القاهرة - من داخل مختلف السجون المصريّة، أطلقت مجموعة من شباب جماعة الإخوان المسلمين المعتقلين على خلفيّة قضايا سياسيّة وأخرى جنائيّة، في 11 اغسطس الجاري مبادرة لحلّ أزمتهم مع السلطة المصريّة، من خلال خطاب مكتوب تحت عنوان "رسالة من الشباب المعتقلين إلى قيادات جماعة الإخوان المسلمين"، طالبوا من خلالها قيادات الجماعة بترك سلطة التنظيم لمن هم الأجدار في قيادة شؤون الجماعة، وإيجاد حلّ عاجل لقضيتهم، واتّخاذ قرارات حاسمة من شأنها أن تدفع إلى الوساطة مع النظام السياسيّ المصريّ، والإفراج عن شباب الإخوان المسلمين، كما شمل اقتراح احد المعتقلين المفرج عنهم وأحد المقربين من شباب الإخوان، عبر حسابه الشخصي على فيسبوك دفع كلّ طالب عفو مبلغاً ماليّاً "كفالة أو فدية أو تبرّع لصندوق تحيا مصر" بالعملة الأجنبيّة، دعماً لتعافي الاقتصاد المصريّ. وحدّدت المبادرة 5 آلاف دولار لكلّ فرد، كمثال.
وبحسب نصّ الخطابات الموقّعة من 350 شابّاً من داخل أحد السجون، ووافق على مضمونها أكثر من 1350 شابّاً من داخل السجون، فإنّ الرسالة كتبها أحد الشباب المعتقلين بخطّ اليد، ثمّ خرجت عبر الأهالي خلال إحدى الزيارات، وسرّبت بعدها إلى وسائل الإعلام عن طريق بعض الحقوقيّين والعاملين في المجال الإعلاميّ.
وتعيش جماعة الإخوان المسلمين منذعام 2013 ،أزمة هي الأصعب في تاريخها ، من ضربات امنية متوالية بدءًا من رأس الجماعة حيث تم القبض على الكثير من أعضاء مكتب الإرشاد ومطاردة عدد آخر وصولًا إلى اعتقال وتصفية بعض كوادرها واعتقال عشرات الآلاف من قواعدها، وسط حالة من الأنشقاق والتخبط فى صفوف الجماعة بين قيادات الجماعة وشبابها ، وفي ظلّ غياب أيّ بوادر للاستعداد للتفاوض من اجل خروج المسجونين السياسين سواء من السلطة أم من قيادات الجماعة.
ولا يوجد إحصاء رسميّ حول أعداد المعتقلين السياسيّين في السجون المصريّة، بينما قدّر عدد من المنظّمات الحقوقيّة أعداد المعتقلين في السجون المصريّة بما يقارب الـ60 ألف معتقل سياسيّ منذ عام 2014 حتّى الآن، فيما وثّق مركز عدالة للحقوق والحرّيّات أعداد الوفيّات نتيجة الإهمال الطبّيّ داخل السجون في الفترة الممتدّة بين عامي 2016 و2018، مؤكّداً أنّها بلغت 60 حالة وفاة. وفي الربع الأوّل من عام 2019، لقي 22 محتجزاً حتفهم.
وانتهى خطاب شباب الإخوان المسلمين في السجون وهو يحمل رجاء بعدم تكذيب رسالتهم أو إثبات عكسها مع تنويه بأنّه ستتبعها مجموعة رسائل تحت عنوان "رسائل معتقل" لأكثر من وجهة، إلّا أنّ عدداً من قيادات الجماعة سارعوا إلى التشكيك في كون الرسالة صادرة عن شباب الإخوان المسلمين المحبوسين، ووصفوها بـ"رسالة أمنيّة مضروبة" لـ"تبييض وجه النظام في مصر قبل الموعد المقرّر لعقد مؤتمر لمكافحة التعذيب فيها"، بحسب نائب المرشد العامّ للجماعة في لندن ابراهيم منير في اتّصال هاتفيّ مباشر مع قناة الجزيرة في 19 اغسطس ، حيث قال: "من التجربة خلال الستّين سنة الماضية، هذه ألاعيب الأمن المصريّ عندما يفعلها، فمن الغريب أن يطلب من المجني عليه أن يكون هو مفتاح الحلّ".
وأضاف: "هؤلاء الظلمة –النظام المصريّ- وهذا الرجل –عبد الفتّاح السيسي- يتاجرون بهذا الأمر استعداداً للمؤتمر المزمع عقده في مصر عن التعذيب، وهذه في يقيني رسالة صناعة أمنيّة قد يجبر البعض على كتابتها، ولا أستبعد أن يكون البعض من بين 60 ألف معتقل بدأوا يشكون، إنّما أقول هذه رسالة أمنيّة بالتمام"، موضحاً أنّ الجماعة ليست هي من أدخلهم إلى السجن ولم نجبرهم على الانضمام إلى جماعة الإخوان المسلمين، ومن أراد أن يتبرّأ منها فليفعل.
وكان من المقرّر إقامة المفوّضيّة العامّة للأمم المتّحدة مؤتمراً إقليميّاً حول تجريم التعذيب في القاهرة في 24 أيلول/سبتمبر المقبل، إلّا أنّه تمّ تأجيله إلى أجل غير محدّد، حيث قال المتحدّث باسم المفوّضيّة روبرت كولفيل في تصريحات له عبر رسالة بالبريد الألكتروني: "نعلم جيّداً القلق المتنامي لدى بعض قطاعات مجتمع المنظّمات غير الحكوميّة في شأن اختيار الموقع... ونتيجة لذلك، قرّرنا تأجيل المؤتمر ومعاودة فتح عمليّة التشاور مع كلّ الأطراف المعنيّة".
وترفض القاهرة باستمرار تقارير منظّمات حقوق الإنسان في شأن التعذيب، وتقول إنّها تفتقر إلى المصداقيّة ولها دوافع سياسيّة، مؤكّدة أنّ أيّ انتهاكات للحقوق لا تعدو كونها حالات فرديّة، وتتمّ محاسبة من يرتكبها.
وفي تقرير لمنظمة "هيومن رايتس ووتش" في 6 سبتمبر 2017 قالت أن مصر لم تف بالقواعد الأساسية لقانون حقوق الإنسان الدولي "في ظل الاعتقالات التعسفية واسعة النطاق والاختفاء القسري والتعذيب ضد المعارضين الذي أصبح أمرا شائعا منذ عام 2013".
وقالت المنظمة في تقرير نشرته على موقعها الإلكتروني بعنوان "وباء التعذيب قد يشكل جريمة ضد الإنسانية": "تعتقد هيومن رايتس ووتش أن وباء التعذيب في مصر يشكل على الأرجح جريمة ضد الإنسانية"، وحثت الحكومة والأمم المتحدة على مقاضاة رجال الأمن والمسؤولين الآخرين المتهمين بالتعذيب في محاكمهم بمصر.
ونفى الرئيس المصريّ عبد الفتّاح السيسي في مقابلة تلفزيونيّة وجود معتقلين سياسيّين في بلاده، واستغرب السيسي في مقابلة مع قناة "سي بي أس" الأميركيّة في 5 يناير بالعام الجاري التقارير الحقوقية الصادرة من مختلف المنظمات الحقوقية من بينها منظمة العفو الدولية ومنظمة هيومن رايتس وواتش في شأن وجود نحو 60 ألف معتقل سياسيّ في مصر، قائلاً: "لا أعرف من أين أتوا بمثل هذه الأرقام، نحن لا يوجد لدينا معتقلون سياسيّون".
قال المتحدّث باسم جماعة الإخوان المسلمين طلعت فهمي في مداخلة تلفزيونيّة علي قناة الجزيرة، ردّاً على خطاب الشباب المعتقلين إنّ "الجماعة حاولت التواصل مع النظام للوصول إلى حل لخروج المعتقلين لكنّه أغلق الأبواب"، مضيفاً أنّ الخطوة إلى الوراء تعني حلّ جماعة الإخوان المسلمين، وهذا أمر مرفوض تماماً.
ولقي خطاب شباب الجماعة تأييداً من بعض أسر المعتقلين، حيث وجّه القياديّ السابق في جماعة الإخوان المسلمين ووالد أحد المعتقلين في السجون المصريّة ابراهيم الزعفراني رسالة إلى قيادات الإخوان المسلمين، طالبهم فيها بالإفصاح عن أيّ جهد بذلوه في هذا الملفّ.
وأضاف الزعفراني في تصريح إلى "المونيتور" أنّ إخوان السجون يرون أنفسهم شركاء لا أجراء فى هذه الجماعة، وبالتالى لهم ولأهلهم الحقّ فى أن يعلموا إن كانت هناك مساعٍ متكرّرة ومتنوّعة ودائمة وحقيقيّة وفعليّة لإنهاء معاناتهم أو لا، وأن تصلهم المعلومات أوّلاً بأوّل سواء كانت مبشّرة أو غير ذلك، خصوصاً وأنّ هناك منابر إعلاميّة للقيادة يمكنها التواصل من خلالها مع الجميع، لكنّهم يرون القيادة صامتة صمت القبور وكأنّها تعتبر مثل هذه المساعي إن وجدت، أسراراً عائليّة خاصّة بالقيادة، ممّا أشعر السجناء وأهلهم بأنّ القيادة قد نفضت يديها عن قضيّتهم.
من جانبه، وقف محامي جماعة الإخوان المسلمين والمعتقل السابق المفرج عنه عبد المنعم عبد المقصود، في المنتصف بين المشكّكين بخروج الرسالة من شباب الإخوان المسلمين في السجون والمؤكّدين لذلك، موضحاً أنّه لا يستطيع التأكّد من غياب التواصل بين من في السجون ومن خارجها بسبب ظروف الحبس السيّئة.
وقال عبد المقصود في تصريح إلى "المونيتور" إنّ السلطة في مصر لا ترغب في التصالح مع أيّ من قيادات الجماعة، مشيراً إلى أنّ قرار العفو الرئاسيّ الصادر في منتصف أيّار/مايو الماضي، والذي تضمّن عدداً من الإخوان المسلمين لم ينتج عن مبادرة، وإنّما صدر في شكل عشوائيّ عن طريق تقدّم أسر المفرج عنهم بطلبات عفو.