قطاع غزّة، مدينة غزّة — بدأ للمرّة الأولى في قطاع غزّة يوم الأحد في 5 آب/أغسطس 2018، استيراد الغاز المصريّ، بهدف تلبية بعض حاجات السوق المحلّيّ، في الوقت الذي يعاني فيه الفلسطينيون من عجز كبير في كميات الغاز الواردة إلى القطاع.
وأعلن مدير الإدارة العامّة للبترول في غزّة خليل شقفة، في تصريحات إذاعيّة، يوم الأحد في 5 آب/أغسطس، إدخال 250 طنّاً من غاز الطهي من مصر، عبر معبر رفح البرّيّ. ولم يتم تحديد ما إذا كان سيتم إدخال هذه الكمية يومياً.
وقال وإنّ الأيّام المقبلة ستشهد ترتيبات فنّيّة مع الجانب المصريّ، من أجل جدولة إدخال الغاز بشكل منتظم. وإلى حين ذلك، فقد تواصل إدخال شاحنات الغاز المصري إلى القطاع بكميات مختلفة.
يأتي ذلك بعد أيّام قليلة من إعلان وزير الدفاع الإسرائيليّ أفيغدور ليبرمان، يوم الخميس الماضي في 1 آب/أغسطس 2018، وقف إدخال إمدادات الوقود والغاز الطبيعيّ إلى قطاع غزّة عبر معبر كرم أبو سالم التجاريّ، ردّاً على مواصلة إطلاق بالونات حارقة من غزّة.
وقد قررت إسرائيل مواصلة إغلاق المعابر مع قطاع غزة وتشديد الحصار عليه؛ بسبب استمرار الحرائق في المستوطنات الإسرائيلية في غلاف غزة؛ الناتجة عن البالونات الحارقة التي يتم إطلاقها من القطاع.
وسبق أن تبنّى رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، في 9 يوليو الماضي، توصيات قادة الجيش بإغلاق معابر غزة؛ في محاولة منه لممارسة مزيد من الضغط على حركة حماس في غزة؛ لوقف إطلاق البالونات الحارقة.
ولم يؤدي التصعيد الأخير وتبادل إطلاق الصواريخ بين الفصائل الفلسطينية وإسرائيل في غزة إلى تغيير في القيود التي تفرضها الأخيرة على القطاع.
ويعتبر كرم أبو سالم المعبر التجاريّ الوحيد لسكّان غزّة، وتجري عمليّة تشديد من قبل السلطات الإسرائيليّة على حركة دخول البضائع التجارية والوقود والغاز الطبيعي.
وتقدّر الاحتياجات الشهريّة لقطاع غزّة من غاز الطهي بنحو 8000 طنّاً، ويبلغ متوسط ما يدخل من السلطات الإسرائيلية عبر معبر كرم أبو سالم من (5000 إلى6000) طن شهريًا، ليصبح العجز من (2000 الى 3000) طن شهريًا، وفق الهيئة العامّة البترول.
وقد علم مراسل "المونيتور" من مصادر فلسطينيّة مطّلعة في غزّة، رفضت الكشف عن هويتها، أنّ مصر قرّرت تقديم تسهيلات جديدة للقطاع تساهم في تخفيف حدّة الأوضاع المعيشيّة الصعبة فيه، مثل السماح للفلسطينيين في غزة بالسفر إلى السعودية لأداء "العمرة"، وذلك بعد منعها منذ أربع سنوات، أي من عام 2014.
وقالت المصادر إنّ القاهرة وافقت، الأحد 5 أغسطس، على إدخال الغاز المصريّ إلى غزّة بما يسمح بسدّ النقص في الكميات المورّدة من إسرائيل، إضافة إلى إبقاء معبر رفح البرّيّ مفتوحاً، وتسهيل عمليّة السفر للفلسطينيّين عبره "في الأيام المقبلة".
في هذا السياق، يؤكّد مدير عام التخطيط والسياسات في وزارة الاقتصاد الوطنيّ في غزّة أسامة نوفل، أنّ السماح بإدخال الغاز المصريّ إلى القطاع جاء بعد منع السلطات الإسرائيليّة إدخال الغاز والوقود عبر معبر كرم أبو سالم.
لكنّ نوفل أشار في حديث إلى "المونيتور" إلى أنّ كمّيّات الغاز التي تدخل عبر مصر لن تكفي حاجات سكّان غزّة، وقال: "القطاع يحتاج إلى 250 طنّ غاز مصريّ يوميّاً لتغطية الاحتياج الشهري لغزة من غاز الطهي". علماً أن الغاز الإسرائيلي الوارد إلى غزة لم يكن يلبي كامل احتياجاتها.
وأضاف أنّ تغطية العجز تتطلّب "استدامة" في إدخال الغاز المصريّ.
وذكر نوفل أنّ السلطة الفلسطينيّة تعتبر "الخاسر الأوّل" من عمليّة إدخال الغاز المصريّ إلى غزّة، موضحاً أنّ إيرادات السلطة من الضرائب على الوقود الوارد إلى القطاع تبلغ حوالي 26 مليون دولار شهريّاً.
ومن المقرر أن تقوم وزارة المالية في غزة بتحصيل ضرائب الغاز المصري الوارد لغزة، لصالح خزينتها، دون تحويلها إلى السلطة الفلسطينية. فقد ذكرت الوزارة، في بيان صحافي صدر عنها الاثنين 6 أغسطس 2018، أن شراء الغاز المصري يتم بالسعر الدولي، مضافاً إليه تكاليف النقل والتأمين وصولًا لقطاع غزة.
وأوضحت المالية أن هامش الإيراد للحكومة في غزة عن كل أسطوانة غاز تقريبًا (3) شواكل، "شاملة المصاريف الادارية والفنية، كذلك المتابعة والمراقبة وتوزيع الحصص على المحطات".
وتجبي السلطة 7 شواكل (دولارين) على كلّ أسطوانة غاز في القطاع، بحسب الوكيل المساعد لوزارة الماليّة في غزّة عوني الباشا، أثناء ورشة عمل نظّمها مركز الدراسات الإقليمية في غزة في 16 نيسان/أبريل الماضي.
وتفرض وزارة المالية لدى السلطة الفلسطينية ضريبة محروقات (بلو) بنسبة 100% من السعر الأساسي لمشتقات الوقود المباعة في السوق الفلسطينية، بما فيها غاز الطهي؛ تطبيقاً لأحد بنود بروتوكول باريس الاقتصادي المنظم للعلاقة الاقتصادية بين فلسطين وإسرائيل.
وهنا، يؤكّد رئيس لجنة الغاز في جمعيّة أصحاب شركات الوقود في غزّة سمير حمادة، أنّ سعر غاز الطهي المصريّ زنة كيلو لن يشهد تغييراً مقارنة بسعر الغاز الإسرائيليّ البالغ 5 شواكل، أي نحو دولار ونصف.
وقال حمادة لمراسل "المونيتور" إنّ إدخال الغاز يتمّ بتنسيق بين السلطات المصريّة ووزارة الماليّة في غزّة، وإنّ هناك ترتيبات فنّيّة لإدخال مزيد من "شاحنات الغاز المصريّ".
وبحسب المصادر الفلسطينيّة التي تحدّثت إلى "المونيتور"، فإنّ إدخال الغاز المصريّ إلى القطاع كان تتويجاً لاتّفاقيّة تمّ التوصّل إليها أثناء زيارة وفد حكوميّ من غزّة إلى القاهرة في 26 حزيران/يونيو الماضي.
وغادر الوفد في حينه إلى القاهرة والتقى مسؤولين مصريّين لمناقشة تنفيذ مشاريع اقتصاديّة تتعلّق بغزّة، منها التبادل التجاريّ، وإقامة منطقة تجارة حرّة على الحدود المشتركة.
وقد صرّح رئيس قطاع الشؤون الماليّة والطاقة في غزّة يوسف الكيالي –الذي كان ضمن الوفد الحكوميّ- في بيان صحافيّ في 11 تمّوز/يوليو الماضي، بأنّ الزيارة كانت "مثمرة وناجحة"، وبأنّه تمّ الاتّفاق مع الجانب المصريّ على توفير المستلزمات الأساسيّة لسكّان غزّة، وبأنّ تحسّناً سيطرأ على كمّيّات الوقود الواردة إلى القطاع وأنواعها، مثل البنزين والسولار إضافة إلى غاز الطهي.
في هذا الإطار، يؤكّد مدير الهيئة العامّة للبترول في قطاع غزّة شقفة أنّ الغاز المصريّ الوارد إلى غزّة لن يكون بديلاً عن الغاز الإسرائيليّ. وقال في حديث خاصّ بـ"المونيتور" إنّ القطاع يعاني من عجز في غاز الطهي يقدّر بين ألفي و3 آلاف طنّ شهريّاً، وإنّ الغاز المصريّ جاء لتغطية جزء من هذا العجز.
ويأمل الفلسطينيّون في غزّة أن يؤدّي استمرار تدفّق الغاز المصريّ إلى سدّ النقص في الكميات المطلوبة شهرياً من غاز الطهي وأن يكون مقدّمة لتعاون اقتصاديّ أكبر مع مصر.
وتبقى الأمنية الأكبر للفلسطينيّين أن يتحقّق حلم استخراج الغاز الفلسطينيّ الخاصّ بهم، حيث يقع على بعد 37 كيلومتراً من شاطئ غزّة حقل "غزّة مارين"، وتمّ اكتشافه في نهاية تسعينيّات القرن الماضي، ويحتوي على ما يقدّر بنحو تريليون قدم مكعّب من الغاز الطبيعيّ.
ومن شأن تطوير هذا الحقل، المساهمة في مبلغ يقدّر بحوالى ملياري دولار من العائدات السنوية لصالح دولة فلسطين، وسدّ حاجات السوق الفلسطينيّ من الغاز، وعدم حاجة قطاع غزة إلى استيراده. ومن المتوقع أن يبدأ العمل فيه في العام 2021، في حال لم يكن هناك رفض إسرائيلي لذلك.