اقتحمت قوّات من الأمن المصريّ، مساء يوم الثلاثاء في 14 كانون الثاني/يناير الجاري، مقرّ وكالة الأناضول التركيّة للأنباء بالقاهرة، واحتجزت العاملين فيها، وعددهم 4 بينهم موظفين تركيين قبل أن تلقي القبض عليهم وتحيلهم إلى التحقيق في نيابة أمن الدولة العليا، على ذمّة اتّهامات متعلّقة بقضايا الإرهاب.
وبحسب بيان للمفوّضيّة المصريّة للحقوق والحرّيّات، وهي منظّمة حقوقيّة عاملة في مصر منذ عام 2014، احتجزت قوّات الأمن الصحافيّين والعاملين في المؤسّسة لأكثر من 7 ساعات، قبل أن تتحفّظ عليهم وتنقلهم إلى نيابة أمن الدولة العليا للتحقيق معهم.
ووجّهت نيابة أمن الدولة االعليا إلى العاملين في المؤسّسة، وهم 4، بينهم موظف يحمل الجنسيّة التركيّة، اتّهامات بمشاركة جماعة إرهابيّة في تحقيق أغراضها ونشر الأخبار الكاذبة، وتمويل إرهاب وهي اتهامات ثابتة يتم حبس أي معتقلين في قضايا سياسية أو صحافة بها.
وقالت عضو هيئة الدفاع عن صحافيّي وكالة الأناضول المحامية فاطمة سراج، إنّ نيابة أمن الدولة العليا قرّرت بعد ساعات طويلة من التحقيقات، إخلاء سبيل جميع المقبوض عليهم بكفالة 10 آلاف جنيه على ذمّة القضيّة.
وأوضحت فاطمة في تصريحات إلى "المونيتور" أنّ قرار إخلاء سبيلهم "لا يعني إسقاط الاتّهامات، ولكنّه يعني أنّ القضيّة ما زالت سارية والاتّهامات ما زالت موجّهة إليهم، ولكن من دون حبسهم احتياطيّاً، فضلاً عن منعهم من السفر إلى حين حسم القضيّة".
ولأكثر من 3 أيّام بعد صدور قرار النيابة بإخلاء سبيلهم، ظلّ الصحافيّون مختفين ولم يتواصلوا مع أيّ من محاميهم أو أسرهم، حتّى تمّ إطلاق سراحهم من مقرّ الأمن الوطنيّ في حيّ العبّاسيّة، أحد أحياء العاصمة القاهرة، حيث تم إطلاق سراح الموظف الذي يحمل الجنسية التركية والذي سافر إلى تركيا مباشرة، على الفور ولكن المصريين لم يتم الإفراج عنهم وظلوا قيد الاحتجاز غير القانوني لأكثر من 3 أيام.
ومن بين المتّهمين في القضيّة الصحافيّ حسين القبّاني، وهو شقيق المعتقل الحاليّ حسن القبّاني والمتّهم في قضايا إرهاب، والذي كان يشغل منصب مدير تحرير موقع "إخوان أون لاين"، الموقع الرسميّ لجماعة الإخوان المسلمين في مصر.
في سياق متّصل، ادّعت وزارة الداخليّة المصريّة في بيان رسميّ لها، صدر في اليوم التالي لواقعة اقتحام الوكالة في 15 كانون الثاني/يناير، أنّ الوكالة "ضمن مخطّط إخوانيّ مدعوم ومموّل من تركيا ضدّ جمهوريّة مصر العربيّة".
وأضافت الوزارة في البيان: "إنّ الخليّة تهدف إلى إعداد تقارير سلبيّة تتضمّن معلومات مغلوطة ومفبركة حول الأوضاع السياسيّة والاقتصاديّة والأمنيّة والحقوقيّة في مصر، وإرسالها إلى مقرّ الوكالة في تركيا بهدف تشويه صورة البلاد على المستويين الداخليّ والخارجيّ".
من جانبها، أدانت الرئاسة التركيّة قرار الأمن اقتحام الوكالة الإخباريّة الرسميّة، واعتبرته "انتهاكاً واضحاً للقانون".
وقال المتحدّث الرسميّ باسم الرئاسة التركيّة إبراهيم قولن، في تغريدة له على موقع "تويتر" يوم 15 يناير: "اقتحام السلطات المصريّة مكتب وكالة الأناضول في القاهرة وتوقيف موظّفين من دون مبرّر، يعدّان انتهاكاً علنيّاً للقانون وحقوق الإنسان، وندين هذا الفعل بشدّة".
من جانبه، رفض المتحدّث باسم وزارة الخارجيّة المصريّة أحمد حافظ اتّهام الجانب التركيّ السلطات المصريّة بانتهاكها القانون.
وقال حافظ في تصريحات هاتفيّة إلى"المونيتور" إنّ "كلّ الإجراءات الأمنيّة التي تمّ اتّخاذها في ما يتعلّق بوكالة الأناضول قانونيّة وليست فيها أيّ مخالفة كما ادّعى الجانب التركيّ".
وتابع حافظ: "التحرّيات الأمنيّة تقول إنّ المقرّ الذي تمّ اقتحامه يتمّ استخدامه من قبل خليّة إعلاميّة تابعة إلى الإخوان المسلمين لإعداد تقارير خاطئة عن مصر يتمّ استخدامها لضرب سمعة مصر خارجيّاً، لذلك لا توجد أيّ مخالفة في أن تحافظ الدول على أمنها القوميّ وسمعتها".
فيما كشف مصر أمنيّ في تصريحات لـ"الموينتور" عن "حصول قوّات الأمن على قوائم بأسماء جميع الصحافيّين والإداريّين والمصوّرين المتعاونين مع وكالة الأناضول بعد اقتحام المقرّ، وعن أنّه جارٍ الآن فحص هذه الأسماء والتأكّد من عدم تورّطها في أيّ أعمال من شأنها تشويه سمعة مصر والإضرار بالأمن القوميّ".
ولسنوات طويلة كانت العلاقات بين مصر وتركيا متوترة، بسبب دعم أنقرة للإخوان المسلمين ورفضها لنظام الرئيس عبدالفتاح السيسي ودفاعها عن نظام الرئيس الإخواني الراحل محمد مرسي.
ولكن بحسب محمود بيومي، الباحث السياسي في جامعة اسطنبول إيدين والمقيم في تركيا، فإن عملية اقتحام مقر وكالة الأناضول "تصعيد مصري جديد ضد إدارة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان".
وأضاف بيومي، في تصريحات لـ"المونيتور"، إن "قرار السلطات المصرية اعتقال العاملين في الوكالة، يبدو وأنه إعلان موقف من القاهرة لرفض أي مصالحة مع الجانب التركي واستمرار التصعيد، خاصة بعد تصريحات نائب الرئيس التركي ياسين أقطاي الذي دعا فيها صراحة الجانب المصري للتفاوض وحل أي أزمات بين الجانبين، بجاء قرار مصر بالاقتحام وكأنه إعلانا بأنه لا مصالحة مع الجانب التركي طالما يدعم الإخوان".
وكان ياسين أقطاي، مستشار الرئيس التركي، قد دعا – في مقال له بتاريخ 13 يناير – الحكومة المصرية إلى التعاون والتفاوض وحل الأزمات، معتبرا أن المصالحة والتعاون مع مصر "أمر لا مفر منه".
وتابع بيومي: "على ما يبدو فإن العلاقات المصرية التركية ستشهد المزيد من التدهور بعد قرار اقتحام الوكالة التركية، وربما يكون هناك رد من الجانب التركي ولكن لم تتضح معالمه حتى الآن".
وليست هذه المرّة الأولى التي تقتحم فيها قوّات الأمن مقرّات المواقع الإخباريّة وتحتجز العاملين فيها، حيث سبق الواقعة بأسابيع اقتحام الأمن مقرّ موقع مدى مصر الإخباريّ، وأيضاً احتجاز العاملين فيه لساعات.
ففي 24 تشرين الثاني/نوفمبر الماضي، اقتحمت قوّات الأمن مقرّ موقع مدى مصر الصحافيّ، واحتجزت جميع العاملين فيه وصادرت هواتفهم المحمولة لأكثر من 4 ساعات، ثمّ ألقت القبض على 3 من الصحافيّين، بينهم رئيسة التحرير، وأحالتهم إلى قسم الشرطة، ثمّ أخلت سبيلهم على الفور من دون تحرير أيّ قضايا، ولم توجه أي اتهامات لصحفيي مدى مصر، والذي يعد أحد أبرز المواقع المعارضة في مصر.