القاهرة: رغم مخاوف العديد من المصريّين، وخصوصاً الفقراء، من نوايا الدولة التحوّل من الدعم العينيّ إلى الآخر النقدي.
وقد أشار وزير التموين الدكتور علي المصيلحي خلال حوار على قناة "دي إم سي"، في 14 كانون الثاني/يناير، إلى أنّه يفضّل التحوّل إلى الدعم النقديّ بدلاً من العينيّ، لافتاً إلى أنّ الحكومة تدرس حاليا ذلك التحول إلا إنها لن تخفّض الدعم بأيّ شكل من الأشكال في حال التحوّل إلى النظام النقديّ، وأنّ الهدف من التحوّل هو رفع كفاءة منظومة الدعم.
وكان مجلس الوزراء أعلن، في بيان رسميّ بـ9 كانون الثاني/يناير، أنّه بدأ بمناقشة التحوّل إلى الدعم النقديّ، إلاّ أنّه لم يعلن حتّى الآن تفاصيل المناقشات وما أفضت إليه من اتفاق على التحوّل أم الإبقاء على منظومة الدعم العينيّ الحاليّة كما هي.
وفي بيان يوم 20 ديسمبر/كانون الأول عن المراجعة الثانية لبرنامج الإصلاح الاقتصادي في مصر والذي تم تحت إشراف صندوق النقد الدولي وبقرض/تمويل 12 مليار دولار منه إلى مصر، أكد المجلس التنفيذي للصندوق للمرة الثانية إنه يمكن تعزيز شبكة الأمان الاجتماعي بتحقيق تقدم أكبر، في التحول من دعم المنتجات إلى نظام التحويلات النقدية الأفضل استهدافا للمستحقين.
وكان مركز الدراسات السياسيّة والاستراتيجيّة في حزب الحركة الوطنيّة المصريّة قد أصدر، بـ3 شباط/فبراير، دراسة جديدة عدّدت مميّزات الدعم النقديّ، مقارنة بالعينيّ. وفي هذا الإطار، أشار نائب رئيس الحزب أسامة الشاهد خلال حديث لـ"المونيتور" إلى أنّ الحزب سيقدّم نسختين من الدراسة إلى مجلس الوزراء واللجنة الاقتصاديّة لمجلس النوّاب لتكون جزءاً من الحوار المجتمعيّ الذي تعقده الحكومة قبل اتّخاذ أيّ قرار في خصوص التحوّل إلى الدعم النقديّ.
ولفت أسامة الشاهد إلى أنّ دراسة الحزب سلّطت الضوء على تاريخ منظومات الدعم العينيّ التي تُتمّم في 2020 عامها الـ80 في مصر، وتاريخ مناقشات التحوّل إلى الدعم النقديّ التي بدأت منذ حوالى 20 عاماً بسبب ما تسبّب فيه الدعم العينيّ من إهدار للموارد وعدم الوصول إلى مستحقّي الدعم الحقيقيّين.
وتقدّم الحكومة المصريّة الدعم العينيّ في صورة سلع تموينيّة مثل الزيت والأرزّ والخبز والمعكرونة والشاي بأسعار مخفّضة للمواطنين من معدومي الدخل الذين يعيشون على إعانات الدولة أو أصحاب الدخل غير الثابت/المثبّت في سجلاّت الدولة أو محدودي الدخل (أقلّ من 1200 جنيه/الحدّ الأدنى للأجور).
وتعليقاً على الدراسة والحوار المنعقد بين أروقة مجلسيّ الوزراء والنوّاب من أجل التحوّل إلى الدعم النقديّ، قال الباحث في مركز القاهرة للدراسات الاقتصادية والاستراتيجية عبد الشافي لـ"المونيتور": إنّ التحوّل إلى الدعم النقديّ يحقّق مميّزات عدّة، أبرزها خفض النفقات الضخمة التي تتحمّلها الدولة لتقديم الدعم العينيّ.
وتتمثّل النفقات في تكاليف عقد المناقصات التي يتمّ بناء عليها اختيار الشركات صاحبة السعر الأقلّ نظير توريد السلع لمنافذ صرفها للمواطنين بأسعار مخفّضة، ونفقات نقل السلع من الشركات المنتجة أو المورّدة إلى المنافذ، ورواتب العاملين في المنافذ إذا كانت مملوكة للدولة أو تكاليف استئجار أجزاء من بعض المحال التجاريّة الخاصّة كمنافذ توزيع.
ولفت عبد الشافي إلى أنّ وقف إهدار موارد الدولة على تلك النفقات وتسلّم المواطن الدعم نقديّاً عن طريق المكاتب الحكوميّة أو حسابه البنكيّ، ربّما يساهمان في زيادة حصّة المواطن من الدعم.
وكانت مصادر في مجلس الوزراء، لم تكشف عن أسمائها أو وظائفها، قالت لجريدة "الشروق"، في تقرير بـ12 كانون الثاني/يناير: إنّ الحكومة تدرس زيادة الدعم المقدّم للفرد إلى 200 جنيه، في حال تطبيق نظام الدعم النقديّ المشروط، بدلاً من 140 جنيهاً في حال الحفاظ على منظومة الدعم العينيّ الحاليّة.
وأوضح عبد الشافي أنّ الدعم العينيّ يؤدّي إلى صعوبة في تحديث بيانات متلقّي الدعم أو تحرّي دقّتها، إذ أنّ هناك "مواطنين يقدّمون أوراقاً غير حقيقيّة أو مزيّفة عن حقيقة دخلهم أو يتحسّن دخلهم بحيث يخرجون من بين مستحقّي الدعم من دون أن يخطروا الدولة أو يدّعون أنّهم لا يملكون دخلاً لأنّهم يحصلون عليه من أعمال غير مثبّتة في أوراق الدولة".
وأشار إلى أنّه في حال تحويل الدعم النقديّ إليهم على حساباتهم البنكيّة سيسهّل معرفة قيمة مدخّراتهم من خلال كشوف حساباتهم والبنك المركزيّ الذي يستطيع من خلال قواعد بياناته الكشف عمّا إذا كانوا يملكون حسابات بنكيّة أخرى أو لا، وقال: إنّ حصول غير المستحقّين على السلع المخفّضة يشجّعهم على بيعها في السوق السوداء بسعر أعلى، "وهي نتيجة طبيعيّة لوجود سعرين للسلعة نفسها: سعر داخل منظومة الدعم التموينيّ وآخر خارجها".
ولفت إلى أنّ بيع السلع كافّة بسعر واحد ودعم المستحقّين بالنقد، بحيث يشترون ما يريدونه بالأسعار العاديّة سينهي وجود سعرين للسلعة نفسها. وبالتبعيّة، ينهي السوق السوداء.
ورأى الشاهد أنّ التحوّل إلى الدعم النقديّ، بدلاً من العيني، كان فرصة للعديد من الدول لإعادة النظر في منظومة الدعم برمّتها بإضافة شروط استراتيجيّة، مقابل الحصول على الدعم في ما يعرف إعلاميّاً بـ"الدعم النقديّ المشروط".
ومن بين الشروط الاستراتيجيّة المقترحة، على سبيل المثال، "إلزام متلقّي الدعم بانتظام أطفاله في التعليم المدرسيّ وتقديم تقارير صحيّة محدّدة سنويّاً، مقابل الحصول على الدعم"، حسب تصريحات الشاهد، الذي قال أيضاً: إنّ دراسة الحزب أظهرت أنّ كلّ من البرازيل والمكسيك نجحتا في خفض نسبة التسرّب من التعليم وتحسين الحال الصحيّة للمواطنين. وبالتبعيّة، خفض معدّلات الفقر من خلال تطبيق الدعم المشروط.
وفي السياق ذاته، لفت إلى أنّ العيّنة الأكبر من المستهدفين بدراسة الحزب أبدت عدم ترحيبها بالتحوّل إلى الدعم النقديّ المشروط بسبب مخاوفها من أن يؤدّي إلى ارتفاع أسعار السلع أو عدم توافرها.
وأيّد وجهة نظر المواطنين المشمولين في الدراسة رئيس المنتدى المصريّ للدراسات الاقتصاديّة رشاد عبده، إذ قال لـ"المونيتور": لا يجب الشروع في تطبيق منظومة الدعم النقديّ، بدلاً من الدعم العينيّ، إلاّ في حال وجود آليّة لضبط الأسواق من حيث توافر المنتجات وأسعارها.
ولفت إلى أنّ بعض التجّار وشبكات المحتكرين لبعض السلع التموينيّة استغلّ فرصة تحرير سعر صرف الجنيه المصريّ، مقابل العملات الأجنبيّة في تشرين الثاني/نوفمبر من عام 2016 وما وقع من تضخّم نتيجة القرار، لرفع أسعار السلع بشكل مبالغ فيه، وقال: إنّ توفير السلع من خلال منافذ الدعم بأسعارها المخفّضة ساعد الفقراء نسبيا على تفادي أزمة الغلاء. وإنّ غياب الحكومة مستقبلاً عن تقديم الدعم بصورة سلع عينيّة، في حال إقرار الدعم النقديّ، ربّما يؤدّي إلى موجات غلاء بفعل المحتكرين لدرجة لا يستطيع أن يتحمّلها المواطن.