القاهرة — بدأت مصر بالتحرّك دوليّاً لمواجهة مساعي تركيا في السيطرة على مصادر الطاقة بشرق البحر المتوسّط، وأعلنت وزارة البترول المصريّة في بيان صحافيّ ب14 كانون الثاني/يناير الجاريأنّ 7 دول في شرق البحر المتوسّط اتّفقت على إنشاء ما سُمّي بـ"منتدى غاز شرق المتوسّط" على أن يكون مقرّه القاهرة، في محاولة لتعزيز الاستفادة من المنطقة الغنيّة بالطاقة، التي تقدّر احتياطيّات الغاز الطبيعيّ فيها بحوالى 122 تريليون قدم مكعّب.
وأعلنت تركيا في 30 تشرين الأوّل/أكتوبر من عام 2018 عن أوّل عمليّة تنقيب عن النفط والغاز في البحر المتوسّط قبالة ساحل أنطاليا. وحذّر وزير الطاقة والموارد الطبيعيّة التركيّ فاتح دونماز خلال مراسم الإعلان عن إطلاق سفينة التنقيب من التعرّض لهذه السفينة، قائلاً: "القوّات البحريّة التركيّة ستقوم بما يلزم، في حال تعرّضها إلى أيّ مضايقات".
وجاء الإعلان التركيّ، عقب قمّة ثلاثيّة بين رؤساء مصر وقبرص واليونان، أقيمت في جزيرة كريت، بـ10 تشرين الأوّل/أكتوبر من عام 2018، اتّفقت فيها الدول الثلاث على إنشاء هذا المنتدى.
وتسعى الدول الـ7، وهي: "مصر وإسرائيل وقبرص واليونان وإيطاليا والأردن والسلطة الفلسطينيّة"، إلى العمل على إنشاء سوق إقليميّة للغاز وترشيد تكلفة البنية التحتيّة وتقديم أسعار تنافسيّة.
وأشار المتحدّث باسم وزارة البترول المصريّة حمدي عبد العزيز إلى أنّ فكرة المنتدى جاءت في إطار مساعي تحويل القاهرة إلى مركز إقليميّ دوليّ لتبادل وتجارة الطاقة من خلال الاستفادة من حجم الغاز الطبيعيّ المتواجد في منطقة شرق البحر المتوسّط للدول الأعضاء. وقال في تصريحات هاتفيّة لـ"المونيتور": إنّ مصر تسعى إلى تعظيم دورها عبر استيراد الغاز وإعادة تصديره إلى أوروبا من خلال استغلال البنية التحتيّة من شبكات ومحطّات تسييل الغاز عبر تحويل ما يزيد من الإنتاج بعد تغطية الطلب المحليّ إلى الخارج، فضلاً عن الاستفادة من عائدات مرور الغاز الطبيعيّ من القاهرة وإليها.
وتوقّع حمدي عبد العزيز زيادة حجم استثمارات القطاع الخاص في مجال الغاز الطبيعيّ المسال في مصر، بالتعاون بين دول أعضاء المنتدى، في ضوء قانون تنظيم أنشطة سوق الغاز الذي أصدرته الحكومة في عام 2017.
ويوجد في مصر مصنعان لإسالة الغاز الطبيعيّ، الأوّل "مصنع إدكو" الذي تملكه "الشركة المصريّة للغاز الطبيعيّ المسال"، ويضمّ وحدتين للإسالة، والثاني في دمياط ويتبع لشركة "يونيون فينوسا" الإسبانيّة – الإيطاليّة، ويضمّ وحدة للإسالة. وإنّ وظيفة هذه الوحدات تحويل الغاز الطبيعيّ من حالته الغازيّة إلى سائلة، ليتسنّى تحميله على سفن وتصديره، بدلاً من ضخّه في الأنابيب.
وقال خبير الطاقة المصريّ رمضان أبو العلا: إنّ المنتدى بمثابة "لوبي إقليميّ" لمواجهة أيّ محاولة تركيّة لتعطيل عمليّات تنقيب الدول الأعضاء في مناطق الاكتشافات بشرق البحر المتوسّط.
وتتزايد الصراعات في شرق البحر المتوسّط للسيطرة على الثروات النفطيّة في المنطقة الغنيّة بالغاز الطبيعيّ، حيث تعترض تركيا بشكل رئيسيّ على اتفاقيّة وقّعت خلال عام 2013 بين مصر وقبرص لإعادة ترسيم الحدود البحريّة، والذي بموجبه اكتشفت القاهرة حقل "ظُهر" في عام 2015، والذي أحدث تغييراً لخريطة الغاز الطبيعيّ في منطقة شرق المتوسّط، في ظلّ تقديرات عن احتياطات من الغاز تصل إلى 30 تريليون قدم مكعّب.
والاعتراض التركيّ رفضته مصر حيث وصفت الاتفاقيّة مع قبرص بالقانونيّة، فيما ستتصاعد توتّرا تبين تركيا واليونان على خلفيّة النزاعات في المياه الإقليميّة ببحر إيجة والبحر المتوسّط.
وفي 11 شباط/فبراير من عام 2018، عرقلت تركيا سفينة تنقيب تعاقدت عليها قبرص مع شركة "إيني" الإيطاليّة للتنقيب عن الغاز الطبيعيّ في منطقتها الاقتصاديّة الخالصة، حيث زعمت تركيا أنّ السفينة تتّجه إلى التنقيب ضمن منطقتها السياديّة أو للقبارصة الأتراك.
وقال أستاذ هندسة البترول والطاقة في الجامعة الأميركيّة بالقاهرة جمال القليوبي خلال تصريحات تلفزيونيّة، في 15 يناير إنّ منتدى شرق المتوسّط جاء ليبدّد الحلم التركيّ في أن تكون أنقرة مصدراً إقليميّاً للطاقة.
وتسعى أنقرة إلى أن تكون سوقاً إقليميّة لتجميع الغاز الطبيعيّ وإعادة تصديره إلى أوروبا عبر خطّ أنابيب لنقل الغاز الطبيعيّ من أذربيجان عبر الأناضول إلى أوروبا، والمعروف بـ"تاناب"، وخطّ أنابيب"السيل التركيّ" المقرّر تفعيله لنقل الغاز الروسيّ إلى تركيا، ومنه إلى شرقيّ وجنوبيّ أوروبا والمقرّر أن يدخل حيّز الاستخدام نهاية العام الحاليّ.
وفي الوقت، الذي لا تزال المحادثات المتعلّقة بإمكانيّة استيراد الغاز التركيّ من إسرائيل مستمرّة منذ فترة، وربّما لن يُكتب لها النجاح، لفت وزير الطاقة الإسرائيليّ يوفال شتاينتز في 14 كانون الثاني/يناير إلى أنّ إسرائيل ستبدأ بتصدير الغاز إلى مصر خلال أشهر قليلة، وقال نقلاً عن "رويترز": إنّ المتوقّع أن تصل صادرات الغاز الإسرائيليّة لمصر إلى 7 مليارات متر مكعّب سنويّاً على مدى 10 سنوات.
أضاف: من المنتظر استخدام نصف الصادرات تقريباً في السوق المحليّة المصريّة، على أن يتمّ تسييل النصف الآخر لإعادة تصديره.
وتُجرى بين القاهرة وتلّ أبيب مباحثات حاليّاً كشف يوفال شتاينتز النقاب عنها، لبناء خطّ أنابيب جديد للغاز تحت الماء بين البلدين، على أن تبدأ أعمال تشييد خطّ الأنابيب العام المقبل لنقل الغاز من حقليّ ليفياتان وتامار في إسرائيل إلى محطّات الغاز الطبيعيّ المسال في مصر لتجهيزها وإعادة تصديره.
ومن المتوقّع أن يزيد إنتاج إسرائيل من الغاز الطبيعيّ، والذي يبلغ حاليّاً نحو 10.5 مليار متر مكعّب، إلى أكثر من مثليه في عام 2020، ليرتفع إلى 27 مليار متر مكعّب في عام 2021.
ونجحت مصر كذلك في توقيع اتّفاق مع قبرص في 19 أيلول/سبتمبر الماضي بشأن إقامة خطّ أنابيب بحريّ مباشر ينقل الغاز الطبيعيّ من حقل أفروديت القبرصيّ إلى مصانع الإسالة في مصر وإعادة تصديره، على أن يبدأ ضخّ الغاز القبرصيّ إلى مصر بحلول عام 2022 بطاقة استيعابيّة تبلغ 700 مليون قدم مكعّب سنويّاً.
ولفت جمال القليوبي إلى أنّ إيطاليا تعتبر بوّابة دول المنتدى خصوصاً مصر في تصدير الغاز الطبيعيّ، إذ تتحكّم بالجزء الأكبر من الشبكة المحليّة الأوروبيّة لدعم قدرات الغاز محليّاً فيها، وقال في تصريحات تلفزيونيّةبـ16 كانون الثاني/يناير: لإيطاليا دور مهمّ في استراتيجيّة المنتدى بشأن استقبال الغاز وإعادة ضخّه في السوق الأوروبيّة عبر شبكاتها العملاقة الممتدّة أكثر من 34 ألف كيلومتر.
أضاف: "مصر لديها من جغرافيّة المكان وبنيتها التحتيّة ما يؤهّلها لتتحوّل إلى سوق مفتوحة للطاقة، وإنّ موقعها القريب من دول منتدى حوض البحر المتوسّط وشمال إفريقيا يمكّنها من فتح سوق لتداول الطاقة في هذه الدول التي لديها خطط طموحة في عمليّات التنقيب".