تونس — أعلنت المسؤولة المحلّيّة لحركة النهضة في مدينة نيس الفرنسيّة هاجر بركوس يوم الأربعاء في 15 كانون الثاني/يناير استقالتها من الحركة، مؤكّدة أنّ قرارات حركة النهضة وخطاباتها وأنشطتها لم تعد تمثّلها، وشدّدت على أنّ عودتها إلى النشاط الحزبيّ مع حركة النهضة مرتبطة بجدّيّة الإصلاحات الواجب إجراؤها داخل هياكل الحزب.
هذا وأعلن القياديّ زياد بوخملة، يوم الثلاثاء في 14 كانون الثاني/يناير 2020، في تدوينة على حسابه على موقع "فايسبوك"، عن استقالته من الحزب، بعد سنوات من النشاط داخل هياكله، من دون الكشف عن الأسباب التي دفعته إلى مغادرته.
وكتب هشام العريض، الذي يعدّ من القيادات النشيطة في السنوات الأخيرة، وهو نجل الأمين العامّ المساعد للحركة ورئيس الحكومة الأسبق علي العريض الذي تولّى رئاسة الحكومة في عام 2013 يوم الثلاثاء في 14 كانون الثاني/يناير، في تدوينة نشرها على حسابه على "فيسبوك"، قبل أن يستقيل إثر احتجاجات شعبيّة في أواخر العام ذاته، أنّه قدّم استقالته بعد 10 سنوات من الانضمام إلى الحركة، من دون أن يكشف في نصّ التدوينة عن الأسباب المباشرة للاستقالة.
ولا تعدّ هذه الاستقالات الأولى في الحركة، إذ شهدت في 17 أيلول/سيبتمبر 2019 استقالة مدير مكتب الغنّوشي زبير الشهودي، الذي طالب رئيس الحركة الغنّوشي باعتزال العمل السياسيّ، فضلاً عن استقالة النائب في حركة النهضة ووزير التنمية والاستثمار والتعاون الدوليّ سابقاً زياد العذاري، يوم الخميس في 28 تشرين الثاني/نوفمبر 2019، من كلّ المناصب القياديّة في الحركة، ومن الأمانة العامّة والمكتب التنفيذيّ، بسبب عدم رضاه عن الخطّ السياسيّ للحركة، واختيار الحبيب الجملي رئيساً الحكومة.
وجاءت الاستقالات، التي تتزامن مع المؤتمر الـ11 للحركة الذي لم يحدّد موعده، بسبب اختلاف المواقف حول الخيارات السياسيّة، منها اختيار حركة النهضة الجملي كرئيس للحكومة والذي فشل في نيل ثقة البرلمان وتسيير الشأن العامّ، وبسبب خلافات داخليّة، أهمّها تعديل قوانين التنظيم الداخليّ لصالح الغنّوشي، في صورة تغييرها يسمح له بالاستمرار في الحكم، وهو ما يرفضه شقّ واسع في الحركة.
ووصف القياديّ في حركة النهضة علي العريض، في تصريح إلى "المونيتور"، استقالة نجله هشام العريض وعدد من قيادات الحركة، بـ"الوضع الطبيعيّ داخل الحركة التي تسيطر على المشهد السياسيّ منذ 9 سنوات، وتشهد حالة تجديد من الداخل، وحالة نضج من قيادات شابّة ترى لها مكاناً أكبر داخل الحركة"، مبيّناً أنّ شباب الحركة ليسوا كالكهول، فهم يريدون التغيير والتطوّر بسرعة، في علاقة بتشكيل الحكومة وبإدارة الشأن العامّ، واعتبر أنّ ذلك يدخل ضمن ديمقراطيّة الاختلاف.
وقال العريض إلى "المونيتور" إنّ الاستقالات الأخيرة داخل حركة النهضة رسالة إلى قيادات الحركة العليا بضرورة المراجعة والتغيير، مشيراً إلى أنّ الحركة تعيش هذه الفترة أصعب فتراتها، بسبب تراجع شعبيّتها والأخطاء المتكرّرة التي أظهرت ضعف خياراتها وتوجّهاتها في مرحلة ما بعد الانتخابات التشريعيّة والرئاسيّة الأخيرة.
وكان رئيس مجلس شورى حركة النهضة عبد الكريم الهاروني قد اعتبر في تصريح خاصّ إلى إذاعة "موزاييك" الخاصّة يوم الأربعاء في 15 كانون الثاني/يناير 2020، أنّ الحركة تواصل الحوار مع شبابها لإقناعهم بالتراجع عن هذه الاستقالات للمحافظة على وحدتها.
هذا ويعتبر المحلّل السياسيّ محمّد بوعود، في تصريحه إلى "المونيتور" أنّ هذه الاستقالات أشبه بحالة تمرّد يضرب البيت الداخليّ للحركة التي تراجع عدد مقاعدها البرلمانيّة في شكل ملحوظ من 89 نائباً في انتخابات عام 2014 إلى 54 نائباً في الانتخابات التشريعيّة في عام 2019، معتبراً أنّ حركة النهضة بدأت تفقد سيطرتها على المشهد السياسيّ، خصوصاً بعد فشلها الأخير في 11 كانون الثاني/يناير في تمرير حكومة الجملي، نتيجة خيارات الغنّوشي وسياساته الخاطئة وانفراده بالرأي.
وتابع أنّ "هناك صراعاً داخل حركة النهضة بين تيّار يسمّي نفسه إصلاحيّاً ويضمّ مجموعة من القيادات الشبابيّة التي تطالب بتغيير قياديّ وإداريّ داخل الحركة، من دون أن ترتقي إلى مستوى الخطّ السياسيّ المتمايز عن الخطّ الرسميّ للحركة، وتيّار ثانٍ يمنح نفسه الشرعيّة، وهو الذي انتصر في المؤتمر العاشر لحركة النهضة في أيّار/مايو 2016 وتمثّله رئاسة الحركة ومكتبها التنفيذيّ ومؤسّساتها الرسميّة".
وشدّد الأستاذ في العلوم السياسيّة في مركز البحوث الاقتصاديّة والاجتماعيّة في تونس ابراهيم العمري، في تصريحه إلى "المونيتور"، على أنّ الاستقالات المتواترة من حركة النهضة مرتبطة بالوضع السياسيّ غير المستقرّ في البلاد، بصفة عامّة، وبسياسات الحركة المرتبكة، بسبب تباين وجهات النظر في شكل خاصّ.
وحول أسباب هذه الاستقالات التي عرفتها تونس منذ ثورة عام 2011، رجّح العمري في تصريح إلى "المونيتور" أنّها جاءت نتيجة اختلاف لسببين، هما الاختلاف في المواقف السياسيّة أو بسبب الصراع حول توزيع حقائب وزاريّة كاستقالة زياد العذاري، مشيراً إلى أنّ الاستقالات في حركة النهضة باعتبارها التيّار الحاكم منذ 9 سنوات، ناتجة عن اختلافات داخليّة بدأت تظهر من خلال استقالات ونقد لاذع وعلنيّ، وتبقى استقالات محدودة، ولكن ذلك لا يحجب مشكلة تنظيميّة تجعلها عرضة للانشقاقات.
من جهته، توقّع رئيس صحيفة صوت الشعب عبد الجبّار المدوري حصول المزيد من الاستقالات في الفترة المقبلة، واتّساع دائرة الخلافات، مع قرب مؤتمر الحركة الوطنيّ، الذي سيشهد منافسة شديدة بين قائمات وقيادات في الحركة حول خلافة الغنوشي على رأس الحزب، موضحاً أنّ هذه الاستقالات مؤشّر سلبيّ إلى بداية انهيار تنظيم الحزب الإسلاميّ (النهضة) في شكل يكرّر تشتّت الجبهة الشعبيّة، وحزب نداء تونس والمؤتمر من أجل الجمهوريّة بعد ثورة عام 2011.
و في هذا السياق، يرى الباحث في علم الاجتماع معاذ بن نصير في حديث إلى "المونيتور" أنّ هروب الشباب المتحزّب من حركة النهضة يفسّر ضمن سياق شبابيّ عامّ، وهو ثقافة التمرّد على المألوف، وخصوصاً التنظيمات الحزبيّة، فالشباب التونسيّ منذ عام 2011 تخلّى عن الموروثات السوسيو-ثقافيّة، وأسّس لنفسه تموقعاً ضمن الفضاء السياسيّ العامّ، وخصوصاً المستقلّ.
كما يعتبر بن نصير، في التصريح ذاته، أنّ بعض الفئات العمريّة الأخرى استقال من حركة النهضة بسبب فقدانها الثقة في قيادات الحركة بعد سنوات من الانخراط والتبعيّة الحزبيّة، فضلاً عن تعالي أصوات الشباب المنادية بضرورة خلق بديل للواقع السياسيّ في تونس لا يخضع إلى الأحزاب الكلاسيكيّة.