القاهرة – آية أمان: انتهى اجتماع وزراء خارجيّة ومياه مصر وإثيوبيا والسودان، الذي عقد في واشنطن، بـ15 كانون الثاني/يناير، بحضور وزير الخزانة الأميركيّ ستيفين منوشين ورئيس البنك الدوليّ ديفيد مالباس، بإقرار 6 عناصر يجب أن يتضمّنها الاتفاق الشامل حول قواعد ملء سدّ النهضة وتشغيله، من دون الإشارة إلى التوافق على أيّ من القضايا الخلافيّة التي أفشلت جولات التفاوض الفنيّة خلال الشهرين الماضيين.
وتتضمّن أهمّ النقاط التي أقرّ الوزراء أنّها موضوع الاتفاق النهائيّ، بحسب البيان الختاميّ المشترك الذي أصدرته وزارة الخزانة الأميركيّة في 15 كانون الثاني/يناير، ملء سدّ النهضة وفق مراحل على أن يكون خلال الموسم المطريّ، ويتمّ الملء في المرحلة الأولى بشكل سريع بالوصول إلى مستوى 595 متراً أعلى سطح البحر، والتوليد المبكر للكهرباء، مع وضع إجراءات لتخفيف آثار سنوات الجفاف والجفاف الممتدّ، على أن يتمّ حسم هذه النقاط عبر مشاورات فنيّة وقانونيّة والعودة إلى التوقيع النهائيّ على الاتفاق بواشنطن في 28 و29 كانون الثاني/يناير.
وفي ردّ الفعل المصريّ الرسميّ الأوّل على نتائج الاجتماعات، قال وزير الخارجيّة المصريّ سامح شكري في حديث لوكالة "أنباء الشرق الأوسط" الرسميّة: "نتفاءل بحذر بأنّنا نقترب الآن من نقطة حاسمة".
أضاف: "إنّ النقاط الـ6، التي تمّ التوصّل إليها في ختام اجتماعات واشنطن، لا تمثّل اتفاقاً في حدّ ذاته أو توافقاً على عناصر بعينها، إنّما هي محاولة لاستعراض مختلف القضايا ذات الأهميّة".
وفي حديث لـ"المونيتور"، قال مسؤول في الوفد المصريّ، طلب عدم ذكر اسمه: "لا يزال الخلاف قائماً حول أمور فنيّة جوهريّة تتعلّق بالتدفّق الطبيعيّ للنهر، وكميّات المياه المنصرفة خلال المراحل المتتالية للملء والتشغيل الطويل المدى".
أضاف: "لا يوجد توافق أيضاً على تدابير التعامل مع الجفاف والجفاف الممتدّ، التي شهدت سجالاً طويلاً في المشاورات الفنيّة".
وتابع: "هناك برنامج من المشاورات المكثّفة على المستويات السياسيّة والقانونيّة والفنيّة خلال الأسبوعين المقبلين بين كلّ الأطراف بمساعدة أميركيّة لحسم البنود الخلافيّة وصياغة اتفاق شامل تتوافق على بنوده كلّ الأطراف".
وأردف: "إنّ المساعدات الفنيّة، التي يقدّمها الجانب الأميركيّ، هي حلول واقتراحات لتقريب وجهات النظر من دون فرض أيّ أمور على مصر أو غيرها، وهو ما تقدّره مصر بما لا يسمح بالمساس بالحدّ الأدنى من مطالبنا في التسبّب بأضرار بالغة على الأمن المائيّ المصريّ من جرّاء ملء سدّ النهضة وتشغيله".
وأشار المسؤول إلى أنّ "إنجاز الاتفاق الشامل، ليس مباراة سياسيّة تستهدف أن يفوز بها أيّ من الأطراف لصالحه ضدّ الآخر"، وقال: "لن تسمح مصر بتمرير أيّ من البنود التي تضرّ بمصالحها في مياه النيل".
ورأى مراقبو مسار المفاوضات أنّ مخرجات اجتماع واشنطن، ليست بالمطمئنة للوصول إلى اتفاق شامل لملء السدّ وتشغيله، خصوصاً أنّها لم تستعرض العديد من البنود الفنيّة، التي دائماً ما تكون مسار خلاف بين مصر وإثيوبيا.
وإذ أشار خبير الموارد المائيّة والأمين العام للشراكة المائيّة-المصريّة خالد أبو زيد في حديث لـ"المونيتور" إلى "أنّ مخرجات اجتماع واشنطن لا تزال بنوداً عامّة، لما قد يتضمّنه الاتفاق الشامل حول قواعد ملء سدّ النهضة وتشغيله، ولا يمكن الحكم بالسلب أو الإيجاب إذا ما كان هناك توافق على التفاصيل الفنيّة وراء هذه البنود"، أكّد أنّ "تحديد هذه العناصر يظهر أنّ هناك توافقاً على الخطوط العريضة، التي يجب أن يتضمّنها الاتفاق"، وقال: "إنّ بعض البنود التي تضمّنها البيان المشترك ستحتاج إلى العديد من التفاصيل الفنيّة، بخاصّة البند الخامس المتعلّق بالتشغيل على المدى الطويل وتحديد معايير تصريف المياه من سدّ النهضة وتدابير تخفيف آثار الجفاف والجفاف الممتدّ".
وعمّا تتضمّنه بيان اجتماع واشنطن من التوافق على الملء الأوّل لبحيرة السدّ خلال شهريّ تمّوز/يوليو وآب/أغسطس واستهداف الوصول السريع إلى منسوب ٥٩٥ متراً والتوليد المبكر للكهرباء، قال خالد أبو زيد: "من الأفضل أن يكون الملء خلال فترات وموسم الأمطار العالية، وهو ما تضمّنه البيان".
أضاف: "يجب أن يكون هناك اتفاق واضح على آليّة التعويض المائيّ والكهربائيّ عند حدوث أيّ ضرر خلال أيّ من مراحل الملء أو التشغيل، خصوصاً في فترات الجفاف".
وتابع أبو زيد: "بانتهاء المرحلة الأوليّة للملء عند منسوب 595 متراً، يمكن اعتبار ما يليها ضمن مراحل التشغيل وليس الملء، حيث يتمّ التشغيل وفق قواعد تضمن تصريف الإيراد السنويّ للنيل الأزرق على مدار أشهر العام، بعد الملء السنويّ المتكرّر خلال أشهر الفيضان".
وحذّر من "خطورة التخزين لفترات طويلة من عام إلى آخر على مناسيب عالية، وهو ما قد يزيد من فواقد التبخّر وتسرّب المياه والتأثير التراكميّ لتلك الفواقد، والذي يؤدّي إلى تراكم الانخفاض في حجم المياه المنصرفة من السدّ إلى دولتيّ المصب".
من جهتها، رأت أستاذة العلوم السياسيّة في جامعة القاهرة راوية توفيق خلال حديث لـ"المونيتور" أنّ "اجتماع واشنطن لم يحرز أيّ تقدّم في النقاط الخلافيّة المتعلّقة بتباعد وجهتيّ نظر مصر وإثيوبيا في ما يتعلّق بملء سدّ النهضة وتشغيله، لكنّ الميزة الوحيدة أنّه نجح في خفض حدّة التوتر بين مصر وإثيوبيا التي سبقت الاجتماع".
كان فشل وزراء المياه والوفود الفنيّة من الدول الـ3 في التوصّل إلى اتفاق خلال الاجتماعات الفنيّة الـ4 التي انتهت في أديس أبابا بـ9 كانون الثاني/يناير خلق أجواء من التوتر بدأت ببيان أصدرته وزارة الخارجيّة الإثيوبيّة في 9 كانون الثاني/يناير اتّهمت فيه الوفد المفاوض المصريّ بأنّه "لا يريد، إلاّ أن يكون المقترح المصريّ فقط بالكامل هو ما يتمّ تضمينه في أيّ اتفاق حول ملء السدّ وتشغيله".
وأشارت إلى أنّ "الرؤية المصريّة تجعل السد يمتلئ في فترة تتراوح بين 12 إلى 21 عاماً، وتلزم إثيوبيا بتعويضها وردّ العجز التراكميّ من المياه خلال فترة ملء خزّان السدّ، بينما لا تعترف إثيوبيا بمفهوم العجز التراكميّ لأنها تطبق استراتيجيات تخفيف أثر الجفاف في كافة مراحل الملء.
وردّت مصر ببيان شديد اللهجة من وزارة الخارجيّة في 10 كانون الثاني/يناير، اتّهمت فيه بيان الخارجيّة الإثيوبيّة بأنّه يهدف إلى التضليل المتعمّد وتشويه الحقائق، وقالت: "إنّ الاجتماعات الوزاريّة الـ4 لم تحقّق تقدّماً ملموساً بسبب تعنّت إثيوبيا وتبنّيها مواقف مغالى فيها تكشف عن نيّتها فرض الأمر الواقع وبسط سيطرتها على النيل".
واعتبرت راوية توفيق أنّ "اجتماع واشنطن لم يحقّق تقدّماً حقيقيّاً، إذ لا تزال العبارات المستخدمة فيه فضفاضة لا تشتمل على أيّ حسم أو إلزام أيّ دولة بمواقف محدّدة"، وقالت: "إنّ تصريحات وزير الخارجيّة سامح شكري بعد الاجتماع تكشف عن عدم استبعاد اللجوء إلى وسيط، في حال تعذّر محاولات أميركا والبنك الدوليّ تقريب وجهات النظر".
وتعليقاً على المواقف الإثيوبيّة المتشدّدة، قالت توفيق: "هناك تحدّيات كبيرة أمام إدارة رئيس الوزراء الإثيوبيّ آبي أحمد، فإنّ عدم الاستقرار السياسيّ وظهور منافسين له على السلطة يصعّبان إقدام إثيوبيا على أيّ تنازلات في ملف سدّ النهضة بالتحديد".
ويبقى الرهان على إمكانيّة حسم الخلافات العميقة بين مصر وإثيوبيا وصياغة اتفاق شامل لملء سدّ النهضة وتخزينه، قيد محاولات إدارة الرئيس الأميركيّ دونالد ترامب في تقريب وجهات النظر بين الأطراف للفوز بدور في حلّ خلاف يهدّد السلم والأمن في القرن الإفريقيّ والشرق الأوسط على حدّ سواء، وهو ما ستكشف عنه المساعدات التي يمكن تقديمها خلال الأسبوعين المقبلين.