القاهرة- أحاطت تساؤلات بالاتّفاق الذي وقّعته قبرص واليونان وإسرائيل في 3 كانون الثاني/يناير في العاصمة اليونانيّة أثينا الخاصّ بإنشاء خطّ أنابيب شرق المتوسّط "إيست ميد" لمدّ أوروبّا بالغازالطبيعيّ، وتأثيره على مصر، خصوصاً في ظلّ سعيها إلى أن تصبح مركزاً إقليميّاً لتجارة الغاز الطبيعيّ المسال وتوزيعه إلى أوروبّا.
ويبلغ طول خطّ أنابيب الغاز الجديد "إيست ميد" حوالى 1872 كم، ويستهدف نقل بين 9 و11 مليار متر مكعّب من الغاز سنويّاً من الاحتياطات البحريّة لحوض شرق المتوسّط قبالة قبرص وإسرائيل إلى اليونان، وكذلك إلى إيطاليا ودول أخرى في جنوب شرق أوروبّا.
يأتي ذلك في الوقت الذي تشهد المنطقة توتّراً على خلفيّة محاولات تركيا بسط سيطرتها على موارد الطاقة في المتوسّط، من خلال التنقيب عن الغاز قبالة السواحل القبرصيّة.
وتعتمد مصر في تحوّلها إلى مركز إقليميّ للطاقة على موقعها الاستراتيجيّ وبنيتها التحتيّة المتمثّلة في محطّتي إسالة الغاز في إدكو ودمياط ومنها إلى الأسواق العالميّة، إضافة إلى سلسلة من الاكتشافات لحقول الغاز خلال السنوات القليلة الماضية، إلى جانب الغاز المستورد من حقول قبرص وإسرائيل.
ويعتبر اكتشاف حقل ظهر البحريّ في البحر المتوسّط في آب/أغسطس 2015 من أهمّ وأكبر الإكتشافات والذي وصل إنتاجه إلى 2.7 مليارات متر مكعّب في نهاية عام 2019، إذ يبلغ قيمة الاحتياطيّ منه 30 تريليون قدم مكعّب، وهو ما أعاد مصر إلى سوق التصدير مرّة أخرى.
في هذا الإطار، نفى عضو مجلس الطاقة العالميّ ماهر عزيز، في اتّصال هاتفيّ مع "المونيتور" أن يكون هناك أيّ تأثير لخطّ غاز "إيست ميد" على مصر كنقطة محوريّة لتجارة الطاقة وتبادلها في المنطقة، قائلاً إنّه أمر طبيعيّ أن يمتدّ خطّ للغاز من الحقول الإسرائيليّة إلى قبرص، ومنها إلى أوروبّا، وإنّه من غير المستبعد أن يتمّ الاتّفاق خلال الاجتماع المقبل لمنتدى غاز شرق المتوسّط على أن يتمّ إنشاء خطّ آخر من مصر يرتبط بخطّ "إيست ميد".
كانت مصر أطلقت في 25 تمّوز/يوليو الماضي منتدى غاز شرق المتوسّط بمشاركة 7 دول هي مصر، الأردن، قبرص، اليونان، إيطاليا، إسرائيل، وفلسطين، إذ يهدف المنتدى إلى إنشاء سوق غاز إقليميّة يخدم مصالح الأعضاء من خلال تأمين العرض والطلب، خصوصاً مع وجود احتياطات من الغاز في هذا الإقليم تقدّر بنحو 122 تريليون قدم مكعّب.
وتابع عزيز أنّ مصر لديها بالفعل اتّفاق مع قبرص لإنشاء خطّ أنابيب، وهو ما يعني وصول مصر إلى أوروبّا بأكملها، خصوصاً في ظلّ وجود فائض مصريّ من الغاز الطبيعيّ تحتاج إليه أوروبّا، مشيراً إلى أنّ أوروبّا متعطّشة للطاقة، فمن الطبيعيّ أن تحصل عليها من إسرائيل ومصر.
ووقّعت مصر وقبرص في 19 أيلول/سبتمبر 2018 اتّفاقاً لإنشاء خطّ أنابيب بتكلفة مليار دولار يربط حقل غاز أفروديت في قبرص بمحطّات تسييل الغاز في مصر.
واختتم عزيز بأنّ هناك تصوّراً للتكامل الإقليميّ من خلال منتدى غاز شرق المتوسّط بين الدول السبعة، وهو ما يدعم وجود تعاون بينها وليس تنافساً.
واعتبر وزير البترول والثروة المعدنيّة المصريّ الأسبق أسامة كمال، في مداخلة هاتفيّة في برنامج القاهرة الآن عبر فضائيّة الحدث في 7 كانون الثاني/يناير، أنّ خط "إيست ميد" لن يؤثّر على الاتّفاق بين مصر وإسرائيل والذي تصدّر فيه الأخيرة الغاز من احتياطاتها البحريّة إلى مصر، قائلاّ إنّ أوروبّا تستهلك سنويّاً 200 مليار متر مكعّب غاز وإنّ ثلث تلك الكمّيّة تؤخذ من روسيا والثلثين من دول العالم الأخرى، لافتاً إلى أنّ ما سيتمّ إنتاجه من الغاز من قبل قبرص ومصر وإسرائيل واليونان لن يكون بالكمّيّة الهائلة، وسيكون بمقدار 50 مليار متر مكعّب.
وتبدأ إسرائيل خلال أيّام تصدير الغاز الطبيعيّ إلى مصر، بناء على الاتّفاق الذي أبرمته شركة "نوبل" ومقرّها الولايات المتّحدة الأميركيّة وشركة "ديليك" الإسرائيليّة في شباط/فبراير 2018 صفقة بقيمة 15 مليار دولار مع شركة "دولفينوز" المصريّة لمدّة 10 سنوات، لتزويد 64 مليار متر مكعّب من الغاز الطبيعيّ من حقلي "تمار" و"لوثيان" الواقعين في المياه الإقليميّة الإسرائيليّة.
وكانت مصر أعلنت في 29 أيلول/سبتمبر 2018 اكتفائها الذاتيّ من الغاز الطبيعيّ بعدما تسلّمت آخر شحناتها المستوردة، وبالتالي فإنّ الغاز المستورد من إسرائيل وقبرص سيكون مصيره الأسواق العالميّة.
وفي مقابلة أجراها معه موقع "NEWEUROPE" في 3 كانون الثاني/يناير، قال وزير الطاقة الإسرائيليّ يوفال شتاينيتز إنّ إسرائيل وقبرص لديهما ما يكفي من الغاز لملء خطّي أنابيب وليس واحداً فقط، ومن المؤكّد أن لدينا ما يكفي لملء خطّ أنابيب الغاز المقترح "إيست ميد"، مضيفاً أنّ إسرائيل تعتزم تصدير بعض الغاز إلى مصر من خلال محطّات الغاز الطبيعيّ المسال المصريّة، وأنّ بعض هذا الغاز سيتمّ إسالته وإرساله إلى أوروبّا.
من جانب آخر، استبعد أستاذ هندسة البترول ونائب رئيس جامعة فاروس في الإسكندريّة رمضان أبو العلا، في اتّصال هاتفيّ مع "المونيتور" تنفيذ خطّ "إيست ميد"، نظراً إلى طول الخطّ ومروره في مياه عميقة وتكلفته الضخمة التي تصل إلى 7 مليارات دولار، إضافة إلى أنّ هذا الخطّ تمّ التفكير في تنفيذه منذ عام 2015 ولكنّه لم ينفّذ.
وقال أبو العلا إنّ "العودة إلى الحديث عن إنشاء هذا الخطّ الآن هو محاولة لبثّ رسالة إلى مصر بأنّ هناك بديلأً عنها لتصريف الغاز إلى أوروبّا، حتّى لا تملي أيّ شروط مستقبلاً على نسبة مرور الغاز من أراضيها"، لافتاً إلى أنّه "حتّى بفرض إنشاء هذا الخط فعليّاً، فهو لا يؤثّر على مصر".