القاهرة: حالة من الجدل تشهدها الساحة الإعلاميّة المصريّة، عقب قرار البرلمان المصريّ، الذي قضى بإجراء تعديلات وزاريّة شملت حقيبة وزارة الدولة لشؤون الإعلام، والتي تولاّها أسامة هيكل، عضو مجلس النوّاب الذي تقدّم باستقالته من المجلس عقب القرار. وأدّى الوزراء اليمين الدستوريّة أمام الرئيس المصريّ عبد الفتّاح السيسي الأحد في 22 كانون الأوّل/ديسمبر.
وكان البرلمان المصريّ وافق، في 22 كانون الأوّل/ديسمبر، على تعديل وزاريّ شمل تعيين أسامة هيكل كوزير دولة لشؤون الإعلام، وهو ما أثار حالة من الجدل حول المنصب وصلاحيّاته وتضارب اختصاصات الوزارة مع الهيئات الإعلاميّة.
وعقب الإعلان عن التعديل، ذكر الوكيل الأوّل في نقابة الصحافيّين الكاتب الصحافيّ جمال عبد الرحيم، في حسابه عبر موقع التواصل الاجتماعيّ، باليوم ذاته، أنّ الوزارة من دون اختصاصات، موضحاً أنّه طبقاً للنصوص الدستوريّة، أرقام 211، 212، و213، وكذلك القوانين 178، 179، و180 لسنة 2018، فإنّ الهيئات الإعلاميّة والصحافيّة هي المختصّة بكلّ أمور الصحافة والإعلام في مصر، فضلاً عن أنّها هيئات مستقلّة. وبالتّالي، ليس من حقّ الوزير التدخّل في عملها.
ورأى رئيس المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام الكاتب الصحافيّ مكرم محمّد أحمد في تصريحات خاصّة لـ"المونيتور" أنّ الدستور المصريّ والقوانين حدّدت اختصاصات المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام والهيئات، وجعلتها مستقلّة غير خاضعة للسلطة التنفيذيّة.
وأكّد مكرم محمّد أحمد في تصريحات لـ"المونيتور" أنّ وزير الإعلام هو جزء من السلطة التنفيذيّة، وهي من تحدّد اختصاصاته والهدف من وجوده.
وعن تضارب الاختصاصات، قال: إنّ قوّة المجلس الأعلى والهيئتين الوطنيّة للصحافة والإعلام مستمدّة من نصوص الدستور والقوانين المنظّمة لعملها. وإنّ مهمّة المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام الأساسيّة مقاومة ما يمكن تسميته بعمليّات التضليل الإعلاميّ، التي يمارسها البعض، وكذا الحفاظ على المشهد الإعلاميّ المصريّ ومحاسبة أيّ جهة إعلاميّة مصريّة تقدّم محتوى غير مهنيّ.
وشدّد محمّد أحمد على أنّ من حقّ الدولة في الوقت ذاته أن يكون لها وزير يعبّر عن طريقة تفكيرها، ويوضح سياستها ورؤيتها تجاه الملفّات كافّة. أمّا اختصاصاته فمن يقوم بتحديدها هو مجلس الوزراء المصريّ.
وكانت وزارة الإعلام قد ألغيت رسميّاً في 16 حزيران/يونيو من عام 2014، لتعود مرّة أخرى في عام 2019 بعد 5 سنوات من إلغائها.
وفي هذا الإطار، رأى رئيس الهيئة الوطنيّة للصحافة كرم جبر أنّ عودة وزارة الإعلام تأتي كاستجابة للرأي العام المصريّ، الذي رأى ضرورة لعودتها لضبط المشهد الإعلاميّ في مصر، الذي شهد عدداً من السلبيّات. ولذلك، كانت هناك ضرورة لعودتها، وقال في تصريحات خاصّة لـ"المونيتور": إنّ تشكيل الهيئات الإعلاميّة قد شهد غياب التنسيق بينها.
وشدّد على أنّ وزارة الإعلام سيكون دورها التنسيق بين هذه الهيئات، مؤكّداً أنّ أسامة هيكل لديه إمكانيّات وخبرة تؤهّله على ضبط المشهد والقيام بمهمّة وزير الإعلام على أكمل وجه.
ونفى كرم جبر أن يكون هناك تضارب في الاختصاصات بين الوزارة والهيئات، مشدّداً على أنّ روح التعاون هي التي ستسود بين الهيئات والوزارة لإدارة المشهد الإعلاميّ بصورة مشرّفة، مشدّداً على ضرورة وجود خطط إعلاميّة تبلور السياسة العامّة للدولة خلال الفترة المقبلة، وهذه هي مسؤوليّة وزارة الإعلام.
واتّفق رئيس اللجنة التأسيسيّة لنقابة الإعلاميّين الدكتور طارق سعدة مع جبر على أنّ وجود وزير للإعلام هو أمر مهمّ، نظراً إلى أنّه سيكون له دور تنسيقيّ بين الهيئات الصحافيّة والإعلاميّة، وسيساعد بصورة كبيرة على ضبط المشهد ووضع السياسات الإعلاميّة المختلفة.
وأشار طارق سعدة في تصريح خاص لـ"المونيتور" إلى أنّ وجود الهيئات في القانون والدستور لا يتعارض مع وجود وزير للإعلام، بل سيتمّ الإعلان عن مهامه وصلاحيّاته بشكل واضح، بما لا يتعارض أو يتداخل معها، مؤكّداً أنّ الهيئات الإعلاميّة صدرت بقوانين لها نصوص واضحة، فصدر القانون رقم 178 لسنة 2018 بإنشاء الهيئة الوطنيّة للإعلام وأولى لها إدارة شؤون الإعلام الرسميّ، والقانون 179 لسنة 2018 بإنشاء الهيئة الوطنيّة للصحافة والذي أولى لها إدارة شؤون الصحافة الرسميّة، بينما القانون رقم 180 لسنة 2018 بإنشاء المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام الذي أولى له 3 اختصاصات، جزء من وزارة الإعلام، وآخر من وزارة الاتصالات، وجزء من وزارة الاستثمار، بما يخدم المؤسّسات الإعلاميّة والصحافيّة الخاصّة والرسميّة، سواء أكانت مطبوعة أم إلكترونيّة، وإنشاء التراخيص وتجديدها.
وشدّد على أنّ "دور وزير الدولة للإعلام مهمّ، وهو أن ينسّق العمل بين هذه الهيئات ويرسم السياسات الإعلاميّة، إضافة إلى تجويد المحتوى الصحفيّ والإعلاميّ".
من جهته، رأى عضو مجلس نقابة الصحافيّين الكاتب الصحافيّ محمّد سعد عبد الحفيظ خلال حديث لـ"المونيتور" أنّه "وفق المتاح من معلومات حتّى الآن، فإنّ اختصاصات وزير الدولة لشؤون الإعلام لم تحدّد، وإن كان المتحدّث باسم البرلمان صلاح حسب الله قد أشار في تصريحات صحافيّة إلى أنّ دور وزير الإعلام سيقتصر على التنسيق بين الهيئات الإعلاميّة الثلاث، إضافة إلى ضبط السياسة التحريريّة للمنصّات الصحافيّة القوميّة، وأنّه سيلعب دور الواجهة الإعلاميّة للدولة. وبالتّالي، لا يوجد تضارب صلاحيّات لأنّه لا يملك صلاحيّات وفق موادّ الدستور، أو قوانين تنظيم الصحافة والإعلام التي حدّدت اختصاصات الهيئات الإعلاميّة والمجلس الأعلى للإعلام."
وأشار محمّد سعد عبد الحفيظ خلال حديث لـ"المونيتور" إلى أنّ استحداث ذلك المنصب، بعد ما حدث للإعلام خلال الفترة الأخيرة من فشل ظاهر للعامّة قبل متابعي المشهد الإعلاميّ، عقب هيمنة السلطة وأجهزتها التنفيذيّة، رغم ضخّ الملايين، هو ما استدعى إعادة التفكير في العمل على استحداث المنصب، وهو السؤال الذي يأتي بعد حالة الفشل. وما حدث أن من يديرون المشهد الإعلاميّ في السلطة، بدلاً من التفكير في تغيير السياسات الإعلاميّة من خلال عودة الإعلام إلى دوره في إخبار الرأي العام والتحليل، تمّ التفكير في إعادة إنتاج طريقة توجيه المشهد الإعلاميّ من خلال شخص له خبرة إعلاميّة، متخيّلين أنّ ذلك يمكن أن ينجح بمجرّد تغيير قناة الاتصال بين السلطة والإعلام. ومن الوارد أن يعود الإعلام إلى احتواء الرأي العام، لكنّي أعتقد أنّ طريقة التفكير بهذا الشكل لن تنجح.