مدينة غزّة، قطاع غزّة — أعلن رئيس الوزراء الفلسطينيّ محمّد اشتيّة، في 14 تشرين الثاني/نوفمبر الجاري، التوصّل إلى توافق وطنيّ لإجراء الانتخابات العامّة الفلسطينيّة، وذلك في أعقاب موافقة حركة "حماس" على إجرائها، في ضوء النقاط التي وضعها الرئيس الفلسطينيّ محمود عبّاس، مشيراً إلى أنّ "حماس" سترسل موافقتها في رسالة خطيّة.
واشترط محمود عبّاس في رسالة أرسلها إلى الفصائل الفلسطينيّة كافّة، بـ4 تشرين الثاني/نوفمبر الجاري، الحصول على موافقات خطيّة من قبل الفصائل على النقاط السبع التي شملتها الرسالة من أجل إصدار مرسوم رئاسيّ بموعد إجراء الانتخابات العامّة الفلسطينيّة (الرئاسيّة والتشريعيّة)، وسلّمت الفصائل الفلسطينيّة بغالبيّتها موافقتها الخطيّة إلى لجنة الانتخابات المركزية..
وتضمن النقاط السبع التي احتوتها رسالة عبّاس، أن تجري الانتخابات المقبلة استناداً إلى القانون الأساسيّ، وأن تجري الانتخابات التشريعيّة على أساس قانون النسبيّة الكاملة، وأن تتمّ دعوة جهات عربيّة ودوليّة للإشراف على تلك الانتخابات، وأن يشمل المرسوم الرئاسيّ تواريخ محدّدة لإجراء الانتخابات الرئاسيّة والتشريعيّة، وأن يُفتح حوار وطنيّ بين الفصائل بعد إصدار المرسوم لإنجاح العمليّة الانتخابيّة، وأن تحترم نتائج الانتخابات.
الحصول على الموافقات الخطيّة من قبل الفصائل الفلسطينيّة جاء في أعقاب 4 زيارات قامت بها لجنة الانتخابات المركزيّة الفلسطينيّة بين الضفّة الغربيّة وقطاع غزّة، بدأتها في 28 تشرين الأوّل/أكتوبر الماضي، واستمرّت حتى 11 تشرين الثاني/نوفمبر الجاري، استمعت فيها إلى آراء الفصائل حول الانتخابات وسبل إجرائها.
حركة حماس سلمت في 26 نوفمبر الجاري، ردها الذي قالت إنه إيجابي على رسالة الرئيس عباس للجنة الانتخابات المركزية التي تزور قطاع غزة حالياً، وتضمن ردها على عدة بنود أهمها؛ أن تجري الانتخابات التشريعية والرئاسية خلال 3 أشهر من صدور المرسوم الرئاسي، وأن تشمل الأراضي الفلسطينية كافة بما فيها القدس، تشكل محكمة الانتخابات وتحييد المحكمة الدستورية عن العملية الانتخابية، وضمان النزاهة واحترام النتائج.
وبتسلم حماس ردها تكون الفصائل كافة سلمت ردها للجنة الانتخابات، فيما كشفت صحيفة الأخبار اللبنانية في 27 نوفمبر الجاري، أن قطر وعدت السلطة الفلسطينية بدعم لجنة الانتخابات المركزية بـ 25 مليون دولار لتسهيل عملها في إجراء الانتخابات.
رئيس لجنة الرقابة في المجلس التشريعيّ الفلسطينيّ والقياديّ البارز في حركة "حماس" يحيى موسى أوضح خلال حديث لـ"المونيتور" أنّ حركته قدّمت كلّ المرونة اللاّزمة من أجل المضي قدماً في التحضير للانتخابات الفلسطينيّة العامّة، متمنيّاً أن يصدر عبّاس في الأيّام المقبلة مرسوماً رئاسيّاً يحدّد فيه موعد إجراء تلك الانتخابات.
وبيّن يحيى موسى أنّ الأهمّ من إصدار المرسوم الرئاسيّ هو توافر البيئة الصحيّة والمناسبة لانطلاق العمليّة الانتخابيّة في الضفّة الغربيّة وقطاع غزّة، بحيث تجري تلك الانتخابات في أجواء من الشفافيّة والحريّة، وأن يتمّ القبول بنتائجها، وليس الانقلاب عليها، كما جرى عندما فازت "حماس" بها خلال عام 2006.
وشكّلت الانتخابات التشريعيّة في عام 2006، آخر انتخابات تشريعيّة تجري في الأراضي الفلسطينيّة، والتي فازت بها حركة "حماس" بـ76 مقعداً من أصل 132 مقعداً، رغم أنّ قانون الانتخابات الفلسطينيّ رقم 9 لعام 2005 ينصّ في مادّته الثانية على أن تجري تلك الانتخابات كلّ 4 أعوام، إلاّ أنّ الانقسام الداخليّ بين حركتيّ "حماس" و"فتح" حال دون ذلك.
وأكّد المدير الإقليميّ للجنة الانتخابات المركزيّة في قطاع غزّة جميل الخالدي خلال حديث لـ"المونيتور" جاهزيّة لجنته من الناحية الفنيّة لإجراء تلك الانتخابات، لافتاً إلى أنّهم في انتظار المرسوم الرئاسيّ الذي سيحدّد موعد إجراء الانتخابات، لافتاً إلى أنّ اللقاءات التي أجرتها اللجنة مع الفصائل ومؤسّسات المجتمع المدنيّ في الضفّة الغربيّة وقطاع غزّة أثمرت عن تقريب وجهات النظر، وأجابت عن العديد من التساؤلات التي كانت تطرحها الفصائل حول الانتخابات.
وكذلك، اعتبر عضو المكتب السياسيّ للجبهة الشعبيّة كايد الغول في حديث مع "المونيتور" أنّ موافقتهم على إجراء الانتخابات جاءت لقناعتهم بأنّها استحقاق وطنيّ يجب أن يطبّق، وهي السبيل لتداول السلطة وإعادة تجديد بنية النظام السياسيّ الفلسطينيّ، مشدّداً على أنّ تلك الانتخابات تمثّل جزءاً من خطوات يجب أن تتابع لإنهاء الانقسام الداخليّ وتحقيق الشراكة السياسيّة بين مكوّنات المجتمع الفلسطينيّ.
وطالب كايد الغول عبّاس بالمسارعة للدعوة إلى عقد لقاء للأمناء العامّين للفصائل الفلسطينيّة لتدارس خطوات العمليّة الانتخابيّة المتوقّعة بهدف توفير ضمان سيرها بشفافيّة ونزاهة ترضي الأطراف المشاركة فيها، وصولاً إلى الاعتراف بنتائجها، محذّراً من أنّ إجراء تلك الانتخابات من دون توافق على كلّ خطواتها من قبل الفصائل سيجعل تلك العمليّة في خطر.
الاهتمام بإجراء تلك الانتخابات لم يقتصر على الفلسطينيّين، إذ سارعت أطراف دوليّة عدّة، وفي مقدّمتها الأمم المتّحدة وقطر ومصر وتركيا والاتحاد الأوروبيّ، إلى دعم الجهود الفلسطينيّة لإجراء الانتخابات، بهدف إنهاء حالة الانقسام الداخليّ.
واعتبر وزير التخطيط الفلسطينيّ الأسبق ورئيس مركز القدس للإعلام والاتصال غسّان الخطيب في حديث لـ"المونيتور" أنّ الموافقات الخطيّة، التي قدّمتها الفصائل الفلسطينيّة بغالبيّتها، على إجراء الانتخابات، بحاجة إلى الكثير من الخطوات اللاّحقة لتخطّي العقبات التي قد تعترض العمليّة الانتخابيّة، وتحديداً جهة الاشراف على الانتخابات في قطاع غزّة الذي تسيطر عليه "حماس".
وبيّن أنّ الخوف يكمن في رفض إسرائيل إجراء تلك الانتخابات في القدس الشرقيّة، وهو ما يعني وقف العمليّة الانتخابيّة في الأراضي الفلسطينيّة كافّة. إذاً، تلتقي رؤية الفصائل الفلسطينيّة مع عبّاس في أنّه إذا رفضت إسرائيل السماح بإجراء تلك الانتخابات في القدس الشرقيّة، فإنّها لن تجري في الأراضي الفلسطينيّة كافّة.
بدوره، رأى أستاذ العلوم السياسيّة في جامعة بيرزيت عماد غياظة خلال حديث لـ"المونيتور" أنّ الموافقات الخطيّة من قبل الفصائل الفلسطينيّة تأتي لتؤكّد الرئاسة الفلسطينيّة أنّ هناك جديّة من قبل الفصائل في الموافقة على إجراء الانتخابات، معتبراً أنّ الأهمّ من الموافقات الخطيّة هو تهيئة الأجواء الإيجابيّة في الضفّة الغربيّة وقطاع غزّة وإطلاق سراح المعتقلين السياسيّين والسماح بحريّة العمل السياسيّ والنقابيّ.
ودعا عماد غياظة السلطة الفلسطينيّة إلى القيام بجهد أكبر مع الاتحاد الأوروبيّ ومصر من أجل الضغط على إسرائيل للسماح بإجراء تلك الانتخابات في القدس الشرقيّة، لافتاً إلى أنّ الدعوة لإجراء انتخابات فلسطينيّة عامّة جاءت بعد ضغوط دوليّة على السلطة الفلسطينيّة، وتحديداً من الاتّحاد الأوروبيّ.
وينتظر الشارع الفلسطينيّ، بشوق كبير، تطبيق الاستحقاق الانتخابيّ، بهدف تجديد بناء مؤسّساته الرسميّة وتوحيدها، وذلك بعد انقسام داخليّ بين قطبيّ السلطة ("فتح" و"حماس") دام أكثر من 12 عاماً وأثّر على مناحي الحياة كافّة لديه.