كشف المراسل السياسيّ للقناة الإسرائيليّة "13" باراك رافيد، في 27 أيلول/سبتمبر، أنّ "وفداً أمنيّاً مصريّاً من جهاز المخابرات العامّة قام بزيارة إسرائيل في 25 أيلول/سبتمبر بصورة سريّة، لإجراء مباحثات فيها خشية حدوث احتكاكات أمنيّة بين غزّة وإسرائيل، عشيّة التحضير لتشكيل حكومة إسرائيليّة جديدة"، وقال: "إنّ مسؤولين إسرائيليّين رفيعي المستوى التقوا بالمصريّين في مكتب رئيس الحكومة بجانب ضبّاط إسرائيليّين كبار، في ظلّ مخاوف القاهرة من نشوء تصعيد أمنيّ مع غزّة على خلفيّة الأزمة السياسيّة الناشبة في إسرائيل بسبب مصاعب تشكيل حكومة جديدة، ومخاوف مصريّة من تدهور الأمور إلى حرب شاملة".
حصلت الزيارةالأخيرة لوفد أمنيّ مصريّ لإسرائيل وغزّة في 8 و9 أيلول/سبتمبر، قبل أسبوع من الانتخابات الإسرائيليّة التي جرت في 17 أيلول/سبتمبر، في حين أنّ الزيارة الحاليّة التي تحمل مؤشّرين، أوّلهما أنّها سريّة، وثانيهما أنّها لم تشمل غزّة، تعود إلى القلق المصريّ من عدم اتّضاح مستقبل الخارطة الحزبيّة الإسرائيليّة بعد انتهاء الانتخابات، والخشية من توتّر أمنيّ عسكريّ إسرائيليّ في غزّة.
وقال المتحدّث باسم "حماس" حازم قاسم لـ"المونيتور": "إنّ اتصالات حماس ومصر مستمرّة. لقد كانت هناك زيارة لوفد من الحركة للقاهرة في 27 آب/أغسطس، وزيارات سابقة للوفد الأمنيّ المصريّ لغزّة. مصر موجودة في قلب الملفّات المهمّة بالساحة الفلسطينيّة، المصالحة مع فتح، والتهدئة مع إسرائيل. حماس تعمل وفق المصلحة الوطنية العليا، وليس بناء على طلبات من أيّ جهة، ولا تراهن على شكل الحكومة الإسرائيليّة المقبلة، ولا نتدخّل في الموضوع".
تعلم مصر و"حماس" أنّ تأخير تشكيل الحكومة الإسرائيليّة المقبلة ليس في مصلحة استمرار الهدوء الأمنيّ في غزّة. ولذلك، يتركّز الدور المصريّ على نقل مطالب إسرائيليّة إلى "حماس"، التي قد تمارس ضغوطها المحسوبة على إسرائيل في مرحلة تشكيل الحكومة الجديدة لتحسين التفاهمات الموقّعة في تشرين الأوّل/أكتوبر من عام 2018 بين "حماس" وإسرائيل بوساطة مصر وقطر القاضية بتحسين ظروف غزّة، وعدم التنصّل منها، رغم أنّ ضغط "حماس" على إسرائيل لن يلاقي استحساناً مصريّاً.
من جهته، قال أستاذ العلوم السياسيّة في جامعة "النّجاح" الوطنيّة بنابلس - شمال الضفّة الغربيّة ورئيس المركز المعاصر للدراسات وتحليل السياسات رائد نعيرات لـ"المونيتور": "إنّ المصريّين رتّبوا قضاي اكثيرة مع بنيامين نتنياهو رئيس الحكومة الإسرائيليّة، كصفقة القرن ومحاربة الجماعات المسلّحة في سيناء، وهم معنيّون بإنجاح فرصه لتشكيل الحكومة الجديدة عبر توفير الهدوء الأمنيّ في غزّة".
وأشار إلى أنّ "عدم زيارة الوفد المصريّ لغزّة، على غير العادة، قد يرتبط بعدم رضى القاهرة عن تنامي علاقة حماس بإيران في الآونة الأخيرة، حيث التنافس الإقليميّ في الإمساك بالقضيّة الفلسطينيّة على أشدّه، بين مصر وإيران وقطر والسعوديّة وتركيا، وحماس غير محسوبة على محور مصر، الأمر الذي لا يجعل علاقتهما حميمة، بل مصلحيّة متبادلة".
مصرحذّرت وفد "حماس"، الذي زارها في 27 آب/أغسطس من التصعيد ضدّ إسرائيل بناء على تعليمات إيران، وأبدت غضبها من استمرار إطلاق الصواريخ من غزّة على إسرائيل، وهدّدت "حماس" بوقف رعاية أيّ تهدئة مع إسرائيل إذا استمرّ إطلاقها، لكنّ "حماس" أكّدت لمصر أنّ علاقتها بطهران لن تكون على حساب القاهرة.
وقال مسؤول فلسطينيّ قريب من الرئيس الفلسطينيّ محمود عبّاس، أخفى هويّته، لـ"المونيتور": "إنّ السلطة ليست لها علاقة بالموضوعات التي يبحثها الوفد الأمنيّ المصريّ بين إسرائيل وغزّة، لأنّها تتمّ بعيداً عن القيادة الفلسطينيّة. لقد طالبنا جميع الأشقاء والوسطاء بأن يكون تواصلهم مع الشرعيّة الفلسطينيّة مباشرة، بعيداً عن التعامل مع هذه الفصيلة أو تلك".
الحرص المصريّ على التواصل مع الحكومة الإسرائيليّة بقيادة بنيامين نتنياهو قد يحمل تحمّساً لإنجاحه بأن يشكّل الحكومة المقبلة، وعدم رغبة مصريّة في أن يتمكّن خصمه زعيم حزب أزرق-أبيض الجنرال بيني غانتس من تشكيل الحكومة المقبلة.
"حماس" ومصر رّبما تعتقدان أنّ بيني غانتس لن يوافق على التفاهمات الإنسانيّة، وقد يكون خيارها لمرجّح مع "حماس" هو الحرب الشاملة، الأمر الذي سيجعل موقف مصر صعباً، لأنّها تريد الإبقاء على الوضع القائم في غزّة، بعيداً عن أيّ قلاقل أمنيّة، فضلاً عن حرب كبيرة تتضرّر منها حدودها مع القطاع.
وعلم "المونيتور" من أوساط فلسطينيّة تابعت الزيارة الأخيرة للوفد الأمنيّ المصريّ لغزّة في 8 أيلول/سبتمبر، أنّ المصريّين حدّدوا للفصائل الفلسطينيّة مطالب واضحة تركّزت على حفظ الأمن على الحدود المشتركة بين غزّة وسيناء، وتنفيذ بعض التسهيلات على معبر رفح، من دون أن يأتوا على موضوع التفاهمات.
بدوره، قال المتحدّث باسم لجان المقاومة الشعبيّة أبو مجاهد لـ"المونيتور": "إنّ فصائل المقاومة لم تعط تعهّداً لأيّ وسيط بتوفير الهدوء الأمنيّ مع إسرائيل، وأيّ سلوك عدوانيّ منه سنردّ عليه بالطريقة المناسبة، من دون صلة بما تشهده المباحثات الائتلافيّة لتشكيل الحكومة المقبلة. عدم التزام الاحتلال بالتفاهمات المتّفق عليها بوساطة مصريّة - قطريّة سيجعلنا نمارس الضغط عليه، فالوضع الإنسانيّ في غزّة لا يطاق".
يخشى المصريّون أن تعود حالة التوتّر الأمنيّ في غزّة التي حصلت قبيل الانتخابات الإسرائيليّة مجدّداً إلى الميدان، في مرحلة ما بعد الانتخابات مرّة أخرى، وتدحرج الأمور إلى جولة تصعيد مستقبليّة قد تشعل حرباً شاملة في غزّة، حيث كاد التدهور الأمنيّ بين غزّة وإسرائيل يؤدّي إلى اندلاع حربشاملة في 10 أيلول/سبتمبر عقب إطلاق صواريخ على مدينة أسدود في جنوب إسرائيل، حين كان يخطب نتنياهو أمام حشد انتخابيّ.
تطرح الزيارة السريّة للوفد الأمنيّ المصريّ لإسرائيل، من دون زيارة غزّة، أسئلة مهمّة، إذ جرت العادة أن تتمّ الزيارة للمنطقتين معاً إلاّ هذه المرّة، وسط تقديرات بأنّ "حماس" لم تستجب بشكل كامل لمطالب المصريّين بعدم توتير الأجواء الأمنيّة مع إسرائيل، الأمر الذي يكون قد أغضبهم.