القاهرة — عقب التعديلات، التقت الدكتورة هالة السعيد، وزيرة التخطيط والتنمية الاقتصادية، في 7 يناير الجاري، سامح شنودة الرئيس التنفيذي لشركة "ذارو" العالمية، لبحث فرص الاستثمار المتاحة مع صندوق مصر السيادي.
وقالت الوزيرة، أن الصندوق يسير بخطى سريعة وواثقة، نحو تفعيل عمله الاستثماري وجذب الاستثمارات بما يتماشى مع استراتيجية التنمية المستدامة "رؤية مصر 2030".
في 26 كانون الأوّل/ ديسمبر الماضي، أقرّ مجلس الوزراء المصريّ مشروع تعديل قانون صندوق مصر رقم 177 لسنة 2018، الخاصّ بتنمية موارد الدولة واستغلال أصولها، بإدخال تعديلات جوهريّة وصلاحيّات واسعة على الصندوق.
التعديلات تقدمت بها وزارة التخطيط بتوجيه من الرئيس السيسي بهدف تذليل العقبات أمام الاستثمارات الأجنبية. الخطوة المنتظرة هي تصويت البرلمان لإقرارها وبدء التنفيذ، وهذه الخطوة تحصيل حاصل، فالبرلمان يسيطر عليه ائتلاف دعم مصر الداعم للرئيس.
وتضمّنت التعديلات إضفاء صلاحيّات جديدة للصندوق، حيث تنصّ على أنّه يهدف إلى المساهمة في التنمية الاقتصاديّة المستدامة من خلال إدارة أمواله وأصوله، أو أموال وأصول الجهات والكيانات المملوكة للدولة، أو الجهات التابعة لها، أو الشركات المملوكة للدولة، أو التي تساهم فيها أو يعهد إلى الصندوق بإدارتها. فيما تكتفي المادّة 6 من القانون القائم بالنصّ على أن يهدف الصندوق إلى المساهمة فى التنمية الاقتصاديّة المستدامة من خلال إدارة أمواله وأصوله.
وفي حين تنص المادة الخامسة أيضا من القانون الحالي على أحقّيّة رئيس الجمهوريّة في نقل ملكيّة أيّ من الأصول غير المستغلّة المملوكة ملكيّة خاصّة للدولة أو لأيّ من الجهات أو الشركات التابعة لها إلى الصندوق، جاءت التعديلات الجديدة لتحصّن قرارات الرئيس من الطعون القضائيّة من أيّ طرف ثالث، حيث تنصّ على قصر الطعن في قرارات الرئيس بنقل ملكيّة الأصول إلى الصندوق، على الجهة المالكة أو الصندوق المنقول له ملكيّة ذلك الأصل فقط دون غيرهما.
ووفقاً للنصّ الذي وافق عليه مجلس الوزراء، فإنّه غير مسموح لأيّ شخص برفع الدعاوى ببطلان العقود التي يبرمها الصندوق. ويتوجّب على المحاكم من تلقاء نفسها عدم قبول الطعون أو الدعاوى المتعلّقة بتلك المنازعات.
ووفقاً للقانون الحاليّ الذي أقرّه مجلس النوّاب المصريّ في 16 تمّوز/يوليو الماضي، يبلغ رأس مال الصندوق 200 مليار جنيه (12.5 مليارات دولار)، في حين تعمل الحكومة على زيادة حجم رأس مال الصندوق إلى التريليون جنيه.
وبينما يرى مراقبون أنّ التعديلات تساهم فى تنشيط الدورة الاقتصاديّة والاستثماريّة، وتساعد على جذب استثمارات جديدة، في ضوء ارتفاع حجم رأس المال المرخّص به للصندوق، يرى آخرون أنّ التعديلات تفتح أبواب الفساد على مصراعيها، وتغلق أبواب المساءلة والرقابة الرسميّة والشعبيّة، وتنذر بتدهور أكبر لاقتصاد البلاد، باعتبار أنّ دور الدولة جلب الاستثمارات وتوفير البيئة اللازمة لذلك، لا بيع أصول الدولة وممتلكاتها من دون مساءلة أو حساب.
ويرى النائب البرلمانيّ وعضو تكتّل 25–30 في مجلس النوّاب أحمد طنطاوي في تصريحات إلى "المونيتور" أنّ التعديلات الجديدة ستضع الصندوق تحت تصرّف السلطة التنفيذيّة، تفعل به ما تشاء، من دون رقابة أو محاسبة حتّى من مجلس النوّاب.
وأضاف طنطاوي أنّ هذه الصلاحيّات الواسعة تعطي للسلطة التنفيذيّة الحقّ في بيع أيّ من ممتلكات الدولة أو تأجيرها لمستثمرين أجانب أو حتّى الاقتراض من الخارج بضمان هذه الأصول من دون الحاجة إلى موافقة أيّ جهة، بما فيها البرلمان، ولرئيس الجمهوريّة مطلق الصلاحيّات في اتّخاذ أيّ قرارات من دون أيّ اعتراض من أحد بما فيها السلطة القضائيّة، ممّا يخالف النصوص الدستوريّة التي تكفل لكلّ مواطن الحقّ في التقاضي.
وتنصّ المادّة 97 من الدستور على أنّ "التقاضي حقّ مصون ومكفول للكافّة، وتلتزم الدولة بتقريب جهات التقاضي، وتعمل على سرعة الفصل في القضايا، ويحظر تحصين أيّ عمل أو قرار إداريّ من رقابة القضاء، ولا يحاكم شخص إلّا أمام قاضيه الطبيعيّ، والمحاكـم الاستثنائيّة محظورة".
إلّا أنّ هاني توفيق، الخبير الاقتصاديّ ورئيس الاتحاد العربي للاستثمار المباشر، يرى في تصريحات إلى "المونيتور" أنّ الحكومة تسعى جاهدة إلى تهيئة بيئة الاستثمار، لجذب استثمارات جديدة تخرج الاقتصاد المصريّ من كبوته ليعود إلى ما كان عليه، ممّا دفعها إلى تحصين عقود البيع بين الصندوق وأيّ جهة، في محاولة للحفاظ على سمعة مصر أمام المستثمرين العرب والأجانب الذين يخشون من البيروقراطيّة الحكوميّة وتعدّد مصالحهم بين مختلف الوزارات والهيئات، فأنشأت صندوقاً يستطيع بمفرده اتّخاذ القرارات من دون الرجوع إلى أيّ جهة أخرى.
وأضاف توفيق أنّ الحكومة تعلّمت من أخطاء الماضي وتجربة الخصخصة خلال السنوات الماضية، عندما صدرت أحكام قضائيّة ببطلان عقود بيع العديد من شركات القطاع العامّ، من بينها شركة عمر أفندي، وطنطا للكتّان، وشبين الكوم للغزل والنسيج، وغيرها، من هنا جاءت محاولات تطمين المستثمرين الأجانب في مصر.
وفي 8 كانون الأوّل/ديسمبر، قالت وزيرة التخطيط والتنمية الاقتصاديّة الدكتورة هالة السعيد خلال اجتماعها مع رئيس الوزراء الدكتور مصطفى مدبولي، في شأن متابعة مسار عمل الصندوق السياديّ، إنّه يجري حاليّاً عقد لقاءات مع عدد من المستثمرين السعوديّين الذين أكّدوا رغبتهم في المشاركة في الصندوق السياديّ. وقالت إنّه من المقرّر أيضاً عقد لقاءات أخرى مماثلة مع عدد من المستثمرين الإماراتيّين الأعضاء في مجلس الأعمال المصريّ-الإماراتيّ للمشاركة فيه.
وتسعى الحكومة منذ آب/أغسطس 2016، إلى النهوض باقتصاد البلاد ودفع عجلة الاستثمار، من خلال برنامج إصلاح اقتصاديّ بالاتّفاق مع صندوق النقد الدوليّ، تمّ على إثره تحرير سعر الصرف في تشرين الثاني/نوفمبر من العام ذاته، وتخفيض دعم الطاقة وارتفاع غير مسبوق في أسعار السلع والخدمات.
وعلى الرغم من انتهاء برنامج الإصلاح المتّفق عليه مع صندوق النقد، إلّا أنّ الحكومة حتّى الآن لم تنجح في زيادة الاستثمارات الأجنبيّة، حيث تراجع صافي الاستثمار الأجنبيّ المباشر للعام الثاني على التوالي، وسجّل صافي الاستثمار الأجنبيّ المباشر خلال العام الماضي نحو 5.9 مليارات دولار خلال عام 2018-2019 مقابل نحو 7.7 مليارات دولار خلال عام 2017 -2018، وذلك بنسبة تراجع 23,5%، ممّا دفع الحكومة إلى محاولة جذب الاستثمارات عن طريق الصندوق السياديّ.