القاهرة - أعلن وزير الطاقة والصناعة والثروة المعدنيّة السعوديّ خالد عبد العزيز الفالح في 4 آب/أغسطس، استئناف المملكة تصدير النفط عبر مضيق باب المندب، بعدما كانت قد علّقت شحناتها النفطيّة كافّة المقرّر مرورها عبر المضيق منذ 26 تمّوز/يوليو، إثر هجوم من ميليشيات الحوثيّ في اليمن على ناقلتي نفط سعوديّتين أثناء مرورهما في اليوم نفسه.
وجاء قرار عودة تصدير النفط عبر باب المندب عقب ساعات من انتهاء التدريبات البحريّة المشتركة في البحر الأحمر بين الولايات المتّحدة الأميركيّة ومصر والسعوديّة والإمارات العربيّة المتّحدة، وهي التدريبات العسكريّة التي عرفت باسم "تحيّة النسر 2018" واستمرّت من 26 تمّوز/يوليو وحتّى 4 آب/أغسطس. وكشف مصدر مطّلع في هيئة قناة السويس، مفضّلاً عدم ذكر اسمه، لـ"المونيتور" أنّ السلطات العسكريّة المصريّة تفاوضت مع السلطات العسكريّة السعوديّة على هامش التدريب على سرعة إنهاء تعليق تصدير النفط عبر باب المندب.
وقال المصدر المطّلع في تصريحات مقتضبة إلى "المونيتور" إنّ تعليق تصدير النفط السعوديّ عبر باب المندب كان سيتسبّب في أزمة كبرى للملاحة في قناة السويس التي تأمل الدولة المصريّة أن تكون قاطرة لدفع الاقتصاد المصريّ إلى الأمام في السنوات المقبلة، من خلال تنمية محور قناة السويس بعدد من المشاريع الصناعيّة والزراعيّة واللوجيسيتيّة، مشيراً إلى أنّ القرار السعوديّ كاد يعطّل الطموحات المصريّة في قناة السويس.
ويذكر أنّ رئيس هيئة قناة السويس مهاب مميش قال في تصريحات صحافيّة في 27 تمّوز/يوليو، تعليقاً على القرار السعوديّ، إنّ القيادة السياسيّة المصريّة أوصت بدراسة أبعاد استهداف الحوثيّين في اليمن ناقلات النفط السعوديّة في باب المندب على قناة السويس سياسيّاً وماليّاً وعسكريّاً، مشيراً إلى أنّ الهيئة تعكف في الوقت الحاليّ على دراسة هذا الحدث وتداعياته. وشدّد على أنّ الدول المعنيّة بأمن البحر الأحمر ستّتخذ إجراءات تأمين لمنع تكرار هذا الحدث مرّة أخرى، مضيفاً: "الحوثيّون يطوّرون أدائهم، ونحن سنطوّر أداءنا للدفاع عن أهدافنا الحيويّة".
وفي هذا السياق، قال أستاذ الاقتصاد الدوليّ في كلّيّة التجارة في جامعة الأزهر مختار الشريف لـ"المونيتور" إنّ "مصر حقّقت نجاحاً بإقناعها السعوديّة بإعادة تصدير النفط عبر باب المندب"، مشيراً إلى أنّ مرور ناقلات النفط من موانئ شرق السعوديّة إلى مضيق هرمز ثمّ البحر العربيّ وباب المندب إلى البحر الأحمر وقناة السويس يمثّل عنصراً مهمّاً للاقتصاد المصريّ، وأنّ تعليق أيّ دولة تجارتها من خلاله يمثّل من دون شكّ خسارة فادحة لقناة السويس.
وحذّر الشريف من تكرار توجيه الحوثيّين ضربات إلى ناقلات النفط السعوديّ، مشيراً إلى أنّ قناة السويس تساهم بحوالى 2,2% من الناتج المحلّيّ الإجمالي لمصر، وفقاً لإحصاءات عام 2017، كما أنّها تعدّ أحد المصادر الخمسة الأولى للعملة الصعبة بعدما عانت مصر تراجعاً في موارد النقد الأجنبيّ في عامي 2015 و2016.
وقال أستاذ النقل البحريّ ورئيس جامعة قناة السويس الأسبق علي البسيوني لـ"المونيتور" "إنّ أضرار التوتّرات في باب المندب والقرار السعوديّ كانت طفيفة ومحدودة على الاقتصاد المصريّ"، مفسّراً ذلك بأنّ أغلب صادرات النفط السعوديّ تتّجه من السواحل الغربيّة للسعوديّة على البحر الأحمر إلى قناة السويس مباشرة، وأشار إلى أنّ توتّرات باب المندب ستؤثّر على صادرات النفط من الموانئ على السواحل الشرقيّة للسعوديّة والتي تمرّ من هرمز إلى البحر العربيّ ومنه إلى باب المندب ثمّ البحر الأحمر وقناة السويس.
ولفت إلى أنّه من الممكن تمرير صادرات النفط السعوديّة برّاً من شرق المملكة إلى غربها، ثمّ تسلك تلك الصادرات مسار البحر الأحمر ثمّ قناة السويس، من دون المرور بباب المندب على الإطلاق، "لذلك يبدو التأثير محدوداً إلى حدّ كبير"، على حدّ قوله.
واتّفق معه في الرأي الخبير والمستشار اللوجيستيّ لعدد من شركات النقل البحريّ أحمد الشامي، حيث قال لـ"المونيتور" إنّ السعوديّة جهّزت نفسها لاحتمال تعرّض تجارتها البتروليّة إلى مضايقات في باب المندب عن طريق خطّ أنابيب ضخم لنقل النفط من شرق السعوديّة إلى غربها والعكس، ولفت إلى أنّه حتّى في حال تكرار هجمات الحوثيّين على ناقلات النفط السعوديّ وتعليق السعوديّة صادرتها النفطيّة عبر باب المندب، فإنّ ذلك لن يؤثّر في شكل حادّ على إيرادات قناة السويس.
واتّفق معه في الرأي المستشار الماليّ والاقتصاديّ لعدد من المؤسّسات الاستثماريّة خالد الشافعي، حيث قال لـ"المونيتور": "وقف السعوديّة تصدير النفط عبر باب المندب أدّى إلى ارتفاع ملحوظ في أسعار النفط، وربّما يرتفع سعر متوسّط برميل النفط من 67 دولاراً إلى 75 دولاراً إذا عاودت السعوديّة تطبيق قرارها، أي بزيادة نسبتها حوالى 12%، ممّا سيؤدّي إلى تعميق عجز الموازنة، لأنّ الموازنة العامّة للدولة لعام 2018 قدّرت متوسّط سعر برميل النفط بـ67 دولاراً".
وتوقّع الشافعي أن تساهم عودة السعوديّة في تصدير النفط عبر باب المندب في خفض سعر برميل النفط، مشيراً إلى أنّ توقّف التصدير مجدّداً عبر باب المندب ربّما يقود إلى نتيجة ارتفاع سعر النفط نفسها، "لذلك لا بدّ أن تتّخذ مصر إجراءات حاسمة تجاه تأمين الملاحة في المضيق"، على حدّ قوله.
وقال الخبير والمحامي في مجال القانون الدوليّ سعد حسين لـ"المونيتور" إنّ تعرّض الحوثيّين لناقلات النفط السعوديّ أو غيرها في باب المندب سينقل رسالة خطر إلى الأطراف والدول كافّة الراغبة في نقل تجارتها عبر المسار نفسه إلى قناة السويس، "وبالتالي فإنّ ذلك سيؤثّر على إيرادات القناة في شكل مباشر عندما تخاف العديد من الدول من تمرير تجارتها عبر مضيق باب المندب".
لذا يبدو أنّ مصر حرصت على إقناع السعوديّة بتعديل قرارها تجاه المضيق، خوفاً من تأثير القرار على ارتفاع أسعار النفط العالميّ، ممّا سيعمّق عجز الموازنة وخوفاً من التأثير السلبيّ للقرار على الملاحة في مضيق باب المندب ومنه إلى قناة السويس، لذا من المتوقّع أن تقوم مصر بتحرّكات فاعلة في الأيّام المقبلة، خصوصاً بعد التدريب البحريّ المشترك، لتأمين المضيق الذي يعتبر شريان الحياة لقناة السويس.