فيما شكّل الاغتيال الأميركيّ لقائد فيلق القدس في الحرس الثوريّ الإيرانيّ قاسم سليماني ببغداد، في 3 كانون الثاني/يناير، مفاجأة من العيار الثقيل، جاءت زيارة رئيس المكتب السياسيّ لـ"حماس" إسماعيل هنيّة لإيران، في 6 كانون الثاني/يناير، مع وفد رفيع المستوى من قيادة "حماس"، مفاجأة لا تقلّ ثقلاً عن الحدث ذاته، فزيارته الأخيرة لها تمّت في شباط/فبراير من عام 2012، الأمر الذي منح الزيارة الحاليّة أهميّة استثنائيّة.
جاءت زيارة إسماعيل هنيّة ذات طبيعة بروتوكوليّة للمشاركة في تشييع قاسم سليماني، لكنّ ظهوره في المراسم جاء لافتاً، فهو الشخصيّة غير الإيرانيّة الوحيدة التي تحدّثت خلال المراسم، الأمر الذي يحمل دلالات مهمّة من إيران. وأكّد في كلمة أنّ المقاومة في فلسطين لن تنكسر بعد اغتيال سليماني، الذي قدّم إليها ما أوصلها لهذا المستوى من القوّة، وأمضى حياته في دعمها، واصفاً إيّاه بـ"شهيد القدس".
وليس ذلك فحسب، بل زار هنيّة، في 6 كانون الثاني/يناير، منزل سليماني بطهران لتعزية عائلته، وذكرت زينب سليماني في كلمة بتأبين والدها اسم هنيّة للثأر لمقتله، مع حلفاء آخرين لإيران.
وفي 6 كانون الثاني/يناير، عقد هنيّة وقيادة "حماس" اللقاء الأوّل بقائد فيلق القدس الجديد إسماعيل قاآني، واتّصل هاتفيّاً في 5 كانون الثاني/يناير بوزير الخارجيّة الإيرانيّ محمّد جواد ظريف لتعزيته بمقتل سليماني.
أتت زيارة هنيّة لإيران مزدحمة الأجندة من لقاءات ومشاركات، الأمر الذي يرجّح فرضيّة طيّ صفحة التردّد بعلاقة "حماس" وإيران منذ خلافهما حول أزمة سوريا في عام 2011، ودخولها مرحلة جديدة من التحالف بأعلى مستوياته.
وقال ممثّل "حماس" في طهران خالد القدّومي، الذي رافق هنيّة في كلّ محطّات زيارته، لـ"المونيتور": "إنّ الزيارة تأتي لأداء واجب العزاء بسليماني الذي دعم المقاومة الفلسطينيّة بلا حدود، فالزيارة هي جزء من الوفاء بين حماس وحلفائها. لقد التقى هنيّة بأركان الدولة الإيرانيّة على هامش الجنازة، وبدا واضحاً حجم الترحيب الرسميّ الإيرانيّ بوفد الحركة. حماس ترى اغتيال سليماني جريمة مرفوضة، ولا نستبعد أن ترتكب إسرائيل حماقة مشابهة ضدّ قياداتنا، لكنّنا نتحسّب لذلك".
تعوّل "حماس" كثيراً على زيارة هنيّة، باعتبارها مرحلة فاصلة في علاقاتها مع إيران، التي تعتبر داعمتها الأساسيّة والحصريّة بالسلاح والعتاد القتاليّ، الأمر الذي يجعل الحركة متمسّكة بها، ومتطلّعة إلى توثيق علاقاتها بها لدرجة التحالف الاستراتيجيّ. وليس سرّاً أنّ "حماس" ارتبطت بعلاقة متينة مع سليماني، وهي اليوم تترقّب أداء خليفته إسماعيل قاآني، ومدى إصراره على الاستمرار في دعمها الماليّ والعسكريّ، ولعلّ لقاءه بهنيّة يأتي لطمأنة الحركة في هذا الخصوص.
كما تزامنت زيارة هنيّة مع نذر مواجهة أميركيّة - إيرانيّة عقب اغتيال سليماني، بدأت فعليّاً فجر 8 كانون الثاني/يناير بقصف إيرانيّ لقواعد عسكريّة أميركيّة في العراق، الأمر الذي قد يجعل دعم إيران لـ"حماس" في مرحلة متأخّرة لتركيزها على المواجهة مع واشنطن، وقد تأتي زيارة هنيّة لإبقاء دعم الحركة في أولويّات طهران.
وقال مسؤول فلسطينيّ في رام الله، أخفى هويّته، خلال حديث لـ"المونيتور": "إنّ اغتيال سليماني هو جزء من صراع أميركيّ - إيرانيّ، والفلسطينيّون لا علاقة لهم به، الأمر الذي يجعل من زيارة هنيّة إقحاماً لهم بشأن لا يخصّهم، وهي خطوة خاطئة".
إقليميّاً، كشفت صحيفة "هآرتس"، في 7 كانون الثاني/يناير، أنّ زيارة هنيّة لطهران ربّما تستدعي ردّأ غير متوقّع من مصر وإسرائيل، وقد يضطرّ إلى الانتظار فترة طويلة في الخارج حتّى تسمح له مصر بالعودة إلى القطاع.
وأعلن مصدر مصريّ موثوق لصحيفة "دار الحياة"، في 7 كانون الثاني/يناير، أنّ مصر غير راضية عن الزيارة، وهنيّة يعلم موقفنا.
أمّا صحيفة "عكاظ" السعوديّة فاعتبرت، في 6 كانون الثاني/يناير، أنّ هنيّة بزيارته لطهران أصبح رهينة لها.
كما أنّ أصدقاء "حماس" ومناصريها انتقدوا على "تويتر" زيارة هنيّة لطهران وإشادته بسليماني.
وقال القياديّ في "حماس" عبد الرحمن شديد لـ"المونيتور": "إنّ سليماني لم يكن جنرالاً إيرانيّاً فقط، بل دعم قدرات المقاومة على أكثر من جبهة، وغيابه عن المشهد لن يؤثّر سلباً على دعم إيران لنا، بل المتوقّع زيادته استعداداً لمعركة قد تنشب في أيّ وقت. لا ينبغي لمصر القلق من الزيارة، لأنّها ليست على حساب علاقتنا بها. حماس منفتحة على كلّ الدول، وتطمح إلى تعزيز علاقاتها بها".
قد لا تعتبر مسارعة هنيّة إلى المشاركة في جنازة سليماني رغبة من "حماس" بمواصلة الحصول على الدعم الماليّ الإيراني والعسكريّ فقط، بقدر ما هي توجّه لديها بإقامة تحالف حقيقيّ مع طهران يتجاوز دائرة الصداقة والتفاهمات إلى ما هو أبعد من ذلك، بما ينقل العلاقة من المصلحة الماليّة والعسكريّة إلى الانخراط الاستراتيجيّ مع إيران، وهو أمر يجعل "حماس" في قلب السياسات الإقليميّة بالمنطقة، رغم ما تؤكّده حول استقلاليّة قرارها.
بدوره، قال المستشار السياسيّ في "مجموعة الراصد للبحوث والعلوم" أسامة الأشقر لـ"المونيتور": "إنّ حماس حسمت خيارها بالاصطفاف مع إيران لأنّها تدعمها سياسيّاً وعسكريّاً وإعلاميّاً، واقترابهما محسوب بحسابات استراتيجيّة، رغم افتراقهما الحادّ في الملف السوريّ، لكنّ إيران في الوقت ذاته لن تعطي حماس شيكات مفتوحة، فثمّة الكثير من الإشكالات والتعقيدات بعلاقتهما، وإن بقي جوهر التفاهم هو مقاومة إسرائيل. إيران لديها تحفّظات على حماس، وتخوّفات منها، فمؤسّسات حماس التنظيميّة قويّة وتمنعها من الارتهان لإيران".
وقال المتحدّث باسم "حماس" فوزي برهوم لـ"المونيتور": "إنّ زيارة هنيّة من شأنها زيادة الدعم الإيرانيّ عسكريّاً وماليّاً للمقاومة الفلسطينيّة، بغض النظر عمّن يقف على رأس فيلق القدس، سواء أكان سليماني أم قاآني، فحماس تتعامل مع دولة، وليس مع أشخاص".
يمكن الحديث أنّ زيارة هنيّة أعلنت تحالفاً رسميّاً صريحاً، وليس تلميحاً بين "حماس" وإيران، الأمر الذي سيمنح الحركة مزيداً من الدعم. وفي الوقت ذاته، قد يلقي عليها تبعات كثيرة لانخراطها في المحور الإيرانيّ بسياساته الإقليميّة، الأمر الذي قد يستجلب سياسة أكثر عدائيّة تجاه "حماس" من بعض دول المنطقة، لا سيّما من السعوديّة ومصر وحلفائهما الخليجيّين.