القاهرة — في الوقت الذي شهدت فيه مصر منذ 20 سبتمبر اندلاع تظاهرات في مختلف المحافظات، صحبت تلك التظاهرات مزيداً من القيود والتضييق على حريّة الصحافة والإعلام، أحدثها كان التوسّع في حجب المواقع الإخباريّة الدوليّة وإبطاء سرعات الإنترنت في مصر، والحجب الجزئيّ لمواقع التواصل الاجتماعيّ.
لقد بدأ الأمر بملاحظة أنّ عدداً من المواقع المحجوبة سابقاً، مثل "الجزيرة" يعمل بشكل طبيعيّ على شبكات إنترنت مختلفة منذ 19 أيلول/سبتمبر، الليلة التي سبقت يوم التظاهرات، الأمر الذي لم يدم إلاّ ساعات قليلة شهد فيها مستخدمو الإنترنت في مصر اضطرابات في تصفّحهم للمواقع المختلفة. في اليوم التالي، وتزامناً مع التظاهرات، انضمّت مواقع صحافيّة جديدة إلى نادي المواقع المحجوبة. إضافة إلى ذلك، حجبت إحدى خدمات شركة Cloudflare، التي تحمي عملاءها من الهجمات الإلكترونيّة.
واندلعت تظاهرات في محافظات عدّة بمصر خلال الفترة الممتدّة من 20 أيلول/سبتمبر حتّى 27 أيلول/سبتمبر تطالب برحيل الرئيس عبد الفتّاح السيسي على خلفيّة دعوات للتظاهر دعا إليها المقاول والفنّان المصريّ محمّد علي من خلال عدد من مقاطع الفيديو، التي تدعو المصريّين إلى الإطاحة بعبد الفتّاح السيسي، والتي يتّهم فيها محمّد علي السيسي والمقرّبين منه في المؤسّسة العسكريّة بـ"الفساد وإهدار الأموال العامّة".
وواجهت قوّات الشرطة هذه الاحتجاجات باستخدام الغاز المسيّل للدموع والرصاص المطاطيّ لتفريق التظاهرات. كما ألقت القبض على عدد من المتظاهرين، من بينهم صحافيّون وأساتذة جامعة، حيث ألقت السلطات المصريّة القبض على أستاذيّ العلوم السياسيّة في جامعة القاهرة حسن نافعة وحازم حسني، صباح الأربعاء في 25 أيلول/سبتمبر، كما ألقت القبض على الصحافيّ المعارض والرئيس السابق لحزب الدستور المصريّ خالد داوود، حسب المحامي الحقوقيّ والمرشّح الرئاسيّ السابق خالد علي.
وقالت منظّمة Netblocks المتخصّصة بمراقبة وتتّبع التعطيلات على الإنترنت: إنّ كبار مزوّدي الخدمة في مصر بدأوا بتضييق الوصول إلى بعض المواقع، وإنّ تعطيلاً أصاب منصّات للتواصل الاجتماعيّ ومواقع إلكترونيّة إخباريّة، واستهدف الإصدارات العربيّة لوسائل إعلام دوليّة مثل BBC,Alhura,arij.
وأوضحت عبر موقعها الإلكترونيّ في 22 سبتمبر أنّ اثنين من مزوّدي الاتصالات في مصر، هما: المصريّة للاتصالات وراية القابضة للاستثمارات قاما بتعطيل "واسع النطاق" لإمكانيّة الوصول إلى هذه الخدمات والمواقع الإخباريّة. كما تمّ أيضاً تقييد إمكانيّة تصفّح الصور على "فيسبوك"، محذّرة من احتمال تأثير هذه الإجراءات على حريّة وسائل الإعلام والحقّ في حريّة التجمّع، وذلك في وقت تعتبر المعارضة "مُحجّمة" بالفعل في المنطقة، موضحة أنّ الحجب جاء بالتزامن مع ما شهدته مصر من تظاهرات مصحوبة باعتقالات.
وقال مدير الوحدة البحثيّة في مؤسّسة حريّة الفكر والتعبير محمّد عبد السلام خلال تصريح هاتفيّ لـ"المونيتور": "بعد انتشار مقاطع فيديو وتغطيات وسائل الإعلام الأجنبيّة وغيرها لمظاهرات الجمعة، تحرّكت من خلال طريقتين: الأولى، بإصدار بيان من قبل الهيئة العامّة للاستعلامات وإرساله إلى الصحافيّين الأجانب لتخويفهم وتهديدهم باستخدام لهجة غير مباشرة كالقول إنّ عليهم تجنّب تضخيم الأمور أو نقل معلومات من مواقع التواصل الاجتماعيّ. أمّا الثانية فكانت بحجب بعض المواقع بغرض عدم الوصول إلى مصادر معلومات موثوق بحياديّتها".
وتأثّرت وسائل الإعلام الأجنبيّة العاملة في القاهرة بالهجمة الأمنيّة الشرسة على الإعلام والصحافة، حيث أقدمت السلطات المصريّة على حجب موقعيّ قناة "الحرة" وBBC بشكل متقطّع. كما تمّ حجب موقع شبكة "أريج"arij ، وهي شبكة للصحافة الاستقصائيّة، وتعرّض موقع "حبر" الأردنيّ إلى الحجب عقب نشره تغطية إخباريّة عن القبض على شابين أردنيّين من قبل قوّات الشرطة في مصر في تظاهرات 20 سبتمبر.
ونقل موقع BBC عن رئيس المجلس الأعلى للإعلام مكرم محمّد أحمد أنّ المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام في مصر لم يخطر بعد بشكل رسميّ بأسماء المواقع التي حجبت، غير أنّ معلومات المجلس الأوليّة تؤكّد حجب مواقع إخباريّة بسبب نشر أخبار "غير دقيقة" عن المظاهرات.
ويبلغ عدد المواقع المحجوبة في مصر أكثر من 535 موقعاً، وفق ما رصدته مؤسّسة حريّة الفكر والتعبير المصريّة.
ويشار إلى أنّ قطع الاتصالات بشكل جزئيّ أو كليّ هو سلوك انتهجته الأجهزة الأمنيّة في مصر سابقاً إبان ثورة 25 كانون الثاني/يناير من عام 2011، بهدف مواجهة الاحتجاجات والتظاهرات الحاشدة.
وتجدر الإشارة إلى أنّ السلطات المصريّة استندت سابقاً إلى المادّة 67 من قانون تنظيم الاتصالات المصريّ، التي تعطي صلاحيّات واسعة إلى السلطات المختصّة في الدولة أن تخضع لإدارتها كلّ خدمات وشبكات اتّصالات أيّ مشغّل أو مقدّم خدمة، ويشترك الجهاز القوميّ لتنظيم الاتصالات مع القوّات المسلّحة والجهات المختصّة بالدولة في وضع خطّة مسبقة لتشغيل شبكات الاتصالات تنفّذ في الحالات المنصوص عليها بالمادّة 67.
وقال مسؤول التكتيكات التقنيّة في فريق قسم التكنولوجيا وحقوق الإنسان بالمبادرة المصريّة للحقوق الشخصيّة رامي رؤوف: إنّ الدول العربيّة بغالبيّتها عند حجبها المواقع تستخدم طرقاً متنوّعة وفقاً للبنية التحتيّة والموارد التكنولوجيّة التي تستخدمها الشركات، منها مثلاً الحجب وفقاً لأسماء النطاقات أو الحجب وفقاً للأرقام التعريفيّة للمواقع، وهذا الأمر ينطبق على مصر.
أضاف: إلى جانب طرق الحجب المعتاد، توسّعت السلطات في استخدام تكتيكات جديدة بشكل غير مسبوق. وتقنيّاً، حاولت السلطات حجب كلّ أو بعض خدمات عمالقة التواصل الاجتماعيّ، وفي مقدّمتهم "تويتر" و"فيسبوك".
وتابع رامي رؤوف في اتصال هاتفيّ مع "المونيتور": واهم من يتخيّل أنّ حجب المواقع يعني القضاء عليها، فهناك وسائل عدّة تمكّن المتصفّحين من التحايل على هذا الحجب، ومنها استخدام Proxy Server أو.VPN
ومنذ شباط/فبراير من عام 2018، حظّرت السلطات المصريّة خدمة AMP، التي تعمل على تسريع تصفّح الإنترنت، الأمر الذي أثّر على كلّ المواقع الإخباريّة التي يستخدمها المستخدمون لتجاوز الحجب، مثل: CNN، New York Times، Washington post، timeوNewsweek.