مدينة غزّة - علم "المونيتور" من مصادر فلسطينيّة وكويتيّة متطابقة، بتولّي الكويت دور الوسيط الرئيسيّ بين حماس والسعوديّة، لحلّ أزمة اعتقال الأمن السعوديّ العشرات من عناصر الحركة وقادتها المقيمين في الأراضي السعوديّة، وأبرزهم القياديّ الطبيب محمّد الخضري الذي يحمل الجنسيّة الكويتيّة إلى جانب جنسيّته الفلسطينيّة، الأمر الذي يثير تساؤلاً حول مدى فرص نجاح هذه الوساطة للإفراج عن معتقلي حماس.
وكانت حماس كشفت في بيان لها نشرته في 9 أيلول/سبتمبر 2019، أنّ السعوديّة تعتقل منذ 4 نيسان/أبريل 2019، الخضري (81 عاماً) الذي كان يتولّى مسؤوليّة تنسيق العلاقات الثنائيّة بين الطرفين ويقيم في السعودية منذ عام 1992، ونجله الأكبر هاني، من دون إبداء أيّ أسباب.
وذكرت حماس في بيانها أنّها "التزمت الصمت على مدى 5 أشهر، لإفساح المجال أمام الاتّصالات الدبلوماسيّة، ومساعي الوسطاء، لكنّها لم تسفر عن أيّ نتائج حتّى الآن".
وأفاد المرصد الأورومتوسّطيّ لحقوق الإنسان (مقرّه جنيف)، في بيان نشره في 6 أيلول/سبتمبر 2019، أنّه حصل على أسماء 60 فلسطينيّاً تعتقلهم السعوديّة من دون أيّ مبرّر، ولا تزال تفاصيل اعتقالهم وأماكن احتجازهم غير معلومة.
وقال شقيق القياديّ في حماس المعتقل في السعوديّة عبد الماجد الخضري لـ"المونيتور": "إنّ شقيقي كان معتمداً كسفير لحماس في السعوديّة على مدار العقدين الماضيين، وكان وجوده وعمله هناك بموافقة ملكيّة سعوديّة، إلّا أنّنا فوجئنا باعتقاله من دون إبداء أيّ أسباب".
وأكّد الخضري المعلومات التي حصل عليها "المونيتور" أنّ الكويت ممثّلة بأميرها صباح الأحمد الجابر الصباح، ورئيس مجلس الأمّة مرزوق الغانم، قد لعبت دوراً في الوساطة للإفراج عن شقيقه وعن المعتقلين الفلسطينيّين في السعوديّة.
وقال مصدر مطّلع في حركة حماس، طلب عدم ذكر اسمه، لـ"المونيتور": "على مدار الـ5 أشهر السابقة، طلبت الحركة من وسطاء عدّة، أبرزهم تركيا ورئيس الحكومة اللبنانيّة سعد الدين الحريري، والكويت، للضغط على السعوديّة للإفراج عن الخضري وفلسطينيّين آخرين، إلّا أنّ السعوديّة كانت ردّت بأنّ هذه القضيّة داخليّة وتمسّ أمنها".
وأضاف المصدر: "على الرغم من فشل جهود الوسطاء، إلّا أنّنا لا نزال نعوّل على الوسيط الكويتيّ لإحراز نتائج إيجابيّة، كما أنّ المسؤولين الكويتيّين تعهّدوا بمواصلة دور الوساطة حتّى إنهاء هذه الأزمة، مع ضرورة إبقاء جهودهم بعيدة عن وسائل الإعلام ريثما يتمّ إحراز نتائج إيجابيّة".
وبيّن المصدر في حماس أنّ ما يجعل الوسيط الكويتيّ مميّزاً لتولّي الوساطة في هذه القضيّة، هو أنّ الكويت تحتفظ بعلاقات جيّدة مع السعودية وكذلك مع حركة حماس، إضافة إلى أنّ الخضري يحمل الجنسيّة الكويتيّة، وعمل كرئيس لقسم "الأنف والأذن والحنجرة"، في المستشفى العسكري التابع للجيش الكويتي في سبعينيّات القرن الماضي، كما أنه كان ضمن الوفد الطبّيّ الكويتيّ الذي أرسلته الكويت إلى الجبهة السوريّة في حرب تشرين الأوّل/أكتوبر 1973، الأمر الذي يجعل من اعتقاله شأناً كويتيّاً أيضاً.
وتعتبر الكويت إحدى أهمّ الدول الصديقة للفلسطينيّين، لمواقفها المنسجمة مع مواقف السلطة الفلسطينيّة تجاه إسرائيل، والتي كانت آخرها مقاطعة الكويت ورشة البحرين الاقتصاديّة التي عقدتها الإدارة الأميركيّة بين 15 و18 نيسان/أبريل 2019، لمشاركة وفد إسرائيليّ فيها.
وفي شكل خاصّ، تعدّ الكويت من أكثر الدول التي زارتها قيادة حماس للقاء أميرها وشخصيّات برلمانيّة فيها، لتعزيز العلاقات الثنائيّة، وأبرز هذه الزيارات كانت في كانون الثاني/يناير 2010، وشباط/فبراير 2012، وتلتها زيارة أخرى في أيّار/مايو 2012.
كما أنّ خطوط التواصل الهاتفيّ لم تنقطع يوماً بين حركة حماس ودولة الكويت، حيث يهاتف هنيّة أمير الكويت صباح الأحمد الجابر الصباح في شكل مستمرّ لتهنئته في المناسبات العامّة، أو لاستعراض قضايا فلسطينيّة ملحّة.
وتقدّم الكويت دعماً ثابتاً غير منقطع إلى موازنة السلطة الفلسطينيّة، يبلغ 14 مليون دولار شهريّاً، إضافة إلى تنفيذ العديد من المشاريع التشغيليّة والتنمويّة في قطاعات التعليم والصحّة والعمل في قطاع غزّة والضفّة الغربيّة.
وقال عضو في البرلمان الكويتيّ مقرّب من العائلة الحاكمة، طلب عدم ذكر اسمه، لـ"المونيتور": "إنّ مسؤولين وبرلمانيّين كويتيّين أجروا 3 اتّصالات مع مسؤولين سعوديّين خلال الـ5 أشهر الماضية، لإنهاء أزمة اعتقال عناصر حماس وقادتها هناك".
وأوضح أنّ الكويت عرضت مقترحات عدّة لإنهاء هذه الأزمة، أبرزها مقترح للإفراج عن المعتقلين الذين لم يثبت ارتكابهم أيّ مخالفة أو جريمة، ومقترح آخر بالإفراج عن الفلسطينيّين كافّة وترحيلهم إلى الأراضي الفلسطينيّة أو إلى البلدان التي يحملون جنسيّتها إلى جانب جنسيّتهم الفلسطينيّة.
وأضاف النائب الكويتيّ: "السعوديّة ردّت على الاتّصالات الكويتيّة بأنّ التحقيقات لا تزال جارية مع المعتقلين الفلسطينيّين حول طبيعة نشاطهم في الأراضي السعوديّة، وبأنّه لا يمكن التعاطي مع أيّ مقترحات حتّى انتهاء هذه التحقيقات".
بالنسبة إلى النائب الكويتي، فيقول: إن بلاده "تتابع عن كثب قضية المعتقلين الفلسطينيين لدى السعودية، وتنتظر ريثما ينتهي الأمن السعودي من التحقيق معهم رغم أن سبب اعتقالهم لا يزال مجهولاً، ومن ثم سيتم استئناف الاتصالات مع الجانب السعودي مجدداً، للضغط من أجل الإفراج عنهم وفق إحدى المقترحات التي طرحت سابقاً".
وقال الناطق الرسميّ باسم حركة حماس عبد اللطيف القانوع خلال حديثه إلى "المونيتور": "إنّ جهود الإفراج عن الفلسطينيّين في السعوديّة لا تزال مستمرّة وننتظر نتائجها".
وربط القانوع بين اعتقالات عناصر حماس وقادتها في السعوديّة، ومساعي الولايات المتّحدة الأميركيّة لدفع الدول العربيّة إلى ملاحقة كلّ من له علاقة بفصائل المقاومة الفلسطينيّة باعتبارها منظمّات إرهابيّة.
وبدأت العلاقات بين السعوديّة وحماس تأخذ منحنيات سلبيّة، بعد إعلان وزير الدولة للشؤون الخارجيّة السعوديّ عادل الجبير، حماس منظّمة متطرّفة، خلال كلمة أمام البرلمان الأوروبّيّ في 24 شباط/فبراير 2018.
وأضاف القانوع: "إنّ هذه الاعتقالات تتزامن أيضاً مع الحديث المتكرّر لرئيس الحكومة الإسرائيليّ بنيامين نتنياهو عن تعزيز العلاقات مع دول عربيّة لمواجهة التوسّع الإيرانيّ في المنطقة".
وقال الكاتب والمحلّل السياسيّ في صحيفة فلسطين في غزّة مصطفى الصوّاف لـ"المونيتور": "يمكن اعتبار الكويت من أفضل الدول التي يمكن أن تلعب دور الوساطة في هذه الأزمة، بسبب العلاقات الجيّدة مع السعوديّة ومع حماس أيضاً".
وبيّن الصوّاف أنّ اعتقال قادة حماس وعناصرها في السعوديّة، "يعبّر عن سياسة جديدة يتّبعها النظام السعوديّ متّصلة في شكل مباشر بصفقة القرن الأميركيّة التي تهدف إلى تقريب العلاقات بين إسرائيل والدول العربيّة بذريعة مواجهة إيران، ودفع الدول العربيّة إلى معاداة أيّ فصائل مقاومة تعمل عسكريّاً ضدّ إسرائيل".