رام الله – الضفّة الغربيّة: شكّل إعلان الرئيس الأميركيّ دونالد ترامب تفاصيل خطّة السلام الأميركيّة للشرق الأوسط والمعروفة بـ"صفقة القرن" في 28 كانون الثاني/يناير، تحدّياً لقدرة السلطة الفلسطينيّة على وضع استراتيجيّة وطنيّة لمواجهتها.
وتسابق السلطة الفلسطينيّة الزمن من أجل القيام ببعض الخطوات ضمن هذه الاستراتيجيّة، قبل الانتخابات الإسرائيليّة المزمع إجراؤها في آذار/مارس 2020، ومن المتوقّع أن تقوم إسرائيل عقب إجرائها بتنفيذ بنود الصفقة، خصوصاً في ما يتعلّق بضمّ أجزاء من الضفّة الغربيّة وإعلان السيادة الإسرائيليّة عليها.
وتعمل السلطة الفلسطينيّة على مسارين أساسيّين، قبل إجراء الانتخابات الإسرائيليّة لمواجهة الصفقة، أوّلهما حشد دعم عربيّ ودوليّ رافض للصفقة، وقد بدأت به السلطة من خلال الحصول على موقف معارض للصفقة من الجامعة العربيّة بإجماع الأعضاء كافّة في 1 شباط/فبراير، ومن منظّمة المؤتمر الإسلاميّ في 3 شباط/فبراير.
وعلى المستوى الدوليّ، تستعدّ السلطة الفلسطينيّة لطرح مشروع قرار على مجلس الأمن لكن لم يحدد موعد طرحه بعد، كما إلقى الرئيس محمود عبّاس كلمة في المجلس في 11 شباط/فبراير لرفض الصفقة، والتأكيد أنّ حلّ القضيّة الفلسطينيّة يجب أن ينسجم مع قرارات الشرعيّة الدوليّة، وفي حال استخدام الولايات المتّحدة الأميركيّة الـ"فيتو" على مشروع القرار، فإنّ الفلسطينيّين سيتوجّهون بالمشروع الرافض للصفقة إلى الأمم المتّحدة تحت بند "متّحدون من أجل السلام"، وفق ما صرّح به وزير الخارجيّة الفلسطينيّ رياض المالكي في 4 شباط/فبراير إلى إذاعة صوت فلسطين (رسميّة).
ونفى عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير صائب عريقات في تصريحات لتلفزيون فلسطين من واشنطن في 10 شباط/فبراير التقارير التي اشارت الى سحب مشروع القرار المقدم من المجموعة العربية و"عدم الانحياز" لمجلس الأمن، لافتا الى ان القرار يخضع للمشاورات والتداول وسيتم تقديمه عقب الانتهاء منها، دون ان يحدد موعد لها، حتى اعداد هذا التقرير.
أمّا المسار الثاني، فهو إنهاء الانقسام وإنجاز المصالحة مع حماس، وفي هذا السياق، وصل عضوان من مركزيّة حركة فتح هما روحي فتوح، ومستشار الرئيس عبّاس للشؤون الأمنيّة اسماعيل جبر إلى غزّة في 7 شباط/فبراير، حيث حيث كان من المقرر ان يلتقيان الفصائل وحماس، لكن هذا اللقاء لم يتم حتى اللحظة، حسب ما اكده مصدر رفيع من حركة فتح في قطاع غزة لـ"ألمونيتور"، لافتا الى ان الوفد لا يزال حتى اللحظة في قطاع غزة، من أجل التحضير لزيارة وفد مرتقب من منظّمة التحرير الفلسطينيّة إلى غزّة.
وقال قياديّ في منظّمة التحرير الفلسطينيّة، وهو أحد أعضاء الوفد الذي سيزور غزّة، رفض الكشف عن هويّته، لـ"المونيتور"، إنّ الوفد سيزور غزّة في الأسبوع الجاري، في حال لم يحصل أيّ طارئ يعرقل الزيارة، مشيراً إلى أنّ إعلان صفقة القرن خلق موقفاً موحّداً لدى الفصائل الفلسطينيّة برفضها، وضرورة العمل وفق استراتيجيّة وطنيّة للتصدّي لها، على قاعدة إنهاء الانقسام الداخليّ، لخلق جبهة داخليّة موحّدة من دون انقسامات واختلافات.
ولفت المصدر إلى أنّ الاجتماع القياديّ الذي عقد في مقرّ المقاطعة في رام الله برئاسة الرئيس عبّاس في 28 كانون الثاني/يناير بمشاركة حركتي حماس والجهاد الإسلاميّ، والاتّصال الهاتفيّ الذي جرى بين الرئيس واسماعيل هنيّة في اليوم نفسه، شكّلا دفعاً كبيراً لجهود إنهاء الانقسام، بعد توقّفها.
ويكشف اعتماد السلطة على هذين المسارين، إرجاءها اتّخاذ أيّ من القرارات الحاسمة والمصيريّة ذات الصلة بعلاقتها بإسرائيل، قبل الانتخابات الإسرائيليّة، كقرار وقف التنسيق الأمنيّ مع إسرائيل، إذ قال عضو اللجنة المركزيّة لحركة فتح ومدير جهاز المخابرات السابق توفيق الطيراوي في تصريحات إلى تلفزيون وطن المحلّيّ في 5 شباط/فبراير: "وقف التنسيق الأمنيّ آخر ورقة في يد السلطة، وسيؤخذ قرار بوقفه في حال نفّذ الاحتلال قرار الضمّ لأراضي الضفّة الغربيّة".
وكان الرئيس عباس قال خلال كلمته اثناء ترأسه اجتماع الحكومة في 3 شباط/فبراير ان التنسيق الامني مع اسرائيل سيتوقف ولا مانع في ذلك، ما يدلل على استمراره حتى اللحظة، على الرغم من اعلانه اثناء كلمة له امام مجلس الجامعة العربية على مستوى وزراء الخارجية في 1 شباط/فبراير عن تبليغ اسرائيل والولايات المتحدة بقطع العلاقات معهما.
وقال نائب أمين عامّ الجبهة الديمقراطيّة قيس عبد الكريم لـ"المونيتور" إنّ العمل على وضع استراتيجيّة عمل على المسارات الداخليّة كافّة أو مع اسرائيل متواصل، فالترتيبات متواصلة لاستئناف الحوار الوطنيّ لإنهاء الانقسام، وخلال الأيّام القليلة المقبلة ستكون هناك زيارة لوفد من منظّمة التحرير الفلسطينيّة إلى غزّة.
ولفت عبد الكريم إلى أنّ وحدة الموقف السياسيّ للفصائل الفلسطينيّة من صفقة القرن، تجسّدت في مشاركتها في اجتماع القيادة في رام الله، والاتّفاق على اجتماع غزّة، ممّا يؤسّس قاعدة للانطلاق لتشكيل وحدة وطنيّة لتنفيذ الاستراتيجيّة لمواجهة إسرائيل وصفقة القرن.
وأوضح عبد الكريم أنّ الاستراتيجيّة ستتمثّل في قرارات المجلسين المركزيّ والوطنيّ لمنظّمة التحرير الفلسطينيّة، وذلك بتصعيد المقاومة الشعبيّة في الأراضي الفلسطينيّة، وصولاً إلى مواجهة شعبيّة شاملة، والتحرّر من كلّ التزامات اتّفاق أوسلو، والتنصّل منها، بما فيها التنسيق الأمنيّ، ومقاطعة إسرائيل سياسيّاً واقتصاديّاً، وسحب الاعتراف بإسرائيل، وملاحقة قادة إسرائيل على الصعيد الدوليّ.
ولفت عبد الكريم إلى أنّ معالم الاستراتيجيّة واضحة، والمطلوب فقط هو خطّة عمل لتنفيذها، وهذه الخطّة ستتمّ صياغتها على أعلى مستوى قياديّ، والحوارات التي جرت في رام الله وستجري في غزّة هي خطوة للوصول إلى عقد اجتماع على أعلى مستوى، في حضور الرئيس عبّاس لوضع خطّة تنفيذ لهذه الاستراتيجيّة.
وكان الرئيس عبّاس أشار في خطابه عقب اجتماع القيادة في 28 كانون الثاني/يناير إلى هذه الاستراتيجيّة في شكل مقتضب، قائلاً: "سنبدأ فوراً باتّخاذ كلّ الإجراءات التي تتطلّب تغيير الدور الوظيفيّ للسلطة الوطنيّة، تنفيذاً لقرارات المجلسين المركزيّ والوطنيّ".
وكان المجلس المركزيّ لمنظّمة التحرير الفلسطينيّة قرّر في كانون الثاني/يناير 2018 تعليق الاعتراف بإسرائيل إلى حين اعترافها بدولة فلسطين، ووقف التنسيق الأمنيّ مع الاحتلال، والدعوة إلى عقد مؤتمر دوليّ كامل الصلاحيّات لإطلاق عمليّة السلام، وهي قرارات شبيهة بقرارات المجلس الوطنيّ لمنظّمة التحرير الفلسطينيّة خلال اجتماعه في أيّار/مايو 2018، لكن كل تلك القرارات لم تنفذ .
بدوره، قال أمين سرّ المجلس الثوريّ لحركة فتح ماجد الفتياني لـ"المونيتور" إنّ " حركة فتح ذاهبة بقلب مفتوح من أجل إنهاء الانقسام وعدم الرجوع إلى الماضي، والخروج بموقف يثلج صدور شعبنا، ممّا يجعلنا قادرين على التعاطي مع كلّ الملفّات للخروج من عنق الزجاجة" ، مضيفاً: "يجب أن نكون متفائلين، فتح لن تتوقّف عند الكثير من التفاصيل، لأنّ ملفّ الانقسام يجب أن يغلق مهما كانت التضحيات السياسيّة".
يدرك الفلسطينيّون أنّهم لا يستطيعون مواجهة صفقة القرن طالما الانقسام قائم، وبالتالي بات ملفّ إنجاز المصالحة ضرورة لا مفرّ منها أمامهم، نظراً إلى التحدّيات التي ستفرضها إسرائيل على الأرض سواء بضمّ أجزاء من الضفّة الغربيّة أم تقسيم المسجد الأقصى زمانيّاً ومكانيّاً أم اتّساع المواجهات الشعبيّة مع الجيش الإسرائيليّ، ممّا يضع مختلف الفصائل في اختبار عسير، سيكون الفشل فيه بمثابة خدمة مجّانيّة لصفقة القرن.