في 3 كانون الثاني/يناير، دعت مصر، ببيان رسميّ صادر عن وزارة خارجيّتها، إلى "الوقف الفوريّ لكلّ أنواع التدخّلات في شؤون الدول والشعوب العربيّة"، وجاء ذلك في أعقاب وقوع حادث مقتل قائد فيلق القدس التابع للحرس الثوريّ الإيرانيّ الجنرال قاسم سليماني، فجر الجمعة في 3 كانون الثاني/يناير بالعراق، والذي يعتبر مهندس العمليّات الخارجيّة لإيران.
وأعلنت وزارة الدفاع الأميركيّة "البنتاغون"، في اليوم ذاته، رسميّاً، أنّ الجيش الأميركيّ قتل "قاسم سليماني" بتوجيه من الرئيس الأميركيّ دونالد ترامب، وجاء ذلك بعد أيّام قليلة من اقتحام آلاف المحتجّين مقرّ السفارة الأميركيّة في بغداد بـ31 كانون الأوّل/ديسمبر من عام 2019، للتنديد بالضربات الجويّة الأميركيّة التي استهدفت كتائب "حزب الله" في العراق المتحالفة مع قوّات الحشد الشعبيّ.
وأشارت وزارة الخارجيّة المصريّة، في ذات البيان، إلى أنّها "تتابع بقدر كبير من القلق التطوّرات المتسارعة للأحداث في العراق، والتي تنذر بتصعيد للموقف، من الأهميّة تجنّبه. ولهذا، فإنّ مصر تدعو إلى احتواء الموقف وتفادي أيّ تصعيد جديد".
وأكّدت الوزارة ببيان نشرته في صفحتها الرسميّة على "فيسبوك"، أنّ هذه التدخّلات لم تؤد سوى إلى زيادة الفرقة والتوتّر بين مختلف الشعوب العربيّة التوّاقة إلى السلام والاستقرار.
وعقب الحادث بأيّام قليلة، في 10 كانون الثاني/يناير، تقدّم رئيس الوزراء العراقيّ رئيس حكومة تصريف الأعمال عادل عبد المهدي بطلب رسميّ إلى وزير الخارجيّة الأميركيّة مايك بومبيو لإرسال وفد أميركيّ لتطبيق القرار الصادر عن مجلس النوّاب العراقيّ، في 5 كانون الثاني/يناير، بإخراج القوّات الأميركيّة من البلاد ووضع آليّة لانسحابها من العراق.
وكشف مساعد وزير الخارجيّة المصريّ السابق رخا حسن، في حديث هاتفيّ لـ"المونيتور"، عن وجود جهود ديبلوماسيّة مصريّة سريّة لإجلاء القوّات الأميركيّة من العراق، إذ تقتنع القاهرة تمام الاقتناع بأنّ سبب الفرقة والتشرذم في العراق ومختلف الدول العربيّة هو التدخّل الأجنبيّ في الشؤون العربيّة، خصوصاً التدخّلات العسكريّة، وقال: "تواصل مسؤولون رسميّون مصريّون رفيعو المستوى من وزارة الخارجيّة المصريّة مع نظرائهم ومسؤولين سياسييّن في العراق لإقناعهم بضرورة طلب خروج القوّات الأميركيّة منه، والسبب أنّ حادث مقتل قاسم سليماني في بغداد من قبل القوّات الأميركيّة هدّد دولة العراق، وأنّ ذلك التهديد يتمثّل في إمكانيّة تحوّل العراق إلى ساحة حرب بالوكالة بين أطراف دوليّة عدّة، أبرزها إيران وأميركا".
وشدّد رخا حسن على أنّ الجهود المصريّة في هذا الشأن جاءت من منطلق حرص القاهرة على مصلحة العراق، لأنّ مصر والعراق تربطهما علاقات متميّزة، خصوصاً على المستويين الأمنيّ والاقتصاديّ، بما يشمل التبادل التجاريّ والنفطيّ بين البلدين.
لقد وصل حجم التبادل التجاريّ بين مصر والعراق إلى 500 مليار دولار في عام 2017، فيما قُدّرت الاستثمارات العراقيّة في مصر بنحو 1.2 مليون دولار في العام ذاته. كما استوردت مصر 12 مليون برميل من النفط الخام العراقيّ في عام 2018.
وكان الرئيس المصريّ عبد الفتّاح السيسي استقبل عادل عبد المهدي، في 23 آذار/مارس من عام 2019، بقصر الاتحاديّة في القاهرة، وأعرب عن تقديره لاختيار عبد المهدي أن تكون مصر أولى زياراته الخارجيّة، بعد تأديته اليمين الدستوريّة رئيسًا للوزراء، فيما أكّد عبد المهدي حرص بلاده على دفع العلاقات بين مصر والعراق في مختلف المجالات.
وأكّد عبد الفتّاح السيسي، في بيان صادر عن رئاسة الجمهوريّة، موقف مصر الثابت من العراق والداعم لوحدته واستقراره وسلامة أراضيه وعدم التدخّل في شؤونه الداخليّة. كما تباحثا في طرق تعزيز التعاون بالمجالين الأمنيّ ومكافحة الإرهاب لدرء خطر انتقال العناصر الإرهابيّة الأجنبيّة إلى مناطق أخرى في دول المنطقة.
وقال حسن: "إنّ مصر لا تريد التدخّل فى شؤون العراق، لكنّها تقوم بدورها ومسؤوليّتها كدولة عربيّة كبيرة من أجل استقراره، فهي لا تريد التدخّل من أجل فرض السيطرة والهيمنة عليه، لكنّها حريصة على استقراره وأمنه وعدم تحوّله إلى ساحة حرب بين أطراف دوليّة متصارعة، كما يحدث في سوريا".
من جهته، رأى الباحث في القانون الدولي بجامعة القاهرة محمّد حامد أنّ وجود تحرّكات ديبلوماسيّة مصريّة غير معلنة لتسهيل مهمّة العراق في طلبه انسحاب القوّات الأميركيّة من البلاد، هو مطلب يتّسق مع الرؤية المصريّة في الملف العراقيّ، وهذا ما أعلنته البيانات الرسميّة لوزارة الخارجيّة التي أكّدت ضرورة وقف كلّ التدخّلات الخارجيّة في الشأن العراقيّ، وقال خلال حديث هاتفيّ لـ"المونيتور": إنّ مصر ترى أنّ إخراج القوّات الأميركيّة من العراق سيكون في مصلحة العراق والشعب العربيّ عموماً، فلا مبرّر لاستمرار وجودها، خصوصاً بعد نجاح العراق في هزيمة الإرهاب وتصفية تنظيم "داعش".
وقال: إنّ القوّات الأميركيّة أجرت عمليّة تقييم لوجودها في بعض المناطق بالعراق بعد تزايد التهديدات الإيرانيّة للأهداف الأميركيّة، بعد مقتل سليماني ونائب رئيس هيئة الحشد الشعبيّ أبو مهدي المهندس.
ولفت إلى أنّ قائد قوّة المهمّات الأميركيّة في العراق العميد وليام سيلي الثالث بعث برسالة رسميّة للسلطات العراقيّة في 6 كانون الثاني/يناير قال فيها إنّ قوّاته تقوم بـ"اتّخاذ إجراءات معيّنة لضمان خروجها من العراق"، موضحاً أنّ وزير الدفاع الأميركيّ مارك إسبر نفى بعد ذلك وجود خطّة للانسحاب.
وأعلنت الحكومة العراقيّة في 14 كانون الثاني/ يناير أنّها لن تتراجع عن مطلب سحب القوات الأجنبيّة من أراضيها، وأنها تتمسك بتنفيذ قرار البرلمان العراقي بانسحاب جميع القوات الأجنبيّة بما فيها الأمريكيّة.
وأشار إلى أنّ إدارة دونالد ترامب فشلت بمساعيها في إقناع النوّاب العراقيّين بعدم إجراء تصويت على إنهاء الوجود الأميركيّ في العراق، ولم تستطع بدليل صدور قرار وطلب انسحابها رسميّاً بالفعل، الأمر الذي يؤكّد نجاح الجهود المصريّة وإصدار طلب رسميّ للانسحاب.