مدينة غزّة، قطاع غزّة — قصف الجيش الإسرائيليّ، في 5 شباط/فبراير، أهدافاً عدّة تابعة لحركة "حماس" في قطاع غزّة، وقال المتحدّث باسمه أفيخاي أدرعي إنّ القصف يأتي ردّاً على إطلاق القذائف الصاروخيّة والبالونات المتفجّرة من قطاع غزّة باتّجاه إسرائيل.
وكانت قد أطلقت من قطاع غزّة في الساعات الأولى في 5 شباط/فبراير، 3 قذائف صاروخيّة تجاه مستوطنات غلاف غزّة. كما تمّ إطلاق عشرات البالونات الحارقة في 4 شباط/فبراير، في مشهد بات متكرّراً منذ ما يزيد عن 10 أيّام، إلاّ أنّ السلطات الإسرائيليّة كانت قرّرت اتخاذ إجراء عقابيّ في 2 شباط/فبراير، قضى بوقف إدخال الإسمنت إلى قطاع غزّة بالآليّة الجديدة التي وافقت على إدخالها في 30 كانون الثاني/يناير للمرّة الاولى منذ عام 2014. كما قرّرت تقليص دخول التجّار إلى إسرائيل. وكانت وافقت، في 13 كانون الثاني/يناير، على منح 5000 تاجر من غزّة تصريح لدخول لإسرائيل، كما قررت في 5 شباط/فبراير تقليص مساحة الصيد في قطاع غزة من 15 إلى 10 أميال بحرية.
ورغم أنّ التصعيد مستمرّ في غزّة، إلاّ أنّ حركة "حماس" التي تحكم قطاع غزّة وأبرمت التفاهمات مع الجانب الإسرائيليّ برعاية مصريّة، التي تم إبرامها في آذار/مارس 2019، ما زالت تلتزم الصمت. وتوجّه "المونيتور" إليها بالسؤال حول سبب صمتها المزدوج على إطلاق الصواريخ والبالونات الحارقة من غزّة، والقصف الإسرائيليّ على القطاع واستهداف مواقعها العسكريّة، إلاّ أنّها فضّلت الصمت كذلك.
وشرح المحلّل السياسيّ والكاتب في صحيفة "الأيّام" المحليّة طلال عوكل لـ"المونيتور" أنّ إسرائيل تقود هذا التصعيد بهدف إجبار قطاع غزّة على معادلة الهدوء مقابل الهدوء، على خلاف تفاهمات التهدئة التي تمّ الاتفاق عليها، لافتاً إلى أنّ الجانب الفلسطينيّ حين بادر بإطلاق البالونات الحارقة كان نتيجة لعدم التزام إسرائيل بتفاهمات التهدئة، مؤكّداً أنّ إسرائيل هي من تحدّد ردّة فعل الجانب الفلسطينيّ، متسائلاً: إن كان إيقاف مسيرات العودة والوسائل الخشنة، مقابل تقديم تسهيلات من قبل الجانب الإسرائيليّ ولم يف بها، فماذا يفعل الفلسطينيّون؟
وبيّن أنّ هدف إسرائيل من التصعيد هو إرغام الفلسطينيّين على الهدوء، وإرسال رسائل إلى الناخب الإسرائيليّ في الانتخابات العامّة المقبلة بآذار/مارس المقبل، أنّ إسرائيل قادرة على الردع وحماية أمنها من أيّ اعتداءات.
من جهته، أكّد أستاذ العلوم السياسيّة في جامعة الأزهر بغزّة تيسير محسين لـ"المونيتور" أنّ موجة التصعيد الحاليّة تأتي في سياق التعبير عن الاحتجاج الشعبيّ لعدم التزام إسرائيل بتفاهمات التهدئة، ورفض خطّة السلام الأميركيّة التي تمّ الإعلان عنها في 28 كانون الثاني/يناير، لافتاً إلى أنّ الردّ الإسرائيليّ لم يخرج عن مستوى التعامل الذي كان قائماً سابقاً مع غزّة، أيّ عدم فتح جبهة واسعة معها، وقال: "إنّ هذه الفترة غير المحسومة سياسيّاً في الجانب الإسرائيليّ لا تعطي لأحد الحريّة في اتّخاذ قرار شنّ الحرب".
وبيّن أنّ الجيش الإسرائيليّ يدرك من خلال ضربه مساحات فارغة في غزّة، وتصديرها إلى الجمهور الإسرائيليّ بأنّها بنية تحتيّة للمقاومة، أنّ هذا الردّ لا يمكن بأيّ شكل من الأشكال أن يجرّ البلاد إلى تصعيد واسع، لافتاً إلى أنّ ذلك يرجع إلى حسابات سياسيّة في الشأن الداخليّ الإسرائيليّ والاستراتيجيّ الذي يقوده رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، الذي لا يريد أن ينفرط عقد العلاقة الأمنيّة مع حماس في غزّة، إذ من شأن ذلك إعاقة مسار رؤيته في تدشين علاقات تطبيعيّة جديدة مع دول عربية.
وأضاف:" نتنياهو يريد تحييد غزة لخلق بيئة ملائمة لتطبيق خطة ترامب".
أمّا المحلّل السياسيّ المقرّب من "حركة الجهاد الإسلاميّ" حسن عبدو فأكّد لـ"المونيتور" أنّ الطائرات الإسرائيليّة المسيّرة لا تغادر سماء قطاع غزّة، وتبحث عن هدف تريد اضربه، لجرّ غزّة إلى موجة تصعيد محدودة، تكسب من خلالها أصوات الناخبين في الانتخابات المقبلة.
وشرح أنّ هناك تضخيماً كبيراً للبالونات الحارقة التي تطلق من القطاع في الإعلام الإسرائيليّ، رغم عدم وجود تأثير يذكر لها، في ظلّ جوّ ماطر شديد البرودة.
بدوره، قال المحلّل السياسيّ المقرّب من حركة "حماس" إبراهيم المدهون لـ"المونيتور": "إنّ الفصائل الفلسطينيّة في غزّة تحاول إرسال رسالة غضب، في ظلّ المماطلة الإسرائيليّة بتطبيق التفاهمات".
وعن صمت "حماس" إزاء التصعيد الحاليّ، أكّد طلال عوكل أنّ "حماس" في موقف حرج مع سكّان القطاع، خصوصاً بعدما أوقفت المسيرات، التي كانت حصيلتها آلاف الجرحى ومئات الشهداء، من دون أي يشعر المواطن الغزيّ بأيّ تسهيل ملموس عائد إليه، وقال: "هذا يفسّر بالفشل الذريع والاستسلام لإسرائيل".
أمّا حسن عبدو، فعزا صمت "حماس" إلى تقديرها أنّ إسرائيل تريد جلب غزّة لجولة تصعيد، موضحاً أنّ الفصائل في غزّة تردّ على القصف الإسرائيليّ بالحدّ الأدنى بصواريخ بالكاد تتجاوز الحدود.
وبيّن إبراهيم المدهون أنّه من الصعب الحديث عن موافقة "حماس" أو عدمها تجاه إطلاق البالونات الحارقة والقذائف من غزّة، لكن لا شكّ في أنّ "حماس" غاضبة من تلكّؤ إسرائيل في تنفيذ التفاهمات وإعلان خطّة السلام الأميركيّة، فضلاً عن أنّها تقف عاجزة أمام حالة الغضب التي تتملّك الشباب الفلسطينيّ، وقال: " اعتقد أن هناك موافقة غير مباشرة من حماس عما يخرج من القطاع، إذ على الرغم من قدرتها العسكرية على ضبط الميدان، لكنّها لا شكّ تحتاج إلى قدرة منطقيّة لإقناع الفصائل بالتوقّف عن إطلاق القذائف التي لا تزال أعمالاً فرديّة".
وعن أسباب عدم التزام إسرائيل بتفاهمات التهدئة، أوضح عوكل أنّ إسرائيل ليست دولة التزام، إذ لم تلتزم بقرارات الأمم المتّحدة وكلّ الاتفاقات الموقّعة مع الجانب الفلسطينيّ، فضلاً عن أنّ رئيس الحكومة الإسرائيليّة بنيامين نتنياهو لا يريد تسجيل التزامه بالتفاهمات كنقطة ضعف واستجابة لضغط حماس، خصوصاً في ظلّ ما يتعرّض له من انتقادات في طريقه تعامله مع القطاع.
وقال تيسير محسين: "إنّ المفاوض الإسرائيليّ لم يقبل بتفاهمات التهدئة، إلاّ تحت الضغط. ولذا، عندما حصل على الهدوء بداً بالتراجع عمّا تمّ الاتفاق عليه".
وبيّن أنّ على الفلسطينيّين الاستمرار في الضغط على إسرائيل بالوسائل التي أثبتت نجاعتها في تنبيه الوسطاء وإجبار إسرائيل على الالتزام بالتفاهمات، متوقّعاً أن يتمّ التراجع عن القرار الإسرائيليّ الأخير بعد أيّام، خشية تدهور الأوضاع في غزّة، الأمر الذي ينعكس سلباً على الحالة الإسرائيليّة.
وأشار المدهون إلى أنّ إسرائيل إلى الآن لا تجيد التعامل مع القطاع وتحاول الضغط عليه، الأمر الذي قد تنتج منه 4 سيناريوهات: الأوّل أن تبقى الحالة كما هي عليه الآن، الثاني تصعيد محدود، الثالث مواجهة عسكريّة واسعة، والرابع تهدئة طويلة المدى بشرط رفع الحصار.