القاهرة - تحرّكت مصر في مطلع أيلول/سبتمبر الجاري، نحو وقف التصعيد الذي شهدته الحدود الجنوبيّة للبنان، جرّاء تبادل حزب الله اللبنانيّ والجيش الإسرائيليّ إطلاق النار في 1 أيلول/سبتمبر.
وجاء التحرّك المصريّ الأوّل في شأن الموقف في لبنان، عندما هاتف وزير الخارجيّة المصريّ سامح شكري في1 أيلول/سبتمبر رئيس الوزراء اللبنانيّ سعد الحريري للتشاور حول آخر مستجدّات الوضع في لبنان، بعد ساعات من إطلاق النار بين حزب الله وإسرائيل. وقال المتحدّث باسم وزارة الخارجيّة المصريّة أحمد حافظ، في بيان في نفس اليوم، إنّ "الاتّصال جاء في إطار جهود مصريّة حثيثة مع الأطراف المعنيّة كافّة لاحتواء التوتّر الحاليّ، ومنع تدهور الوضع اﻷمنيّ".
واستمرّت مصر في مشاوراتها في شأن الوضع في لبنان، حيث استقبل وزير الخارجيّة المصريّ في 4 أيلول/سبتمبر رئيس الحزب التقدّميّ الاشتراكيّ اللبنانيّ وليد جنلاط، حيث أكّد شكري خلال اللقاء حرص مصر على سلامة لبنان وأمنه واستقراره، وتحقيق المصالح الوطنيّة اللبنانيّة، وتجنيب لبنان مخاطر الصراعات في المنطقة.
وفي 5 أيلول/سبتمبر، استقبل الرئيس المصريّ عبد الفتّاح السيسي وليد جنبلاط، وأكّد له "الاهتمام المصريّ الدائم بكلّ ما فيه مصلحة لبنان وشعبه"، حسب بيان للرئاسة المصريّة في 5 أيلول/سبتمبر.
تناول اللقاء بين السيسي وجنبلاط مناقشة الأوضاع في سوريا وتأثيراتها الإقليميّة، فضلاً عن آخر تطوّرات القضيّة الفلسطينيّة.
ويرى دبلوماسيّون سابقون ومحلّلون سياسيّون تحدّثوا إلى "المونيتور" أنّ الدور المصريّ في لبنان ليس وليد اللحظة بل له جذور تاريخية، كما أنّ القاهرة تدرك أنّ الجبهة اللبنانيّة-الإسرائيليّة مرشّحة إلى الاشتعال السريع، وبالتالي لا ترغب في وجود بؤرة ملتهبة جديدة في منطقة الشرق الأوسط المكتظّة بالأحداث الساخنة.
وقال مساعد وزير الخارجيّة السابق للشؤون العربيّة السفير أحمد القويسني في حديث إلى "المونيتور"، إنّ "مصر تدرك هشاشة البنية السياسيّة في لبنان، فضلاً عن وجود حزب الله الذي يستخدم كمخلب من المخالب الإيرانيّة في المنطقة، وتوظيفه في الصراع بين إيران والعالم الغربيّ، ممّا قد يدفع بالأمور في لبنان نحو مزيد من التوتّر، في حال اندفع حزب الله إلى تصرّف غير محسوب".
وأضاف السفير القويسني: "مصر حريصة على خفض التوتّر على الجبهة اللبنانيّة-الإسرائيليّة، وحريصة على الحفاظ على المقدّرات الاقتصاديّة للبنان، لأنّ القاهرة تدرك أنّ اشتباكاً موسّعاً بين حزب الله وإسرائيل سينتج عنه تدمير للبنية التحتيّة اللبنانيّة".
وعاد الهدوء إلى الجنوب اللبنانيّ في 2 أيلول/سبتمبر، لكن بقيت تخوّفات من احتمال وقوع مواجهة جديدة بين حزب الله وإسرائيل.
وفي 6 أيلول/سبتمبر، أعلن الجيش اللبنانيّ، في بيان، اختراق زورق حربيّ تابع إلى إسرائيل المياه الإقليميّة اللبنانيّة، وإقدام عناصره على توجيه الشتائم باللغة العربيّة عبر مكبّرات الصوت، وإلقاء قنبلة صوتيّة في المياه وإطلاق صفّارات إنذار.
وقال رئيس وحدة الدراسات الإسرائيليّة في المركز القوميّ لدراسات الشرق الأوسط طارق فهمي، في تصريحات هاتفيّة إلى "المونيتور" إنّ "اتّصال وزير الخارجيّة المصريّ بالحريري، ولقاء السيسي بجنبلاط تأكيد أنّ مصر لم تغب عن الساحة اللبنانيّة، ورسالة أنّ القاهرة تقف في مساندة الداخل اللبنانيّ، بما لها من علاقات طيّبة بأغلب الأطراف اللبنانيّة".
وبحسب تقرير نشرته هيئة الاستعلامات (هيئة حكوميّة مصريّة)، في تشرين الثاني/نوفمبر 2017، دعمت مصر لبنان في العديد من المواقف والأزمات، منها مساندة مصر عمليّة السلام في لبنان حتّى انسحبت القوّات الإسرائيليّة في عام 2000. كما ساندت القاهرة بيروت، أثناء الحرب الإسرائيليّة على لبنان في عام 2006، وأعلنت وقوفها إلى جانبها، وقرّرت مصر إصلاح محطّات الكهرباء كافّة التي دمّرها العدوان الإسرائيليّ.
ولعبت مصر دوراً أيضاً في إنهاء الفراغ الرئاسيّ الذي نجم عن مغادرة الرئيس ميشال سليمان قصر بعبدا الرئاسيّ في منتصف عام 2014، حيث أجرى وزير الخارجيّة المصريّ سامح شكري في آب/أغسطس 2016 لقاءات عدّة مع رموز الحركات السياسيّة اللبنانيّة، للوصول إلى نقطة تلاقي تنهي حالة الشغور الرئاسيّ.
"مصر لا تريد بؤرة مشتعلة جديدة، وهذا دور مهمّ للدبلوماسيّة المصريّة التي ترى أنّ الاستقرار في الإقليم يتطلّب تدخّلات سريعة في بعض الملفّات وليس في لبنان فقط"، حسب قول فهمي.
في نظر فهمي، تدخّلت مصر في الملفّ الليبيّ منذ اشتعال الأحداث، عقب رحيل نظام الرئيس الليبيّ السابق معمّر القذّافي في عام 2011، إذ ساندت الجيش الوطنيّ الليبيّ بقيادة خليفة حفتر، كما احتضنت اجتماع القوى الوطنيّة الليبيّة في القاهرة في حزيران/يونيو الماضي.
وفي ملفّ السودان، يرى السفير القويسني أنّ القاهرة ساندت العمليّة السياسيّة في الخرطوم بعد الإطاحة بالرئيس السودانيّ السابق عمر البشير في نيسان/أبريل من العام الجاري.
واحتضنت القاهرة في آب/أغسطس، اجتماعاً بين قوى الحرّيّة والتغيير والجبهة الثوريّة السودانيّة لإجراء مفاوضات في شأن تقاسم السلطة، للإسراع في تشكيل السلطة المدنيّة الانتقاليّة.
وأضاف القويسني: "دور مصر الإقليميّ أيضاً يؤكّد دعمها وحدة الأراضي السوريّة وعودتها دولة قويّة، وأنّ الخليج العربيّ جزء من الأمن القوميّ لمصر، فضلاً عن مساندة القضيّة الفلسطينيّة على المستوى الرسميّ والشعبيّ".
وختاماً، يقول القويسني: "هذه أدوار طبيعيّة لمصر، يرشّحها التاريخ والجغرافيا والموقع والقوّة العسكريّة".