود: "رغم تفهّمي لدوافع صدور هذه التعديلات بهذا التوقيت، في ظلّ الأوضاع الداخليّة والإقليميّة، لاستخدامه في مواجهة تمويل العمليّات الإرهابيّة من خلال قنوات اقتصاديّة لرجال أعمال أو أشخاص غير ناشطين سياسيّاً، إلاّ أنّه من الناحية القانونيّة يخالف النصوص الدستوريّة".
وفي 1 كانون الأوّل/ديسمبر الماضي، قضت محكمة جنايات القاهرة بإدراج جماعة أنصار بيت المقدس على قائمة الكيانات الإرهابيّة، ليعقبها قرار بالمصادرة النهائيّة لأموال أكثر من 120 شخصاً من المدانين في قضايا الإرهاب. كما تضع مصر عدداً من التنظيمات، من بينها جماعة الإخوان والجماعة الإسلاميّة، فضلاً عن مئات الجمعيّات الأخرى في القاهرة ومحافظات الجمهوريّة على قوائم الإرهابيّين ككيانات إرهابيّة الأمر الذي يقضي بوقف النشاط وتجميد الأموال، وكامل الأصول حتى وإن لم تستخدم في النشاط الإرهابي.
وتصنّف السلطات أيضاً مئات الشخصيّات، أبرزها: مرشد جماعة الإخوان محمّد بديع، القائم بأعمال مرشد الجماعة محمود عزّت، وكذلك رجل الأعمال البارز المنتمي إليها حسن مالك، ووجدي غنيم ومعتزّ مطر ومحمّد ناصر الهاربين لتركيا على قوائم الإرهاب.
من جهته، قال النائب البرلمانيّ وعضو تكتّل 25–30 في مجلس النوّاب أحمد طنطاوي خلال تصريحات لـ"المونيتور": "أعلن تأييدي لكلّ ما يكفل للدولة مواجهة شاملة للإرهاب في ما يتعلّق بمطاردة الإرهابيّين داخل أوكارهم، ولكن مواجهة مواطنين والتحفّظ على ممتلكاتهم لمجرّد اتّهامهم بممارسة الإرهاب، ومن دون حكم قضائيّ نهائيّ، فهذا أرفضه تماماً".
أضاف أحمد طنطاوي: "إنّ القاعدة القانونيّة تقول إنّ المتّهم بريء حتّى تثبت إدانته، فكيف للسلطات أن تقوم بالتحفّظ على أرصدة الأشخاص المتّهمين وممتلكاتهم لمجرّد اتّهامات من دون حكم قضائيّ نهائيّ في شأنهم؟ ألم تعلم الحكومة آثار هذه الإجراءات على ذويهم؟ ثمّ ماذا لو صدرت البراءة في حقّ المتّهم بعد سنوات عدّة؟ كيف ستعوّضه الدولة على الآثار الاقتصاديّة والاجتماعيّة المترتّبة عليه وعلى ذويه، نتيجة تجميد أرصدته واتّهامه بالإرهاب؟".
وتابع: "بهذه الإجراءات، نساهم في خلق إرهابيّين جدد".
وفي المقابل، أشار رئيس المنظّمة المصريّة لحقوق الإنسان الدكتور حافظ أبو سعدة خلال تصريحات لـ"المونيتور" إلى أنّ التعديلات تأتي اتساقاً مع المعايير الدوليّة وقرار مجلس الأمن رقم 1373 لسنة 2001، الذي يحتّم على الدول اتّخاذ التدابير كافّة لمنع تمويل الإرهاب وقمعه، وقال: إنّ مصر حجر الزاوية في منطقة ملتهبة تشهد فوضى وأحداث عنف وإرهاباً على المستويات كافّة، الأمر الذي يستوجب اتّخاذ كلّ التدابير التي تستطيع تجفيف الإرهاب من منابعه، خصوصاً أنّ هناك منظّمات تعمل في الداخل والخارج ضدّ الدولة وتسعى إلى نشر الفوضى في مصر ومواجهة أيّ استقرار بالعنف والإرهاب.
وتشهد الحدود المصريّة حالة تأهّب أمنيّ، نتيحة أحداث العنف والانقسامات التي تشهدها الدول المجاورة كليبيا والسودان.