القاهرة — وافق البرلمان التركي يوم 2 كانون الثاني/يناير، على مشروع قانون يسمح بإرسال قوات تركية إلى ليبيا، بناء على مذكّرة قدّمها الرئيس التركيّ رجب طيّب أردوغان إلى البرلمان (في 30 كانون الأوّل/ديسمبر)، لدعم حكومة الوفاق الوطنيّ برئاسة فايز السرّاج، في مواجهة الجيش الوطنيّ الليبيّ بقيادة خليفة حفتر.
وفي 5 كانون الثاني/يناير، أعلن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، في مقابلة مع قناة "سي ان ان ترك" بدء توجه جنود أتراك إلى ليبيا بشكل تدريجي.
وسرعان ما نددت مصر بقرار البرلمان التركي، داعية المجتمع الدولي إلى "الاضطلاع بمسؤولياته بشكل عاجل في التصدي لهذا التطور"، بحسب بيان لوزارة الخارجية المصرية يوم 2 كانون الثاني/يناير.
وقالت الرئاسة المصرية في بيان يوم 2 كانون الثاني/يناير، إن مجلس الأمن القومي المصري اجتمع (يوم 2 كانون الثاني/يناير)، وأقرّ "عددًا من الإجراءات على مختلف الأصعدة لمواجهة تهديدات الأمن القومي المصري الناتجة عن التدخل العسكري التركي في ليبيا". دون أن تفصح عن هذه الإجراءات.
يأتي ذلك في أعقاب توقيع حكومة الوفاق وتركيا اتفاقاً لترسيم الحدود البحريّة، إضافة إلى اتفاق آخر لتعزيز التعاون الأمنيّ والعسكريّ، في 28 تشرين الثاني/نوفمبر الماضي، وأثار حفيظة مصر.
تحرّكت مصر ديبلوماسيّاً لحشد المجتمع الدوليّ والعربيّ خلال شهر كانون الأول/ديسمبر الماضي، رفضاً للتدخّل العسكريّ التركيّ المرتقب في طرابلس (شمال غرب ليبيا). وكان من نتاج ذلك أن أعلنت جامعة الدول العربيّة، رفضها التدخّل الخارجيّ "أيّاً كان نوعه" في الشأن الليبيّ وضرورة وقف الصراع العسكريّ، في بيان أصدرته عقب اجتماع مجلس الجامعة على مستوى المندوبين، في 31 كانون الأوّل/ديسمبر الماضي، بناء على طلب القاهرة.
يأتي اجتماع الجامعة العربيّة، في سياق السعي المصريّ إلى إيجاد حلّ للأزمة الليبيّة ووقف تصاعد الأوضاع، إذ سبقته اتصالات عدّة أجراها الرئيس المصريّ عبد الفتّاح السيسي، كان من بينها اتصاله بالرئيس الفرنسيّ إيمانويل ماكرون في 30 كانون الأوّل/ديسمبر الماضي، حيث بحثا في مخاطر التصعيد العسكريّ بليبيا، ودعوَا الفاعلين الدوليّين في هذه الأزمة والليبيّين إلى أكبر قدر من ضبط النفس.
وفي 26 كانون الأوّل/ديسمبر، أجرى عبد الفتّاح السيسي اتصالاً هاتفيّاً بالرئيس الأميركيّ دونالد ترامب، شرح خلاله "أهميّة الدور الذي يقوم به الجيش الوطنيّ الليبيّ (بقيادة خليفة حفتر) لمكافحة الإرهاب وتقويض نشاط التنظيمات والميليشيات المسلّحة التي باتت تهدّد الأمن الإقليميّ بأسره"، داعياً إلى وضع حدّ للتدخّلات الخارجيّة "غير المشروعة" في الشأن الليبيّ، بحسب بيان للرئاسة المصريّة.
وعلى هذا المنوال، توافق السيسي والرئيس الروسي فلاديمير بوتين على تكثيف جهودهما المشتركة لتسوية الأزمة الليبيّة ومكافحة المليشيات المسلّحة، وذلك في اتصال هاتفيّ بينهما بـ27 كانون الأوّل/ديسمبر.
وقال ديبلوماسيّ مصريّ – رفض ذكر اسمه - في تصريحات لـ"المونيتور": "إنّ التحرّكات الديبلوماسيّة التي تقوم بها القاهرة في الآونة الأخيرة تهدف إلى تجميع موقف دوليّ موحّد إزاء نيّة تركيا إرسال قوّات عسكريّة إلى طرابلس، الأمر الذي يؤجّج الأوضاع في ليبيا وينذر بتهديد مباشر للأمن القوميّ المصريّ، باعتباره مرتبطاً بشكل أساسيّ بما يحدث هناك".
وهذا ما ذهب إليه مساعد وزير الخارجيّة المصريّ السابق حسين هريدي في تصريحات هاتفيّة لـ"المونيتور"، بالقول: "إنّ الهدف من التحرّكات المصريّة أن تدرك القوى الدوليّة الكبرى خطورة التصعيد التركيّ إزاء ليبيا على الأمن والسلم في شمال إفريقيا وشرق المتوسّط".
وأوضح أستاذ العلوم السياسيّة في جامعة القاهرة الدكتور طارق فهمي، خلال تصريحات لـ"المونيتور"، أنّ "مصر تريد من تحرّكاتها الأخيرة ألاّ تشتعل الأحداث في البلد المجاور لها (ليبيا) أكثر من ذلك، مع فرض نوع من الاستقرار حاليّاً يساعد في إتمام المساعي الديبلوماسيّة لحلّ تلك الأزمة، وإعادة ترتيب مؤسّسات الدولة الليبيّة".
واعتبر طارق فهمي هذه التحرّكات أنّها "محاولة مصريّة لردع الجانب التركيّ وإيقاف حركته السريعة التصعيديّة في هذا التوقيت، إذ هناك تحرّكات من أنقرة لفرض سياسة الأمر الواقع في ليبيا، واستثمار التراخي الأميركيّ ووجود ثغرات في الموقف الأوروبيّ بشأن الوضع في ليبيا".
ووصف تقرير نشرته DW الألمانيّة، في 27 كانون الأوّل/ديسمبر، الموقف الأوروبيّ بشأن ليبيا بأنّه "من لاعب خجول إلى متفرّج متردّد".
إلى ذلك، لفت رئيس مركز الأهرام للدراسات السياسيّة والاستراتيجيّة السابق الدكتور عبد المنعم سعيد، في تصريحات هاتفية لـ"المونيتور"، إلى أنّ "مصر تسعى مع الأوروبيّين إلى تشكيل حجم ضغط كبير سياسيّاً وديبلوماسيّاً لمنع التدخّل العسكريّ التركيّ المرتقب في طرابلس"، وقال: "إنّ أردوغان يواجه تحدّيات كبيرة بالنظر إلى رغبته في إرسال قوّات إلى ليبيا، نظرا لضرورة التعاون مع روسيا المؤيّدة لحفتر. في سوريا، تسوية الوضع في إدلب وعودة اللاّجئين السوريّين (في تركيا) إلى بلادهم. وكذلك، القلق الأميركيّ من التدخّل العسكريّ (في ليبيا) واحتمال تصاعد الأوضاع. وتخوّف دول جوار ليبيا من وجود قوّات عسكرية على حدودها مع طرابلس، خصوصاً تونس والجزائر".
وأوضح أنّ "القاهرة تأمل، من حصيلة كلّ هذه الضغوط، في منع الموقف من التصعيد في ليبيا".
ومن المنتظر أن تعقد قمّة رباعيّة في القاهرة، خلال الأسبوع الجاري، بين مصر وقبرص واليونان وفرنسا، للتناقش بالأوضاع في ليبيا وتخفيف حدّة التوترات في منطقة شرق المتوسّط، بحسب ما أعلن المتحدّث باسم الحكومة القبرصيّة كيرياكوس كوسيوس، في 24 كانون الأوّل/ديسمبر الماضي.
ورأى الكاتب الصحافيّ المتخصّص في الشأن الليبيّ بجريدة "الشرق الأوسط" عبد الستّار حتيتة خلال اتّصال هاتفيّ مع "المونيتور" أنّ "مصر تركّز على العمل الجماعيّ سواء أكان مع العرب أم الأوروبيّين أم الدول الفاعلة مثل أميركا وروسيا وفرنسا والدول ذات المصلحة في البحر المتوسّط مثل إيطاليا واليونان وقبرص، وهذه الدول بغالبيّتها أعلنت بشكل صريح أنّها ضدّ التحرّكات التركيّة ولن تسمح بإطلاق يدّ أنقرة في البحر المتوسّط"، وقال: "إنّ تصاعد الأوضاع في ليبيا لا يمثّل خطراً على الدول المجاورة فقط، بل على البحر المتوسّط والاتحاد الأوروبيّ والأمن الدوليّ عموماً. البعض يعتقد أنّ مصر يمكن أن تردّ على تركيا في عمل عسكريّ منفرد، لكن هذا ليس من طبيعة السياسة المصريّة التي تعتمد على التعاون والتشاور مع الحلفاء وتضع الأطراف الكبيرة عند مسؤوليّاتها".
وهذا ما أكّده رئيس الوزراء الإيطاليّ جوزيبي كونتي في الاتصال الهاتفيّ مع السيسي بـ26 كانون الأوّل/ديسمبر، أنّ الأزمة الليبيّة تمثّل تهديداً لأمن المنطقة بأكملها.
وعن مدى نجاح التحرّكات المصريّة بشأن الأزمة الليبيّة، قال عبد المنعم سعيد: "نحن لا نتحدّث عن مباراة كرة قدم، بل هي عمليّات متتابعة، وننتظر لنرى نتيجة هذه التحرّكات".