القاهرة - بدت القاهرة أكثر هجوماً على حكومة الوفاق الليبيّة عن ذي قبل، إذ أشار الرئيس المصريّ عبد الفتّاح السيسي إلى أنّ حكومة فائز السرّاج في ليبيا "أسيرة للميلشيات المسلّحة والإرهابيّة الموجودة في طرابلس (شمال غرب ليبيا)"، وذلك في كلمته بمنتدى شباب العالم في شرم الشيخ بـ15 كانون الأوّل/ديسمبر.
ويأتي هذا الانتقاد المباشر من قبل عبد الفتّاح السيسي، في أعقاب توقيع حكومة الوفاق وتركيا اتفاقاً لترسيم الحدود البحريّة، إضافة إلى اتفاق آخر لتعزيز التعاون الأمنيّ والعسكريّ، في 28 تشرين الثاني/نوفمبر الماضي، الأمر الذي أثار حفيظة مصر، لتصفه وزارة الخارجيّة المصريّة بـ"غير الشرعيّ... ولا يترتّب عليه أيّ تأثير على حقوق الدول المشاطئة للبحر المتوسّط"، بحسب بيان في 28 تشرين الثاني/نوفمبر الماضي.
كما أعلن عبد الفتّاح السيسي بوضوح دعم القاهرة لقائد الجيش الوطنيّ الليبيّ خليفة حفتر، وذلك خلال لقائه مع ممثّلي الإعلام الأجنبيّ في 16 كانون الأوّل/ديسمبر، وقال: إنّ ليبيا جزء من الأمن القوميّ لمصر و"هناك دول تتدخّل لتأخير الحلّ السياسيّ في ليبيا".
وسرعان ما ردّ المجلس الرئاسيّ لحكومة الوفاق الليبيّة على تصريحات السيسي، في بيان بـ16 كانون الأوّل/ديسمبر، بالقول: إنّ الحكومة "تتفهّم حقّ الدولة المصريّة في تحقيق أمنها القوميّ، لكنّها لا تقبل بأيّ تهديد يمس السيادة الليبيّة... نأمل أن يكون للشقيقة مصر دور جوهريّ يحظى بثقة الجميع، في إطار دعم الاستقرار والسلم الأهليّ في ليبيا".
وبرّر أستاذ العلوم السياسيّة في جامعة القاهرة والعميد الأسبق لمعهد البحوث والدراسات العربيّة الدكتور أحمد يوسف أحمد، في حديث هاتفيّ لـ"المونيتور"، تصاعد لهجة الانتقاد المصريّة لحكومة الوفاق الليبيّة، قائلاً: "إنّ التطوّرات الأخيرة (بتوقيع الحكومة الليبيّة اتفاقين مع تركيا) تشكّل تهديداً مباشراً للأمن والمصالح المصريّة، سواء من ناحية ترسيم الحدود الذي يتعارض مع مصالح مصر في ثروات شرق المتوسّط، أو التلميح التركيّ بالتدخّل العسكريّ في ليبيا، وكلّها تطوّرات خطيرة تستدعي تغيّراً نوعيّاً في السياسات المتّبعة من قبل القاهرة ".
كان الرئيس التركيّ رجب طيّب أردوغان أبدى استعداده لتقديم أيّ دعم عسكريّ تحتاج إليه حكومة الوفاق المعترف بها دوليّاً، وذلك بعد اجتماعه مع فائز السرّاج بـ15 كانون الأوّل/ديسمبر.
ورأت محلّلة شؤون ليبيا في مجموعة الأزمات الدوليّة كلوديا جازيني خلال حديث لـ"المونيتور" أنّ الاتفاقية التي وقّعتها حكومة الوفاق مع أنقرة أغضبت القاهرة، لأنّها تعزّز موقف تركيا في الصراع على الغاز بالبحر المتوسّط، وقالت: "لم يكن هذا الأمر وحده ما أغضب القاهرة، بل الاتفاق الثاني بشأن الدعم الأمنيّ والعسكريّ لحكومة الوفاق. فبحسب الاتفاق، ستعمل تركيا على تدريب وتقديم استشارات وتزويد السرّاج بالمعدّات، ويسمح حتّى لطرابلس بطلب مساعدة بشكل مباشر من تركيا على الأرض، إذا كان الأمر ضروريّاً، الأمر الذي يفتح الطريق للتدخّل التركيّ المباشر في ليبيا... وهذا ما لا تريده مصر".
لم تتوقّف الرسائل المصريّة المناهضة لحكومة السرّاج عند هذا الحدّ، بل قال رئيس مجلس النوّاب المصريّ علي عبد العال، في 14 كانون الأوّل/ديسمبر: إنّ مصر تعتبر مجلس النوّاب الليبيّ الكيان الشرعيّ الوحيد الممثّل للشعب الليبيّ، وذلك في لقاء جمعه بنظيره المستشار عقيلة صالح.
وقال أحمد يوسف أحمد: "إنّ هذا اللقاء وتصريحات الرئيس السيسي الأخيرة يعنيان أنّ مصر تسحب اعترافها بما يسمّى بحكومة الوفاق الوطنيّ".
وهذا ما ذهبت إليه كلوديا جازيني، وقالت: "إنّ إقرار مصر بشرعيّة البرلمان الليبيّ، ما هو إلاّ محاولة لنقل القوى الشرعيّة في ليبيا من حكومة الوفاق إلى البرلمان الليبيّ، وكذلك محاولة لتقويض الاتفاقيّتين الموقّعتين بين السرّاج وتركيا، وستواصل (القاهرة) مساعيها لإبطالهما".
وفي 18 كانون الأوّل/ديسمبر، تقدّمت مصر برسالة إلى مجلس الأمن، قالت فيها: إنّ الاتفاق الموقّع بين أنقرة و"الوفاق" ينتهك قرارات مجلس الأمن بشأن ليبيا ويسمح بنقل أسلحة إلى الميليشيات المسلّحة غرب البلاد.
وطالب مساعد وزير الخارجيّة المصريّ السابق حسين هريدي في تصريحات هاتفيّة لـ"المونيتور"، الأمم المتّحدة ومجلس الأمن بالتحرّك سريعاً إزاء الأوضاع في ليبيا، وقال: "على مجلس الأمن والأمم المتّحدة أن يضطّلعا بمسؤوليّاتهما تجاه الوضع المتفاقم في ليبيا قبل انفجاره".
أضاف: "إنّ مصر ستدافع عن سيادتها وحقوقها ومصالحها وحدودها من دون تردّد أو خوف، في حال المساس بمصالحها بثروات البحر المتوسّط أو تهديدها عسكريّاً وأمنيّاً".
إلى ذلك، أثار موقف تبعيّة البعثة الديبلوماسيّة الليبيّة في مصر جدلاً خلال الأيّام الماضية، إذ في الوقت الذي صدر بيان بـ14 كانون الأوّل/ديسمبر نقلته وسائل إعلام مصريّة وعربيّة عدّة بشأن إعلان انشقاق البعثة الديبلوماسيّة الليبيّة في القاهرة عن حكومة الوفاق وانحيازها للبرلمان الليبيّ والجيش بقيادة خليفة حفتر، عاد حساب السفارة الليبيّة بالقاهرة على موقع "فيسبوك"، في اليوم التالي لنفي ذلك.
وإزاء التضارب الديبلوماسيّ الليبيّ في القاهرة، أعلنت السفارة الليبيّة في بيان بـ15 كانون الأوّل/ديسمبر، تعليق أعمالها لأجل غير مسمّى لأسباب أمنيّة، من دون أن تفصح عنها.
وختاماً، قالت جازيني: "لا شكّ فإنّ مصر ودولاً أخرى في المنطقة حاولت سحب الشرعيّة من حكومة الوفاق، لكنّ الأمر يبدو صعباً. ففي الوقت الحاليّ، من الصعب محو اعتراف الأمم المتّحدة بشرعيّة فائز السرّاج، لأنّ البرلمان الليبيّ مفكّك ولا يستطيع التصويت على تشكيل حكومة جديدة".