لقاهرة - كثّفت مصر خلال الأيّام القليلة الماضية ملاحقاتها الديبلوماسيّة والإعلاميّة لنظام الرئيس التركيّ رجب طيّب أردوغان، عبر توجيه خطابات رسميّة إلى منظّمات دوليّة بضرورة "محاسبته" على ما اتّهمته به من "دعم الإرهاب وإيواء المتطرّفين"، والدعوة إلى اجتماع طارئ في جامعة الدول العربيّة للتنديد بالهجوم التركيّ في شمال سوريا. وبدأ هذا التصعيد الأمميّ عبر توجيه القاهرة خطاباً رسميّاً، في 25 أيلول/سبتمبر، إلى رئيس الجمعيّة العامّة وسكرتير عام الأمم المتّحدة تيجاني محمد باند ضدّ رجب طيّب أردوغان، مع الإشارة إلى التنديد بسياساته الخارجيّة في هذه الشكوى، التي قدمها الممثل الدائم للبعثة المصرية لدى الأمم المتحدة، السفير محمد إدريس، بالتزامن مع انعقاد اجتماعات الدورة 74، وذكر صراحة فيها إنّها تتضمّن "رعاية للإرهاب في سوريا، ودعماً للميليشيات المسلّحة المتطرّفة في ليبيا"، فضلاً عن "جرائمه ضدّ شعبه وبحقّ الأكراد".
ولا ينفصل هذا التحرك المصري عن العلاقات المتوترة بين الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي ونظيره التركي رجب طيب أردوغان، منذ عام 2013 بسبب موقف الرئيس التركي المناهض ل أحداث 30 يونيو (2013) التي أدّت إلى عزل الرئيس الإخوانيّ محمّد مرسي، وإطلاق إردوغان عدداً من التصريحات التي اعتبرتها مصر «عدائية» ضد رئيسها، وقررت على أثرها استدعاء سفيرها إلى القاهرة، وطرد سفير أنقرة.
كما أكّد وزير الخارجيّة المصريّ سامح شكري خلال لقائه مع مبعوث الأمم المتّحدة الخاص إلى سوريا جير بيدرسون، على هامش أعمال الدورة الـ74 للجمعيّة العامّة للأمم المتّحدة في نيويورك، بـ28 أيلول/سبتمبر، "حتميّة عدم التهاون في محاسبة الدول الإقليميّة الراعية والداعمة للجماعات الإرهابيّة في سوريا".
وامتدّ التصعيد المصريّ إلى استضافة فضائيّة TEN المحليّة المصريّة المعارض التركي البارز فتح الله غولن، في 29 أيلول/سبتمبر، الذي هاجم أردوغان، متّهماً إيّاه بـ"استغلال الشعارات الدينيّة من أجل شرعنة الفساد في البلاد".
وكانت الحلقة الأخيرة في هذا التصعيد المصريّ تجاه أردوغان، هي دعوة سامح شكري وزراء الخارجيّة العرب إلى اجتماع طارىء في جامعة الدول العربيّة، ردّاً على الهجوم التركيّ في شمال سوريا، بـ9 تشرين الأوّل/أكتوبر، حيث شدّد عبر بيان رسميّ على "مسؤوليّة المجتمع الدوليّ، ممثلّاً في مجلس الأمن، في التصدّي لهذا التطوّر البالغ الخطورة الذي يهدّد الأمن والسلم الدوليّين، ووقف أيّ مساع تهدف إلى احتلال أراض سوريّة".
وعجّلت هذه الدعوة انعقاد مؤتمر لوزراء الخارجيّة العرب في القاهرة، بـ12 تشرين الأوّل/أكتوبر، والذي انتهى بمجموعة من التوصيات شملت تشكيل لجنة من جانب الجامعة لمتابعة الهجوم التركي وتطوراته، وإدراج "التدخّلات التركيّة في الدول العربيّة" كبند دائم على جدول أعمال جامعة الدول العربيّة، واعتبار الهجوم التركيّ "تهديداً مباشراً للأمن القوميّ العربيّ وللأمن والسلم الدولييّن".
وتزامن ذلك مع استقبال شكري، في ١٢ تشرين الأوّل/أكتوبر الجاري، وفداً من "مجلس سوريا الديمقراطيّة"، حيث جدّد خلال لقائه إدانة مصر العدوان التركيّ على سوريا، واعتباره احتلالاً لأراضي بلد عربيّ شقيق، مؤكّداً أنّ مقاومته تعدّ حقّاً شرعيّاً للدفاع عن النفس بموجب المادّة ٥١ من ميثاق الأمم المتّحدة.
وإنّ "مجلس سوريا الديمقراطيّة"، هو الجناح السياسيّ لـ"قوات سوريا الديمقراطيّة"، التي يقودها الأكراد في تشكيل إدارة موحّدة للمناطق الخاضعة لسيطرتها في شمال وشرق سوريا، وتدافع ضدّ القوّات التركيّة.
من جهته، أشار جمال بيّومي، وهو مساعد وزير الخارجيّة الأسبق، إلى أنّ تحرّكات مصر الأمميّة ضدّ تركيا هدفها حشد الرأي العالميّ عبر المحافل الإقليميّة والأمميّة ضدّ سياسة أردوغان الداعمة للتنظيمات الإرهابيّة، خصوصاً بعد الهجوم العسكريّ الأخير ضدّ سوريا، كاشفاً أنّ جهود مصر تمتدّ إلى تكليف البعثات الديبلوماسيّة في سفاراتها بالخارج بنقل رسائل ومذكّرات إلى قادة هذه الدول حول الدور التركيّ في دعم الإرهاب في ليبيا وسوريا، وإظهار صلابة الموقف المصريّ ومتانته.
أضاف: "إنّ الأهمّ من صدور قرار أمميّ بشأنها من عدمه، هو كونها وسيلة في خفض شعبيّته وفضح جرائمه ونزع عنه الشرعيّة الدوليّة تباعاً، وهو الأمر الذي ظهر في المواقف الدوليّة الرادعة له عقب الهجوم التركيّ، بالتزامن مع التحرّك المصريّ ضد الهجوم التركي في الأمم المتحدة ".
وطالبت العديد من الدول الغربية والمنظمات الدولية تركيا بوقف هجومها على شمال شرق سوريا، معربين عن خشيتهم من أن تؤدي العملية العسكرية التركية إلى زيادة عدم الاستقرار في المنطقة، كما أعلن بعضهم فرض عقوبات اقتصادية وعسكرية على أنقرة.
وأعلن الجيش التركي، في 17 أكتوبر، إيقاف العملية العسكرية التركية شمال شرق سوريا، وتعليق عملية "نبع السلام" التركية والسماح بانسحاب القوات الكردية.
من جهته، رأى الخبير المختص في الشأن التركي والإيراني في "مركز الأهرام للدراسات السياسيّة والاستراتيجيّة" بالقاهرة، محمّد عبّاس ناجي أنّ محاولة الحشد الدوليّ المصريّ هي استمرار لسياسة مصر الخارجيّة، وليست أمراً متغيّراً عليها في مكافحة الإرهاب بشتّى الطرق، مؤكّداً أنّ التحوّل الجديد فقط هو نجاح مصر في كسب دعوتها صدى وأثراً ملموساً ظهرا في تطابق مواقف القوى الدوليّة معها المندّدة "بالعدوان التركيّ" ضدّ سوريا، وقال في اتّصال هاتفيّ مع "المونيتور": إنّ الأثر الأكبر لهذا الدور المصريّ في محيطه الإقليميّ هو بداية بلورة موقف عربيّ أكثر تماسكاً حيال الدور التركيّ في الشرق الأوسط.
أضاف: هذه الجهود تهدف إلى تأسيس كتلة عربيّة لها قوّة اقتصاديّة وسياسيّة وعسكريّة تؤثّر في قضايا الإقليم وتقف أمام الدور التركيّ، كما حدث في الأزمة الليبيّة التي نجحت مصر خلالها في التضييق على الدور التركيّ عبر دعم المؤسّسات الليبيّة الموحّدة، وعلى رأسها القوّات المسلّحة الليبيّة (قوات المشير خليفة حفتر)، على خلاف النهج التركيّ الذي راهن على الميليشيات في طرابلس، وأمدّها بالسلاح على مدار السنوات الماضية.