في 7 كانون الثاني/يناير من عام 2020، أصدرت المحكمة الإداريّة العليا، وهي أعلى سلطة قضائيّة إداريّة في مصر، حكماً نهائيّاً لا يجوز الطعن به، قضى ببطلان قرار السلطات التنفيذيّة المصريّة بتسليم عدد من قادة ووزراء نظام الرئيس الليبيّ الراحل معمّر القذافي.
وقالت المحكمة العليا في حيثيّات الحكم، الذي تمّ إرساله إلى الصحافيّين المسجّلين لدى المكتب الإعلاميّ للمحكمة عبر البريد الإلكترونيّ: "إنّ الحماية التشريعيّة في مصر لم تقتصر على اللاّجئين السياسيّين، وإنّما تمتدّ إلى اللاّجئين لأسباب إنسانيّة ممّن اضطرّتهم ظروف دولهم من حرب أو نزاعات داخليّة إلى النزوح من أوطانهم واللجوء إلى مصر".
وبحسب القضيّة، تشمل القائمة التي أصدرت المحكمة قراراً قضى بوقف إجراءات تسليمهم إلى الحكومة الليبيّة، كلاًّ من مدير الاستخبارات الليبيّة الأسبق خليفة مصباح، وزير الأمن العام والعدل الأسبق مفتاح السنوسي، وزير الداخليّة الأسبق نصر المبروك، وزير المواصلات والنقل الأسبق محمّد أبو عجيلة، إضافة إلى اثنين من النوّاب السابقين محمّد جار الله وفؤاد محمّد عبد الله.
وكان ملف تسليم قادة النظام الليبيّ إبان الرئيس معمّر القذافي، بدأت الحكومة الليبيّة مفاوضاتها بشأنه مع نظيرتها المصريّة، منذ الحكومة الليبيّة الموقّتة بقيادة علي زيدان في آذار/مارس من عام 2012، ووقتها تقدّمت ليبيا بطلب لتسليم 18 من كبار قادة نظام القذافي.
واستند الحكم الصادر على انضمام مصر عام 1954 إلى اتفاقيّة الأمم المتّحدة الخاصّة بوضع اللاّجئين الموقّعة في جنيف بتمّوز/يوليو من عام 1951، والتي تنصّ في إحدى موادّها على عدم تطبيق عقوبات على اللاّجئين الذين يدخلون مصر بطرق غير شرعيّة فارّين من بلادهم.
وتنصّ المادّة 31 من اتفاقيّة عام 1951 على الآتي: "تمتنع الدول المتعاقدة أيضاً عن فرض عقوبات جزائيّة، بسبب دخولهم أو وجودهم غير القانونيّ، على اللاّجئين الذين يدخلون إقليمها أو يوجدون فيه من دون إذن، قادمين مباشرة من إقليم كانت فيه حياتهم أو حريّتهم مهدّدة بالمعنى المقصود في المادّة الأولى، شريطة أن يقدّموا أنفسهم إلى السلطات من دون إبطاء وأن يبرهنوا على وجاهة أسباب دخولهم أو وجودهم غير القانونيّ".
كما تنصّ المادّة 33 من القانون نفسه على الآتي: "لا يجوز لأيّ دولة متعاقدة أن تطرد لاجئاً أو تردّه بأيّ صورة من الصور إلى حدود الأقاليم التي تكون حياته أو حريّته مهدّدتين فيها بسبب عرقه أو دينه أو جنسيّته أو انتمائه إلى فئة اجتماعيّة معيّنة أو بسبب آرائه السياسيّة".
وأشارت المحكمة العليا في حيثيّات الحكم إلى أنّ القانون المصري الذي يستند لاتفاقية عام 1951 لشئون اللاجئين "اشترط لطرد أيّ لاجئ في مصر، أن يكون وجوده يشكّل خطراً على الأمن القوميّ المصريّ أو يكون قد سبق إدانته بحكم نهائيّ في جُرم مهمّ يشكّل خطراً على مجتمع الدولة الموجود فيها، ودون ذلك يتمتّع بكامل حقوقه داخل الدولة".
واختتمت المحكمة حيثيّاتها قائلة: "كان البيّن من الأوراق أنّ الأشخاص المشار إليهم والمراد تسليمهم إلى السلطات الليبيّة يحملون الجنسيّة الليبيّة. ونظراً إلى الظروف والأوضاع التي تمرّ بها ليبيا، غادروا بلادهم إلى مصر. ووفقاً للدستور المصريّ واتفاقيّة الأمم المتّحدة المشار إليها، فإنّهم يتمتّعون بالحماية القانونيّة المقرّرة للمقيمين على الأراضي المصريّة، والتي كفلت للمقيم حقّ الإقامة في مأمن عن الملاحقة. كما حظّرت ترحيله أو تسليمه إلى أيّ دولة على غير رغبة منه أو إرادة، خصوصاً إذا كانت حياته أو حريّته فيها معرّضة للخطر لأيّ من الأسباب المذكورة سابقاً".
من جهته، أشار الباحث والكاتب الصحفي المتخصّص في الشأن الليبيّ علي طرفاية، العضو التنفيذي برابطة الشئون الأفريقية والعربية، إلى أنّ "القضاء المصريّ يحكم بما لديه من أوراق وقوانين. ومهما كان الموقف من القادة الليبيّين الصادر لصالحهم الحكم بالبقاء في مصر، فهم الآن موجودون بقوّة القضاء ولا يمكن المساس بهم"، لافتاً في تصريحات لـ"المونيتور" إلى أنّ الحكم "تأسّس على قوانين ومواثيق دوليّة موقّعة عليها مصر، والجانب الليبيّ عليه أن يحترم القضاء المصريّ وأن تكون صفحة المطالبة بتسليم قادة النظام الليبيّ السابق انطوت احتراماً للقوانين المصريّة".
أضاف: كان هناك حكم شبيه يقضي بعدم تسليم أحمد قذّاف الدمّ إلى حكومة طرابلس صدر منذ سنوات عدّة، وانتصر القضاء المصريّ لدولة القانون وحكم بإلغاء إجراءات تسليمه آنذاك.
ورفض علي طرفاية التعليق على الحكم ومدى تأثيره على العلاقات بين النظام المصريّ ونظيره الليبيّ، معلّلاً ذلك بأنّه "لا يجوز التعليق على أحكام القضاء".
وكان القضاء المصريّ قضى، في نيسان/إبريل من عام 2013، بإلغاء إجراءات تسليم منسّق العلاقات بين مصر وليبيا أحمد قذّاف الدمّ إلى السلطات الليبيّة، وقرّر وقف تنفيذ كلّ إجراءات تسليمه إلى ليبيا وتنفيذ الحكم باستمرار بقائه في مصر.