توفى الرئيس المصري الأسبق محمد مرسي، أثناء محاكمته، فيما تحمل أسرته وجماعة الإخوان المسلمين النظام المصري المسئولية عن الوفاة، مع اتهامات بتعمد الاهمال الطبي لحالته الصحية في السجن، بحسب بيان مشترك لعدد من المنظمات الحقوقية المصرية، وأيضا نتجية الظروف الإنسانية الصعبة التي يواجهها المعتقلون داخل السجون وظروف الاحتجاز الصعبة.
فيما دعت مفوضية حقوق الإنسان بالأمم المتحدة، إلى إجراء تحقيق مستقل في ظروف وفاة مرسي، ومناقشة جوانب علاجه خلال فترة احتجازه لما يقرب من ست سنوات.
وهناك ملاحظات دولية كبيرة على سجل مصر في حقوق الإنسان، والذي بعد المئات من وقائع القتل والتعذيب في أماكن الاحتجاز والتضييق على حرية الرأي والتعبير وأحكام الإعدامات.
في أيّار/مايو من عام 2014 – المرة الوحيدة التي قررت فيها الجماعة مقاضاة النظام المصري الخارج حتى الآن - أيّ بعد عام واحد من عزل الرئيس الإخوانيّ محمّد مرسي، أعلنت المحكمة الجنائيّة الدوليّة رفضها طلباً تقدّم به محامون ينتمون إلى جماعة الإخوان المسلمين للمطالبة بفتح تحقيق، في ما وصفته الجماعة وقتها، بـ"جرائم ضدّ الإنسانيّة" ارتكبها النظام المصريّ آنذاك، خلال عملية فض اعتصامات الإخوان في ميدان رابعة والنهضة.
قرار رفض الطلب الإخوانيّ، يعود إلى نظام عمل المحكمة الجنائيّة الدوليّة، والذي يعتمد على أن يكون مقدّم البلاغ نيابة عن الدولة المصريّة، وذلك ما لم يحدث وقتها.
وبعد حوالى 5 سنوات - في عام 2019 - من هذا الرفض، ما زال قادة الإخوان يفكّرون بشكل جديّ في مقاضاة قادة الجيش وتتّبعهم خلال فترة عزل محمّد مرسي ومذبحة فضّ رابعة التي راح ضحيّتها المئات من عناصر الجماعة، ولكن يأتي قانون تحصين قادة الجيش المصريّ من المحاكمة ومنحهم صفة ديبلوماسيّة في الخارج، عائقاً يقف أمام مساعي الإخوان لمقاضاة قادة المجلس العسكريّ.
وقتل المئات من عناصر جماعة الإخوان المسلمين، أثناء عملية فض اعتصام رابعة العدوية والنهضة، وألتقطت عدسات المصورين الذين شاركوا في التغطية، عمليات قتل واسعة واقتحام الاعتصامات بالجرارات وحرق الخيام، ولم يتوقف الأمر عند الاعتصامات فقط، ولكن الإخوان تتهم النظام بعمليات قتل واسعة خارج إطار القانون وتصفية جسدية لقيادات التنظيم بينهم القيادي ناصر الحافي.
قصّة "قانون التحصين"
أقرّ الرئيس المصريّ عبد الفتّاح السيسي قانون معاملة قيادات القوات المسلحة، الخاص بتحصين قيادات الجيش من المحاكمة، والذي اشتمل على امتيازات ماليّة وقانونيّة وديبلوماسيّة واسعة للقيادات العسكريّة التي كانت تحكم الجيش في الفترة التي تلت الإطاحة بالإخوان وعزل الرئيس الأسبق محمد مرسي في عام 2013. وبموجب موادّ القانون، يمنح قادة الجيش الحصانة الديبلوماسيّة أثناء سفرهم إلى خارج مصر، الأمر الذي يمنع ضبطهم أو توقيفهم أو توجيه أيّ اتهامات لهم أثناء فترة وجودهم خارج مصر، أيّ منع توجيه أيّ اتهامات دوليّة لهؤلاء القادة. كما يمنع القانون تحريك أيّ دعاوى قضائيّة داخل مصر في المستقبل، ضدّ القيادات العسكريّة التي كانت موجودة في الفترة الممتدّة من حزيران/يونيو من عام 2013 حتّى كانون الأوّل/ديسمبر من عام 2014، وأيضاً عدم توجيه أيّ اتهامات أو صدور قرارات بالتوقيف ضدّها.
وعن المزايا الماليّة، بموجب القانون يحصل جميع قادة الجيش المعنيّين بالقانون على راتب مساوي لراتب الوزير في الحكومة، حتّى وإن لم يكونوا قد تقلّدوا هذا المنصب منذ الأساس، حيث يتقاضى الوزير في مصر راتب أساسي 42 ألف جنيه شهريا إضافة إلى السماح لهم بجمع المعاش العسكريّ، إلى جانب أيّ رواتب قد يحصلون عليها من أيّ عمل مدني قد يتقلّدونه بعد الخروج من الخدمة.
قيادات الإخوان ومحاولات جديدة
أشار القياديّ الإخوانيّ الهارب إلى تركيا مراد غراب، الذي هرب من مصر في نهاية 2013، بسبب الحملة التي كانت تستهدف قيادات الإخوان وقتها، خلال حديث لـ"المونيتور" إلى "أنّ الجماعة في صدد إطلاق حملة دوليّة موسّعة لاستهداف قانون تحصين قيادات الجيش، عبر فضح مساعي النظام للتغطية على الجرائم التي ارتكبها ضدّ الإخوان والجماعات الإسلاميّة منذ عام 2013"، وقال: "يعمل محامو الجماعة حاليّاً على إعداد ملف كامل سيتمّ ترويجه دوليّاً ضدّ القيادات العسكريّة في مصر. أمام المحكمة الدولية والبرلمان الأوروبي والكونجرس الأمريكي وعدد من المنظمات الدولية لزيادة الضغط على النظام المصري، وهذه المرّة، لن نطالب بالتحقيق مع النظام المصريّ، كما حدث في عام 2014، ولكن ستتمّ المطالبة بمقاضاة القيادات العسكريّة بشكل شخصيّ".
وعن قانون التحصين، قال: "في القانون عوار دستوريّ وقانونيّ كبير، فلا يوجد شيء اسمه تحصين أيّ مجموعة من المحاكمة، وسيكون العمل خلال الفترة المقبلة من أجل الضغط على المسئولين المصريين وأعضاء مجلس النوّاب المصريّ لإلغاء هذا القانون".
أضاف: "إنّ القانون يخالف نصّاً دستوريّاً واضحاً، وسيكون التركيز على إسقاطه، من خلال الطعن فيه أمام القضاء، عبر المحامين التابعين للجماعة في مصر".
وتنصّ المادّة 53 من الدستور المصريّ على الآتي: "المواطنون لدى القانون سواء، وهم متساوون فى الحقوق والحريّات والواجبات العامّة، لا تمييز بينهم بسبب الدين، أو العقيدة، أو الجنس، أو الأصل، أو العرق، أو اللون، أو اللغة، أو الإعاقة، أو المستوى الاجتماعيّ، أو الانتماء السياسيّ أو الجغرافيّ، أو لأيّ سبب آخر".
تحرّكات قانونيّة
ولفت أحد المحامين المتعاونين مع جماعة الإخوان من مصر، رفض الإفصاح عن اسمه بسبب مخاوف أمنيّة، وهو مازال يعمل لصالح الجماعة من داخل مصر وشارك في إعداد ملف المحكمة الدولية السابق في 2014، في تصريحات لـ"المونيتور" إلى أنّ "الفترة الحاليّة ستشهد العمل على إسقاط قانون تحصين قيادات الجيش"، وقال: إنّ العمل سيكون من خلال تقديم بلاغات وإقامة دعاوى قضائيّة ضدّ القانون أمام المحكمة الدستورية داخل مصر، وهي المحكمة الوحيدة التي لها الحق في رفض القوانين لو كانت تخالف الدستور، على اعتبار أنّه مخالف للدستور، ويعمل على التمييز بين فئات الشعب المصريّ، الأمر الذي يرفضه الدستور والقانون تماماً.
وأشار إلى أنّ بعد العمل على إسقاط القانون، ستكون المرحلة التالية إعداد ملفّات موسّعة عن قادة الجيش المتورّطين في انتهاكات حقوق الإنسان خلال الفترة السابقة، فيما رفض الإفصاح عن مزيد من المعلومات.
دفاع برلمانيّ عن القانون
من جهته، رفض عضو لجنة الدفاع والأمن القوميّ في مجلس النوّاب النائب أحمد العوضي اعتبار القانون تحصيناً، لكنّه قال: "إنّه تكريم أو مكافأة لقادة الجيش لما قدّموه وبذلوه".
ولفت في تصريحات لـ"المونيتور" إلى أنّ قيادات الجيش "وضعت نفسها في خطر لإنقاذ المصريّين من نظام الإخوان بعد المطالبة بسقوطه في 30 حزيران/يونيو 2013. ولذلك، كان لا بدّ من تكريمها وشكرها بالشكل الذي يليق بها"، وقال: "أرفض استخدام لفظ التحصين مع القانون لأنّه يوحي بأنّ هناك خرقاً للقانون، ولكن في الحقيقة، نحن (مجلس النوّاب باعتباره السلطة التشريعيّة في البلاد) من يضع القوانين والتشريعات، وليس هناك أيّ مخالفة في الأمر، بل أتصوّر أنّه من الضروريّ أن يتوسّع القانون ليشمل رجال الشرطة أيضاً".
ورفض أحمد العوضي التعليق على تصريحات قيادات ومحامي الإخوان حول أيّ تحرك لإسقاط القانون ومقاضاة قيادات النظام في الخارج، مكتفياً بالإشارة إلى أنّ "الشعب المصريّ سيحمي رجاله وقادة جيشه، ولن يسمح بالمساس بهم".