القاهرة – آلاف المصانع تتسارع للانضمام إلى مبادرة الرئيس عبد الفتّاح السيسي لتشجيع شراء المنتج المحليّ، إذ أشار رئيس غرفة صناعة الملابس الجاهزة في اتّحاد الغرف الصناعيّة المصريّة محمّد عبد السلام، خلال تصريحات صحافيّة بـ11 كانون الثاني/يناير من عام 2019، إلى أنّ مصانع الملابس وحدها المنضمّة إلى المبادرة بلغ عددها 300 مصنع، حتّى يوم التصريحات.
وكان رئيس مجلس الوزراء مصطفى مدبولي عقد اجتماعاً، في 3 كانون الثاني/يناير من عام 2019، لمتابعة الخطوات المطلوبة للبدء بتفعيل المبادرة، مؤكّداً ضرورة الإسراع في تنفيذها لأنّها تهدف إلى توفير حاجات المواطنين من السلع بأسعار مخفّضة من خلال المنتج المحليّ، إلى جانب تحريك السوق والمبيعات، وكان ذلك بحضور وزيرة التخطيط والتنمية الاقتصاديّة هالة السعيد، وزيرة التضامن الاجتماعيّ نيفين القباج، ومسؤولي اتّحاد الصناعات والغرف التجاريّة.
ووفقاً لبيان رسميّ صادر عن مجلس الوزراء بعد انتهاء الاجتماع، اطّلع الحاضرون على أهمّ محاور المبادرة، وتشمل: تحديد قائمة بالسلع الأكثر أهميّة بالنّسبة إلى المواطنين والمتوافرة محليّاً، المنافذ التي ستشارك في توزيع السلع، كيفيّة تمويل تلك المنافذ وبعض المصانع والمنتجين، كيفيّة تسويق المنتجات، وحوكمة الأسعار.
وأوضح البيان أنّه تمّ التوصّل إلى محتويات القائمة الأوليّة للسلع ونقاط التوزيع المشاركة في المبادرة وآليّات التمويل، وذلك بالتنسيق بين وزارة الماليّة وكلّ من اتّحاد الصناعات واتّحاد الغرف التجاريّة.
وفي ما يخصّ التسويق، أشار البيان إلى أنّ هناك مقترحاً لتجهيز موقع إلكترونيّ لاستعراض المنتجات المشاركة في المبادرة من خلاله وبيعها، إلى جانب تنظيم معرض مركزيّ في القاهرة لتسويق تلك المنتجات ومعارض أخرى في المحافظات بالتنسيق مع المحافظين، على أن تتمّ الحوكمة من خلال المتابعة الميدانيّة للمعارض من قبل الوزارات المعنيّة وتخصيص آليّة لاستقبال الشكاوى الخاصّة بالمبادرة.
وكان مجلس الوزراء كشف، في بيان بـ17 تشرين الثاني/نوفمبر من عام 2019، عن توجيه عبد الفتّاح السيسي له لإطلاق مبادرة لتشجيع المواطنين على شراء المنتج المحليّ بدلاً من المستورد، على أن يكون الهدفان الرئيسيّان من المبادرة إخراج بعض المصنّعين المصريّين من حالة الركود في البيع والشراء وتوفير السلع للمواطنين بأسعار مناسبة. وستشمل المبادرة تقديم دعم نقديّ إلى الأسر التي تشتري البضائع من خلالها.
وكشف مصدر حكوميّ، فضّل عدم ذكر اسمه، لـ"المونيتور"، أنّ المبادرة بدأت بحصر المنتجات المستوردة التي يستهكلها المصريّون بكثافة، رغم أنّ لها بدائل محليّة لا يعرفونها بسبب عجز مصنّعيها عن توزيعها أو تسويقها على نطاق واسع.
ولفت إلى أنّ ذلك الحصر انتهى، وتمّ إدراج كلّ المصانع والشركات المنتجة لتلك السلع في قائمة المشاركة في المبادرة، على أن يحصل المواطنون الذين يشترون منها على دعم نقديّ أو تخفيضات مقابل شرائها، إلى جانب السلع التي يشتريها المصريّون بالفعل من المنتجين المحليّين، الذين يشارك العديد منهم في المبادرة ويقدّمون تخفيضات أيضاً.
وعن موعد إطلاق المبادرة متمثّلة في الموقع الإلكترونيّ ومعارض البيع والتوزيع ومنافذها، قال المصدر لـ"المونيتور": كان من المتوقّع أن تنطلق المبادرة مع بداية كانون الثاني/يناير احتفالاً بالعام الجديد، إلاّ أنّ محاولات إطلاقها في أفضل صورة، من حيث كفاءة منافذ التوزيع واستيعابها للزوّار والمنتجات وانتشارها وسهولة البيع والشراء من خلال موقع إلكترونيّ ووفرة المنتجات المشاركة وتنوّعها، أدّت إلى تأجيلها إلى بداية أو منتصف شباط/فبراير على أقصى تقدير.
يبدو أنّ تلك المبادرة تأتي ضمن استراتيجيّة موسّعة للنظام في الاعتماد على المنتج المحليّ، ففي حزيران/يونيو من عام 2018، أقرّ السيسي تعديلات القانون رقم 5 لسنة 2015 المعروف إعلاميّاً بـ"قانون تفضيل المنتج المحليّ في العقود الحكوميّة"، وهي التعديلات التي أقرّها مجلس النوّاب، في أيّار/مايو من العام نفسه، بعد اقتراحها من قبل الحكومة المصريّة.
وتهدف التعديلات إلى التوسّع في الاعتماد على المنتج المصريّ في العقود الحكوميّة مع أيّ جهة لتوريد حاجات الدولة إلى الجهاز الإداريّ والهيئات الحكوميّة عدا وزارتيّ الدفاع والداخليّة والمخابرات العامّة وأيّ جهة يصدر من قبل رئيس مجلس الوزراء قراراً باعتبار أعمالها ضمن الأعمال التي تشترط فيها السريّة لاعتبارات الأمن القوميّ.
ورأى أستاذ الاقتصاد في جامعة الأزهر صلاح الدين فهمي خلال حديث لـ"المونيتور" أنّ المبادرة تضرب "عصافير عدّة بحجر واحد".
فإلى جانب تحريك مبيعات المنتجين المحليّين وإخراجهم من حالة الركود وتقديم السلع بأسعار أقلّ إلى المواطن، لفت صلاح الدين فهمي إلى أنّ التوسّع في الاعتماد على المنتج المحليّ سيؤدّي إلى خفض الاستيراد الذي تكلّف فاتورته الدولة خروج المليارات من النقد الأجنبيّ إلى الخارج، الأمر الذي يؤدّي إلى تعميق عجز الميزان التجاريّ وتدهور قيمة العملة المحليّة عندما يقلّ الطلب عليها، في مقابل العملة الأجنبيّة التي يرتفع سعرها بالتبعيّة، نتيجة كثرة الطلب عليها لتغطية أوامر الاستيراد.
وبالفعل، ارتفعت قيمة الجنيه المصريّ، مقابل الدولار، بحوالى 10 في المئة خلال عام 2019، مسجّلاً 15.99 جنيهاً للدولار في نهاية عام 2019 مقارنة بـ17.78 جنيهاً للدولار في نهاية عام 2018. وكان عام 2019 هو نفسه ما شهد تراجعاً في الميزان التجاريّ للدولة خلال أشهره الـ10 الأولى بحوالى 17 في المئة، مقارنة بالفترة نفسها خلال عام 2018، وفقاً لمصدر "المونيتور" الحكوميّ.
بدوره، تحدّث عضو اللجنة الاقتصاديّة في مجلس النوّاب عمرو الجوهري عن فائدة أخرى تحقّقها المبادرة للسوق المصريّة، وقال لـ"المونيتور": إنّ تحريك السوق المحليّة وما سيساهم فيها من توافر للسيولة لدى المصنّعين المصريّين سيساعدهم على توسيع نشاطهم واستثماراتهم وتعيين عمالة إضافيّة للحدّ من مشكلة البطالة وخفضها.
أضاف: من 50 في المئة إلى 70 في المئة من الاستثمارات الأجنبيّة التي تدخل السوق المحليّة هي استثمارات بتروليّة وغير كثيفة العمالة. وبالتّالي، "لا بدّ من الاعتماد على الاستثمارات المصريّة في احتواء الشباب وخفض معدّلات البطالة".
أمّا الخبير الاقتصاديّ والمستشار الماليّ لعدد من المؤسّسات الاستثماريّة وائل النحّاس فكان رأيه مغايراً يتعلّق بجودة المنتج المحليّ، مقابل المنتج المستورد، وقال لـ"المونيتور": "أثمّن المبادرة، إلاّ أنّي أظنّ أنّ قرى الصعيد والريف تعتمد على المنتج المحليّ، وأنّ المدن التي يتمتّع فيها المواطنون بقوّة شرائيّة أكبر لن تذهب إلى الاعتماد على المنتج المحليّ الأقلّ جودة من المستورد. ولذلك، لا بدّ، بالتزامن مع الحملة، من محاولة رفع كفاءة المنتجين المحليّين وتطوير التعليم الصناعيّ والفنيّ ليبلغ المنتج المصريّ مستوى الجودة، الذي يدفع بجميع المصريّين إلى الإقبال عليه".