في 12 أيلول/سبتمبر صباحاً، أصدر الرئيس عبد الفتّاح السيسي قراره الجمهوريّ بتعيين المستشار حمادة الصاوي نائباً عامّاً جديداً، خلفاً للنائب العام السابق نبيل صادق الذي انتهت فترة تولّيه المنصب في 19 سبتمبر الجاري، وهو المنصب الأعلى داخل النيابة العامّة المصريّة.
لم يمرّ قرار عبد الفتّاح السيسي بتعيين نائب عام جديد بهدوء داخل جهاز السلطة القضائيّة، حيث شابه اعتراضات واسعة من قبل أعضاء في النيابة العامّة والمجلس الأعلى للقضاء – وهو جهة رسمية – وصلت إلى حدّ استقالة مسؤول كبير، ومناقشات بين أعضاء النيابة العامّة حول الإضراب عن العمل أو التقدّم باعتراض رسميّ للسيسي عبر خطابات موقعة من أعضاء النيابة كمذكرة اعتراض.
وفي هذا الإطار، أشار مصدر قضائيّ رفيع المستوى في تصريحات لـ"المونيتور"، لكنّه رفض ذكر اسمه، إلى أنّ "الاعتراضات على الطريقة التي تمّ اختيار النائب العام الجديد بها، إذ جرى العرف القضائيّ أن يختار المجلس الأعلى للقضاء النائب العام الجديد، ويكتفي الرئيس بالتصديق على الاختيار"، وقال: "لكن ما حدث هو أنّ الاختيار جاء كاملاً من قبل الرئاسة، بعيداً عن العرف القضائيّ المتعارف عليه في مثل هذه الحالات".
ولفت إلى أنّ الأزمة ليست فقط في اختيار الرئيس للنائب العام الجديد، ولكن أيضاً بسبب تجاوزه شيوخ القضاء واختيار من هو أقلّ منهم في الترتيب"
وفي ابريل الماضي، وافق المصريون في استفتاء شعبي، على تعديلات دستورية شملت توسيع صلاحيات الرئيس عبدالفتاح السيسي في اختيار رؤساء الهيئات القضائية والنائب العام، ما اعتبره مراقبون وسياسيون أنه توغل من سلطة الرئيس على السلطة القضائية.
وعن نص القانون الذي ينظم عملية اختيار النائب العام، قال: "إنّ التعديلات الدستوريّة الأخيرة منحت الرئيس حقّ اختيار النائب العام، ولكن بناء على الترشحيات التي يتقدّم بها المجلس الأعلى للقضاء، ولكن عدم حدوث ذلك هو ما أثار الأزمة في هذا التعيين، إضافة إلى الخلاف حول توقيت تطبيق التعديل، خاصة مع وجود نقاش حول هل يتم تطبيق القانون على النائب العام الحالي، أم على الدورة القادمة للنائب العام".
وأكّد المصدر أنّ التعديل الدستوريّ، الذي منح السيسي حقّ اختيار النائب العام "لا ينطبق على هذا منصب النائب العام هذه المرة، لأنّ النائب العام نبيل صادق كان موجوداً عند إقرار التعديلات الدستورية، وإنّ القوانين والموادّ الدستوريّة لا تطبّق بأثر رجعيّ، ولكن سيتمّ التطبيق بدءاً من العام الحاليّ، أي أنه من المفترض أن يتم التجديد لنفس النائب العام دون تغييره، لكنّ الرئاسة لم تنتبه للأمر وأصرّ الرئيس على اختيار النائب العام".
وتنصّ المادة 189 من الدستور بعد التعديل الأخير على أنّ ولاية القاضي في منصب النائب العام تكون لمدّة 4 سنوات فقط غير قابلة للتجديد، على أن يعرض مجلس القضاء الأعلى 3 مرشّحين ممّن هم على درجة رئيس محكمة استئناف أو نائب لرئيس محكمة النقض، على رئيس الجمهوريّة للاختيار من بينهم.
وأعلن النائب العام المساعد المستشار مصطفى سليمان في 12 سبتمبر، وهو الرجل الثاني بعد النائب العام في السلك النيابيّ، استقالته من منصبه، اعتراضاً على تعيين نائب عام جديد.
وعلم "المونيتور" من مصادر في مكتب النائب العام أنّ السبب الذي دفع بمصطفى سليمان إلى الاستقالة على الفور هو اعتراضه على قرار المجلس الأعلى للقضاء الذي قضى بالصمت أمام اختيار السيسي النائب العام من دون التقيّد بقواعد الأقدميّة. وحاول "المونيتور" الاتصال بسليمان، لكنّه رفض الرد.
من جهته، لفت النائب محمّد الكومي، وهو عضو في مجلس النوّاب وأحد النوّاب الذين شاركوا في مناقشات اللّجنة التشريعيّة – وهي اللجنة التي من شأنها إجراء أي تعديلات على أي من القوانين ومواد الدستور قبل عرضها على رئيس الجمهورية ثم طرحها في استفتاء – حول طريقة اختيار النائب العام من جانب السيسي إلى أنّها صحيحة تماماً، ولا شكّ في ذلك، خصوصاً أنّ القانون الذي يتم وضع مواده بحسب الدستور منحه الحقّ في هذا الاختيار، ولكن لم يحدّد الآليّة، وقال لـ"المونيتور": إنّ الرئيس من حقّه الاختيار بغضّ النظر عن قواعد الأقدميّة المعمول بها داخل السلكين القضائيّ والنيابيّ.
وأشار مصدر ثالث في النيابة العامّة خلال تصريحات لـ"المونيتور"، لكنّه تحفظ على ذكر اسمه، لأنّه غير مخوّل له بالتصريح، إلى أنّ الغضب الحاصل داخل النيابة العامّة بسبب ما وصفه بـ"توغّل من السلطة التنفيذيّة متمثّلة برئيس الجمهوريّة على السلطة القضائيّة"، وقال: "نناقش الآن المزيد من الحلول لمواجهة الأزمة، إمّا بتقديم طلبات موقّعة من أعضاء النيابة العامّة لمطالبة رئيس الجمهورية بالتراجع عن القرار الجمهوريّ والالتزام بالاختيار من بين ترشيحات المجلس الأعلى للقضاء مع مراعاة قواعد الأقدميّة - خاصة وأنه ليس هناك أي جهة من شأنها إلغاء القرارات الجمهورية إلا رئيس الجمهورية نفسه - وإمّا التصعيد لما أبعد من ذلك"، فيما رفض المصدر توضيح سبل التصعيد الذي أشار إليه.