مدينة غزّة- قطاع غزّة: بسبب تدهور الأوضاع الأمنية في القطاع، أفرجت الأجهزة الأمنية في حكومة حماس في 25 آذار/مارس بشكل مؤقت عن كافة المواطنين الذين تم إعتقالهم من قبلها على خليفة مشاركتهم في الحراك السلمي "بدنا نعيش"، مع إجبارهم على كتابة تعهدات بالإقامة المنزلية، وعدم استخدام مواقع التواصل الإجتماعي، علماً أن هواتفهم وحواسيبهم لازالت مصادرة.
هذا وكانت الفصائل الفلسطينيّة قد أكدت خلال اجتماع عقدته في غزّة في 16 آذار/مارس، تأييدها للمطالب العادلة للحراك الشعبيّ "بدنا نعيش" وسلميّته، مشدّدة على رفضها المطلق لكلّ أشكال القمع والتعدّي على الحرّيّات والحقوق، مطالبة حركة حماس والمسؤولين في غزّة بسحب الأجهزة الأمنيّة والمسلّحين من الشوارع والساحات العامّة، وإطلاق سراح المعتقلين على خلفيّة الحراك، ومحاسبة كلّ من تورّط بالاعتداء على المتظاهرين، مؤكّدة أنّ الأزمة الكارثيّة التي يشهدها القطاع سببها الحصار الإسرائيليّ والانقسام الفلسطينيّ، وعظّمتها الإجراءات العقابيّة وقرارات المسؤولين في غزّة بفرض المزيد من الضرائب وابتكار أشكال جديدة للجباية.
كما طالب الائتلاف من أجل النزاهة والمساءلة في 14 آذار/مارس وزارة الماليّة في غزّة بوقف الإجراءات الضريبيّة الجديدة التي أرهقت كاهل الشعب المسحوق أصلاً جرّاء الحصار والعقوبات، داعياً إيّاها إلى الإفصاح عن البيانات الماليّة المتعلّقة بالجباية والسياسات الضريبيّة الجديدة، وتمكين المواطنين من الوصول إليها، والتعبير عن مواقفهم بحرّيّة حولها.
وكانت الأجهزة الأمنيّة في حكومة حماس قد شنّت حملة اعتقالات طالت عشرات الأشخاص، على خلفيّة خروجهم في تظاهرات سلميّة بدعوة حراك "بدنا نعيش" الذي انطلق في 14 آذار/مارس ضدّ الغلاء والأوضاع المعيشيّة والاقتصاديّة الصعبة في القطاع، واستخدمت الشرطة العنف المفرط في تفريق المتظاهرين، طال حقوقيّين وصحافيّين، كما صادرت هواتفهم وكاميراتهم، وأدانت المراكز الحقوقيّة العنف الذي مارسته الأجهزة الأمنيّة، مؤكّدة أنّ حرّيّة التعبير والتجمّع السلميّ والمشاركة السياسيّة حقوق مضمونة بالقانون الأساسيّ الفلسطينيّ، ولا تجوز مصادرتها تحت أيّ ذريعة.
ويواجه منظّمو الحراك اتّهامات من حكومة غزّة بأنّهم ينفّذونه بتعليمات من السلطة، في الوقت الذي يؤكّدون أنّ مطالبهم حياتيّة ولا علاقة لهم بأيّ طرف سياسيّ. وقد جنّدت حماس مناصريها للخروج في وقت تظاهرات الحراك نفسه في 16 آذار/مارس للمطالبة بإسقاط محمود عبّاس، في محاولة منها لإفشاله.
قال مؤمن الناطور، وهو أحد منظّمي حراك "بدنا نعيش"، تتمكن الأجهزة الأمنية من ملاحقته واعتقاله في 21 آذار/مارس لـ"المونيتور": "فكرة الحراك جاءت نتيجة للأوضاع الاقتصاديّة الصعبة التي يعشيها سكّان القطاع وتغافل المسؤولين عنها، وانشغالهم في خلافاتهم السياسيّة".
وشرح أنّه تمّ الاتّفاق على الخروج في تظاهرات سلميّة أسبوعيّة في محافظات القطاع كافّة، تطالب بتوفير فرص العمل للشباب، لافتاً إلى أنّ القمع الذي تعرّضت إليه التظاهرة الأولى دفع الشباب إلى الخروج في اليوم التالي، موضحاً أنّ أدوات الحراك هي التظاهرات ووسائل التواصل الاجتماعيّ، وقد تتطوّرت لاحقاً إلى الدعوة إلى الإضرابات والعصيان المدنيّ الشامل، والتخييم في الشوارع، مؤكّداً أنّها لن تتوقّف وستبقى مستمرّة.
وأضاف: "نحن لا نتبع لأيّ جهة سياسيّة، ومطالبنا فقط متعلّقة بالأمور الحياتيّة، وهي حلّ مشكلة البطالة التي بلغت 53% في القطاع، ووقف اجتزاء رواتب موظّفي غزّة ورام الله".
وبيّن أنّ هناك من يحاول أن يجنّد تظاهراته لصالحه من كلا الطرفين أيّ حماس والسلطة الفلسطينيّة، مؤكّداً أنّ شعاراتهم محصورة في العيش والوظائف والعدالة الاجتماعيّة، وأنّهم لم يطالبوا بإسقاط حماس أو عبّاس، موضحاً أنّ الحراك هو لسان الشعب المظلوم في القطاع، وهو حراك لا رأس له.
وبيّن أنّ الأجهزة الأمنيّة اقتحمت منزله من دون إذن رسميّ من النيابة، فيما صادرت الهواتف النقّالة من أمّه وأبيه، وسلّمت أهله في 16 آذار/مارس بلاغاً لتسليم نفسه إلى الأمن الداخليّ، مؤكّداً أنّه لن يقوم بذلك، لافتاً إلى أنّ كلّ من اعتقلتهم الأجهزة الأمنيّة تعرّضوا إلى التعذيب والإهانة والشتم، وتمّ اتّهامهم بالتخابر مع إسرائيل ورام الله وأشخاص متنفّذين في السلطة الفلسطينيّة.
وقال: "نحن نعلم أنّنا لا نقوى على إسقاط حكم حماس المدعوم من جهازها العسكريّ الذي ساهم مع الشرطة في فضّ التظاهرات، لكنّنا نطالبها بتوفير حياة كريمة لنا".
وعن تبرير الشرطة أنّها قامت بفضّ التظاهر بحجّة عدم الترخيص لها، أكّد الناطور عدم وجود أيّ نصّ قانونيّ في القانون الفلسطينيّ يوجب طلب الإذن للتظاهر السلميّ. وقال: "هذه شرطة حزبيّة تقاتل لأجل حماية حماس وليس الشعب، نتمنّى أن تحتوي الحكومة الموقف بدل أن تواجهه بالعنف".
أكّد المحلّل السياسيّ طلال عوكل لـ"المونيتور" أنّ الحراك كان متوقّعاً منذ أكثر من عامين نتيجة تدهور الأوضاع في قطاع غزّة، واتّساع الأزمة المعيشيّة لتشمل فئات جديدة، موضحاً أنّ حماس حاولت تجنّبه من خلال إطلاقها مسيرات العودة الكبرى في آذار/مارس الماضي.
ويضيف: "بعد عام من مسيرات العودة وعدم تحقيق أهدافها، وعدم جني المواطن شيئاً من ورائها، كان لا بدّ من أن يخرج عن صمته ليطالب بحقوقه الإنسانيّة".
وأوضح أنّه من الظلم أن تدافع حكومة حماس عن سوء إدارتها للقطاع بإلقاء التهم على الحراك بأنّه مسيّس ومستقطب من أطراف من السلطة الفلسطينيّة، بل يجب أن تبادر إلى معاجلة الأزمة، بالاعتذار إلى الشعب بداية، ومن ثم أخذ إجراءات عمليّة وتخفيف الضرائب وتوفير المئات من فرص العمل.
وقال: "على حماس أن تعلم أنّ المعالجات الأمنيّة القمعيّة قد تؤدّي إلى توسّع دائرة العنف وانهيار حكمها، فضلاً عن أنّ عليها أن تأخذ في الاعتبار أنّ الشعب الذي دفع في مسيرات العودة ما يزيد عن 250 شهيداً، و30 ألف جريح، مستعدّ أن يدفع ثمن حرّيّته مقابل تحسين الأوضاع الاقتصاديّة والمعيشيّة".
وأضاف: "أخشى أن تكون سياسة القمع جزءاً من طبيعة الحركة، الذي تحاول من خلاله تثبيت سيطرتها على القطاع".
وبيّن مدير وحدة الرصد والتوعية والتوثيق في مركز الميزان لحقوق الإنسان سمير زقوت لـ"المونيتور" أنّ تبرير الشرطة الفلسطينيّة قمعها للمسيرات بحجّة عدم الحصول على إذن يفتقر إلى الموضوعيّة وينافي الحقيقة، مؤكّداً أنّها محاولة لتجريم حقّ مكفول بالقانون بالتجمّع السلميّ.
وأكّد أنّ المسيرات السلميّة لا يجوز فضّها إلّا إذ تعدّت على الممتلكات العامّة، ولا يكون ذلك إلّا بأدوات لائقة من دون إيذاء المتظاهرين على عكس ما فعلته الأجهزة الأمنيّة، التي اعتدت عليهم بالضرب واحتجزتهم، واقتحمت منازلهم من دون إذن قضائيّ، فضلاً عن أنّها منعت الصحافيّين من تغطية الأحداث وصادرت أجهزتهم، ومنعت ممثّلي المؤسّسات الحقوقيّة من ممارسة عملهم وتوثيق الانتهاكات.
وقال: "يجب على النائب العامّ أن يتحرّك فوراً لوقف تلك التجاوزات الخطيرة لحقوق الإنسان".
وأوضح أنّه في ظلّ وجود حكومة لا تؤمن بالفصل بين السلطات، فإنّ انتهاك حقوق الشعب وتقييد حرّيّاته أمر شائع، وغير مستساغ تبرير حماس بأنّها تقوم بذلك لأنّها حاضنة للمقاومة.