القاهرة - أشار مصدر أمنيّ واسع الاطلاع، تحفّظ على نشر اسمه، إلى أنّ السلطات المصريّة منعت تداول أيّ أخبار خاصّة بحركة المحافظين، وكذلك التغيير الوزاريّ المرتقب في مصر، موضحاً في حديث خاص لـ"المونيتور" أنّ ضبّاطاً من قطاع الأمن الوطنيّ في وزارة الداخليّة أرسلوا إلى رؤساء تحرير الصحف القوميّة والخاصّة والقنوات الفضائيّة، تعليمات تحظّر نشر أسماء أيّ من الوزراء المزمع تغييرهم في الأيّام القليلة المقبلة.
وأكّد المصدر أنّ التعليمات شملت عدم نشر أيّ معلومات غير رسميّة أو تكهّنات في خصوص حركة تغييرات المحافظين (تمّت) أو التعديل الوزاريّ، مشدّداً على أنّ الأخير (يقصد التعديل الوزاريّ) يُفرض عليه الكثير من السريّة حتّى لا تحدث بلبلة ناتجة من تداول أسماء بعينها، خصوصاً أنّه لم يتمّ الاتفاق بشكل نهائيّ على الأسماء التي سيتمّ استبدالها بأخرى في التغيير الوزاريّ المزمع.
وفي 27 تشرين الثاني/نوفمبر من عام 2019، أصدر الرئيس المصريّ عبد الفتّاح السيسي القرار الجمهوريّ رقم 596 لسنة 2019، الخاص بتغييرات المحافظين، وشملت حركة المحافظين الجديدة ١٦ محافظاً و٢٣ نائباً أدّوا اليمين الدستوريّة أمام عبد الفتّاح السيسي في اليوم ذاته.
أمّا في ما يخصّ التغيير الوزاريّ فظلّ سرّاً وحُظّر نشر أسماء أو تداول أنباء عن الوزراء الجدد، لكنّ صحيفة "اليوم السابع" المقرّبة من النظام الحاكم نشرت في 26 تشرين الثاني/نوفمبر من عام 2019، أنّ القائمة النهائيّة للمرشّحين في التعديل الوزاريّ المرتقب سيتمّ رفعها إلى السيسي، بعد أن اعتمدت الجهات الأمنيّة أسماء المرشّحين.
ورفضت المصادر الحكوميّة في حديث لـ"اليوم السابع" إعلان وقت محدّد لإعلان القائمة الخاصّة بالمرشّحين، واكتفت بالقول: إنّ التعديل الوزاريّ "قريب جدّاً"، وسيتمّ إعلان كلّ شيء بوضوح وشفافيّة". كما رفضت الإفصاح عن أبرز المرشّحين في التعديل الوزاريّ وعدد الوزارات التي سيتمّ فيها التغيير، إذ قالت: كلّ شيء سيعلن في موعده، وبشكل رسميّ وبكلّ وضوح وشفافيّة، فلا يمكن الإعلان عن شيء حاليّاً، وتتغيّر الظروف بعد ذلك".
يأتي هذا بعد أيّام من تداول أنباء عن قرب صدور تعديل وزاريّ سيشمل وزارات عدّة.
وأشار الإعلاميّ محمّد الباز، المعروف بقربه من الدوائر الحكوميّة، في برنامجه 90 دقيقة المذاع على قناة المحور، في 18 تشرين الثاني/نوفمبر، إلى أنّه سيتمّ إجراء تغييرات من 15 إلى 21 وزيراً في الحكومة.
وفي 21 تشرين الثاني/نوفمبر، قال الإعلاميّ وعضو مجلس النوّاب مصطفى بكري عن منع ظهور المحافظين والوزراء في وسائل الإعلام: "أنا عايز أجيب وزراء مصر والمحافظين للحديث عن سياسة الحكومة، لكن أنا مش عارف أجيب وزير وأنا مش قادر أجيب مسؤول".
أضاف مصطفى بكري: "أنا عايز أجيب الوزراء والمسؤولين من أجل محاورتهم، وهذا لمصلحة النظام والدولة المصريّة". وسأل: "أليس من حقّ كلّ وزير أن يخرج للحديث؟".
وسأل أيضاً: "لماذا يتمّ منع ظهور الوزراء والمحافظين في الإعلام وهؤلاء يدافعون عن إنجازات الدولة المصريّة؟ ويجب أن يعرض الوزراء خطط عملهم في وسائل الإعلام".
وفي 2 كانون الأوّل/ديسمبر من عام 2019، توجّه النائب خالد أبو طالب بسؤال برلمانيّ إلى رئيس الوزراء المهندس مصطفى مدبولّي حول "أسباب تأخّر صدور التعديل الوزاريّ" الذي كان متوقعا صدوره في شهر نوفمبر.
وأشار خالد أبو طالب إلى أنّ المواطنين المصرييّن غير راضين عن أداء وزراء المجموعة الخدميّة، وعلى رأسها الصحّة والتعليم والزراعة، وقال: هناك حالة من الترقّب للتعديل الوزاريّ المحتمل. ومع ذلك، لم نر أيّ مؤشّرات تفيد بأنّ هناك تعديلاً وزاريّاً محتملاً، وهو ما يثير علامات استفهام واسعة"، متسائلاً: "ما هي أسباب تأخّر التعديل الوزاريّ حتّى الآن؟ هل ما زالت الحكومة تبحث عن مرشّحين لتولّي حقائب وزاريّة؟".
بدوره، أشار المصدر الأمنيّ إلى أنّ السلطات المصريّة أتاحت للصحف والقنوات الفضائيّة والإذاعيّة نشر المعلومات والبيانات الرسميّة الصادرة من الحكومة فقط في شأن التعديل الوزاريّ على الأخصّ، موضحاً أنّ نقل تصريحات وأحاديث نوّاب البرلمان أيضاً متاحة من دون ذكر أسماء وزراء بعينهم، وقال: إنّ كثرة الأحاديث وتداول أنباء بأسماء وزراء ومحافظين يعملان على إثارة البلبلة والشائعات، إذ أنّ الوزير نفسه لا يعلم إذا كان سيخرج من الحكومة أو سيبقى لممارسة مهام عمله. وبالتّالي، لا يجوز أن يتناول الإعلام هذه الأسماء حتّى لا تضعف ثقة الوزراء في أنفسهم وحتّى لا يتوقّع أشخاص آخرون تكليفهم بمهام الوزارة عن طريق التسريبات الإعلاميّة فقط من دون تكليف رسميّ من قبل الحكومة بذلك.
من جهته، لفت أحد قادة تحرير صحيفة "اليوم السابع"، رفض نشر اسمه لحساسيّة منصبه، إلى أنّ جهات أمنيّة تواصلت مع إدارة التحرير وأبلغتها بضرورة عدم نشر أسماء وزراء أو محافظين قبل صدور قرار رسميّ بتعيينهم.
وأشار المصدر في حديث هاتفيّ لـ"المونيتور"، إلى أنّ الحديث عن توقّعات بأسماء الوزراء يزعج كثيراً الجهات الأمنيّة المشرفة على ملف الإعلام في مصر، بعد منع الوزراء والمحافظين من الظهور فى وسائل الإعلام بسبب تحريف تصريحاتهم أو اقتطاعها من سياقها في أحيان أخرى. وبالتّالي، قرّرت هذه الجهات (الأمن الوطنيّ) عدم تداول أخبار تشمل أسماء الوزراء أو المحافظين، فضلاً عن عدم نشر أيّ أخبار غير رسميّة بشأن التعديلات الوزاريّة.
بدوره، قال المحامي في مؤسّسة "حريّة الفكر والتعبير" محمود عثمان خلال حديث هاتفيّ لـ"المونيتور": إنّ إصدار مثل هذه التعليمات من قبل الأجهزة الأمنيّة للتدخّل في عمل الإعلام ومنع نشر أي محتوى إعلاميّ هو إخلال صريح بحريّة الرأي والتعبير وبحرّيّة الصحافة. وبالتّالي، هو إخلال بالدستور المصريّ الذي يكفل هذا الحقّ.
وأوضح محمود عثمان أنّ المادّة 65 من الدستور المصريّ تنصّ على الآتي: "حريّة الفكر والرأي مكفولة، ولكلّ إنسان حقّ التعبير عن رأيه بالقول، أو بالكتابة، أو بالتصوير، أو غير ذلك من وسائل التعبير والنشر".
أضاف: فيما تنصّ المادّة 71 من الدستور على أنّه "يحظّر بأيّ وجه فرض رقابة على الصحف ووسائل الإعلام المصريّة... إلخ"، وهو ما يوضح عدم قانونيّة الرقابة على الصحف أو إصدار تعليمات بتناول أخبار من دون غيرها، أو التدخّل في عمل الصحافة ووسائل الإعلام.