القاهرة: أكَّد المستشار أحمد أبوزيد المتحدث الرسميّ باسم وزارة الخارجية المصريّة في بيانٍ رسميّ في 7 شباط/فبراير الجاري أن اتفاقية ترسيم الحدود البحريّة بين مصر وقبرص لا يمكن لأيّ طرف أن ينازع في قانونيتها، وحذّر أبوزيد من المساس أو الانتقاص من حقوق مصر السيادية في تلك المنطقة وأن أيّ محاولة بذلك تعتبر مرفوضة.
وقد جاء الموقف المصريّ ردًا على تصريحات صحافيّة لوزير الخارجية التركي "مولود جاويش أوغلو" في 4 شباط/فبراير الجاري لصحيفة "كاثيميريني" اليونانية أعلن فيها أن الاتفاقية المُبرمة بين مصر وقبرص في كانون الأول/ديسمبر عام 2013 والخاصة باستغلال المصادر الطبيعية للبلدين في المنطقة الاقتصاديّة الخالصة لهما في شرق البحر المتوسط لا تحمل أيّ صفة قانونيّة ومؤكدّا أن الاتفاقية تنتهك الجرف القاري التركي.
وتعقيبًا على بيان وزارة الخارجيّة المصريّة فقد أشاد به اللواء كمال عامر، رئيس لجنة الدفاع والأمن القومي بالبرلمان، واعتبر في تصريحات صحافيّة في 7 شباط/فبراير الجاري، أنه "رد قويّ يُعبِّر عن صوت مصر، وخاصةً التحذير المصري المتعلق بالمساس بحق مصر السياديّ في تلك المنطقة".
جدير بالذكر أن هناك عدد من الاتفاقيات الثنائية الموقعة بين مصر وقبرص في مجال التنقيب والبحث عن الغاز والبترول في شرق البحر المتوسط لعلَّ أبرزها توقيع الدولتين اتفاقية ترسيم الحدود البحرية بينهما عام 2003 ثم تمّ توقيع اتفاقية تعاون في تشرين الأول/ أكتوبر 2012 في مجال البحث عن البترول والغاز خاصةً في المياه العميقة للحدود بين الدولتين.
ولتوضيح الموقف القانونيّ الخاص بالاتفاقية المُبرمة بين مصر وقبرص عام 2013 يقول دكتور صلاح الطحاوي، أستاذ القانون الدوليّ بجامعة حلوان، في حديثٍ خاص لـ "المونيتور" أن "تلك الاتفاقيّة هي اتفاقية دوليّة تمّت على ضوء ميثاق الأمم المتحدة واتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار، ولذا فإنه بعد توقيع الاتفاقية بين مصر وقبرص والتصديق عليها من برلمان الدولتين فقد أصبحت قانونًا داخليًا لهاتين الدولتين، وبالتالي فهذه الاتفاقية دولية وسارية منذ التوقيع عليها."
ويكمل الطحاوي بأن "بما أن مصر وقبرص دولتان ذات سيادة فإن ما تدّعيه تركيا من حقوقٍ لها في الثروات الطبيعية شرق البحر المتوسط هو تدخُّل غير مقبول ومُجرّم بالقانون الدوليّ ويهدد الأمن والسلم الدوليين."
ويؤكد الطحاوي على أن مصر لها الحق في الدفاع عن نفسها ضد أي عدوان تركيّ في هذه المنطقة الاقتصادية الخالصة، وذلك وفق المادة 51 في الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة.
وكانت العلاقات التركية مع مصر خلال فترة حكم مرسي قد شهدت تقاربًا شديدًا بين البلدين حيث زار أردوغان مصر في تشرين الثاني/نوفمبر 2012 وتم توقيع العديد من الاتفاقيات الاقتصاديّة بين البلدين بجانب التنسيق فيما بينهما في بعض القضايا المشتركة وعلى رأسها القضيّة الفلسطينية.غير أن العلاقات المصرية التركيّة تأزمت بشكل كبير منذ عزل الرئيس الأسبق محمد مرسي في تموز/يوليو عام 2013، حيث جاء الموقف التركي الرسميّ ليرفض عزل مرسي ويعتبر ما حدث معه بمثابة "انقلاب"، وقد أكّد رئيس الوزراء التركي رجب طيّب أدوغان في مناسباتٍ عدة بأن مرسي هو "رئيس مصر الوحيد الشرعيّ".
وهو ما أثار حفيظة الحكومة المصريّة التي قامت بتخفيض مستوى العلاقات مع تركيا إلى قائم بالأعمال وقامت بطرد السفير التركي في مصر واستدعاء السفير المصريّ في أنقرة، وذلك في تشرين الثاني/ نوفمبر 2013.
وفي المقابل فقد شهدت العلاقات المصريّة القبرصيّة تحسُّنًا كبيرًا منذ تولّي الرئيس عبدالفتاح السيسي حكم مصر عام 2014، حيث قام الرئيس السيسي بزيارة قبرص عام 2015 كأول رئيس مصريّ يقوم بزيارة رسميّة إلى قبرص ثم زارها مرةً أخرى في تشرين الثاني/نوفمبر عام 2017.
وقد نجحت مصر في انتهاج دبلوماسيّة تعاونيّة ناجحة من أجل تعظيم استفادتها من مصادر الطاقة في شرق البحر المتوسط، وقد تجلّى ذلك بوضوح في تشرين الأول/أكتوبر عام 2016 حين استضافت مصر القمة الثلاثية التي جمعتها مع كلٍ من قبرص واليونان، وقد صدر عن تلك القمة "إعلان القاهرة"، الذي تضمن تعزيز التعاون بينهم من خلال سلسلة من الاتفاقات بشأن استكشاف ونقل الغاز الطبيعي في حدودهم البحريّة المشتركة.
ويصف دكتور طارق فهمي، أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة، تصريحات وزير خارجية تركيا بأنها "عدائية"، وأنها "هي والعدم سواء لأنها لا تؤثر على طبيعة الاتفاقية القائمة بين مصر وقبرص".
ويضيف فهمي في حديثٍ خاص لـ "المونيتور" بأن "التوقيت له دلالاته وله أبعاده، ويمكن قراءة التصريحات التركية في إطار افتتاح مصر لحقل ظهر للغاز الطبيعي في أواخر كانون الثاني/يناير الماضي، والذي يعتبر أكبر اكتشاف للغاز من نوعه في شرق المتوسط"
ويكمل فهمي بأن "القوات البحرية المصريّة تستطيع حماية حقوق مصر في إقليم شرق المتوسط، وتركيا تعي ذلك جيدًا خاصةً وأن مصر كانت قد جاءت في المرتبة السادسة عالميًا والأولى عربيًا وإفريقيًا في القوة البحرية وفق تصنيف موقع جلوبال فاير باور خلال عام 2017"
ويضيف فهمي بأن "الموقف التركي لا يرتبط بمصر فقط ولكن يرتبط بخلافات كبيرة أيضًا مع قبرص من جانبٍ آخر، وعلى الدولتين تنسيق المواقف فيما بينهما لصدّ أيّة محاولات تركية للنيل من حقوقهما".
جدير بالذكر أن الرئيس السيسي كان قد ذكر خلال كلمته في افتتاح حقل ظهر في 31 كانون الثاني/يناير الماضي أن ترسيم الحدود البحريّة مع قبرص ساهم بشكل كبير في اكتشاف الحقل الذي أعلنت عنه شركة الطاقة الإيطالية "إيني" لأول مرة في آب/أغسطس عام 2015.
وأشار وزير البترول طارق الملا خلال كلمته في الافتتاح إلى أن إنتاج حقل ظهر من الغاز الطبيعي سيوفر لمصر ما يعادل 3 مليار دولار سنويًا بنهاية هذا العام مع تحقيق الاكتفاء الذاتي.
ويمكن القول بأن منطقة شرق البحر المتوسط أصبحت بؤرة جديدة لتأجيج الخلاف بين مصر وتركيا خاصةً في ظل الإصرار التركيّ على عدم تصفير المشكلات مع القاهرة بما يؤكد على أن أيّة محاولات لتحقيق التقارب بين البلدين خلال المرحلة المقبلة أمرًا صعب التحقُّق.