جاء لافتاً أن يتضمّن خطاب الرئيس الأميركيّ دونالد ترامب لدى إعلانه عن صفقة القرن في 28 كانون الثاني/يناير، إشارة واضحة إلى "حماس" بالقول: إنّ تطبيق الصفقة يتطلّب وقف أنشطة "الإرهاب" الخبيث من "حماس"، فيما طالب رئيس الوزراء الإسرائيليّ بنيامين نتنياهو في اليوم ذاته بنزع سلاح "حماس" بغزّة.
أصدرت "حماس" سلسلة ردود أفعال على هذه المطالب الإسرائيليّة والأميركيّة، فقال رئيس مكتبها السياسيّ إسماعيل هنيّة بتصريحات صحافيّة في 5 شباط/فبراير: إنّ سلاح حماس غير قابل ليوضع ضمن أيّ خطّة، وسنستمرّ في استراتيجيّة بناء القوّة العسكريّة لتشمل الضفّة والقدس.
وأكّد نائب زعيم "حماس" في غزّة خليل الحيّة ببيان صحافيّ، في 28 كانون الثاني/يناير، أنّ إعلان دونالد ترامب حول سلاح حماس هو ترهات وأحلام.
وأشار عضو مكتبها السياسيّ محمود الزهّار لوكالة "فلسطين اليوم" في 28 كانون الثاني/يناير، إلى أنّ إسرائيل حاولت مراراً نزع سلاح حماس، لكنّها لم تنجح، ويمكن تحقيق ذلك في حالة واحدة إن قتلت إسرائيل وأميركا كلّ الفلسطينيّين.
وقال الخبير العسكريّ الفلسطينيّ في الضفّة الغربيّة وقائد المدفعيّة السابق بقوّات منظّمة التحرير اللواء واصف عريقات لـ"المونيتور": "إنّ هاجس حماس بالتوجّه الإسرائيليّ والأميركيّ إلى نزع سلاحها مفهوم ومنطقيّ، لكنّه لن يتمّ، إلاّ بحرب إسرائيليّة على غزّة. السلاح الأكثر خطورة في نظر إسرائيل والمطلوب نزعه من حماس هو الصواريخ والمدفعيّة وكلّ ما يطلق عن بعد وعابر للحدود. أمّا الأسلحة الخفيفة والمتوسّطة فليست مهمّة بنظر إسرائيل، مع أنّ حماس قد تعوّض الأسلحة التي تخسرها في أيّ حرب بالصناعات المحليّة والتهريب من خارج غزّة".
وفي 5 شباط/فبراير، حذّر عضو المكتب السياسيّ لـ"الجهاد الإسلاميّ" يوسف الحساينة في ندوة سياسيّة نظّمتها الحركة بغزّة، من شنّ حرب على غزّة لنزع سلاحها تطبيقاً للصفقة، أو القيام بذلك بأدوات ناعمة كالازدهار الاقتصاديّ أو هدنة طويلة، وإغلاق المنافذ التي تمدّ حماس والجهاد الإسلامي بأسلحتهما.
وقال القياديّ في "حماس" إسماعيل رضوان لموقع "دنيا الوطن" في 28 كانون الثاني/يناير: إنّ المستهدف من صفقة القرن هو سلاح المقاومة، لكنّه خطّ أحمر، لا يمكن المساومة عليه أو المساس به، والحرب هي الحالة الوحيدة التي قد ينتزع عبرها بالقوّة.
بدوره، قال المتحدّث باسم "حماس" حازم قاسم لـ"المونيتور": "إنّ هدف نزع سلاح حماس ليس حديثا لإسرائيل، وتحدّثت عنه في أكثر من مناسبة سابقاً. وبالتّالي، فإنّ وضعه بنداً في الصفقة لا يقدّم ولا يؤخّر كثيراً. هذا الهدف لن يتحقّق، فحماس لن تسلّم سلاحها، ولا يمكن لأحد نزعه، لأنّه محاط بحاضنة شعبيّة قويّة تؤمن به. سلاحنا شرعيّ لأنّنا نستخدمه في الدفاع عن شعبنا وفق القوانين الدوليّة، وإسرائيل أعجز من أن تستطيع نزعه، حتّى أنّ أوساطاً إسرائيليّة تعتقد بعدم واقعيّة هذا الهدف".
وإذ كشف وكيل الخارجيّة الإسرائيليّ الأسبق أوري سافير لـ"المونيتور" في آذار/مارس من عام 2018 أنّ نزع سلاح "حماس" أهمّ بنود الصفقة، أكّد المستشار الإسرائيليّ السابق في مكتب رئاسة الوزراء وجنرال الاحتياط بالجيش الإسرائيليّ عاموس غلبوع لصحيفة "معاريف" بـ30 كانون الثاني/يناير، أنّ الصفقة تتحدّث عن نزع سلاح "حماس"، لكنّه حلم فارغ لن يتحقّق، لأنّه يثير سؤالاً عمّن سيفكّكه، وهذا وحده يقدّم بشائر سيّئة إلى الصفقة.
أمّا الناطق باسم لجان المقاومة الشعبيّة محمّد البريم فقال لـ"المونيتور": "إنّ التهديد الإسرائيليّ والأميركيّ بنزع سلاح المقاومة ضمن ترتيبات الصفقة قد تنفذ في الفترة المقبلة، والمقاومة تأخذ في الاعتبار أسوأ الاحتمالات، وهي جاهزة لكلّ سيناريو، بما في ذلك توقّع حرب إسرائيليّة طاحنة ضدّ غزّة لنزع سلاحها، لكنّ الجيش الإسرائيليّ بكلّ إمكانيّاته لن يستطيع نزعه. الحديث عن آليّات لتسليم السلاح غير واقعية، فلا يمكن لإسرائيل أن تحصل على تسليم طوعيّ له، لكنّها قد تواصل إرسال الوسطاء لإقناعنا بذلك".
ليست المرّة الأولى التي تظهر فيها مطالب إسرائيليّة ودوليّة بنزع سلاح "حماس"، ففي شباط/فبراير من عام 2006 طالبت اللجنة الرباعيّة الدوليّة بنزعه، ودأبت السلطة الفلسطينيّة على ضرورة وجود سلاحها الشرعيّ الواحد، وهو ما ترفضه "حماس". وفي آذار/مارس من عام 2019، تحدّثت خطّة مصريّة عن نزع سلاح الحركة مقابل رفع حصار غزّة.
وقال الباحث في الشؤون الإسرائيليّة بمركز رؤية للتنمية السياسيّة بتركيا عماد أبو عوّاد لـ"المونيتور": "إنّ إسرائيل معنيّة بأن تشمل الصفقة تفكيك سلاح حماس المتطوّر والعادي، لكنّ السؤال حول إمكانيّة حصول ذلك، فقد يتمّ بعمليّة عسكريّة إسرائيليّة أو إعادة السلطة إلى غزّة وتكون هي المطالبة بنزع السلاح، مع أنّ قلق حماس على سلاحها قد يدفعها إلى التوافق مع السلطة، أو ظهور تدخّلات عربيّة لتفكيك سلاح حماس، أو تشديد حصار غزّة، ومساومة حماس على نزع سلاحها، وربّما زيادة ضغط مصر على حماس، وصولاً إلى مواجهة بينهما".
لا يتوقّع أحد من الإسرائيليّين أو الأميركيّين أن تبادر "حماس" من تلقاء نفسها إلى تسليم سلاحها، وهو الذي حصلت عبر تهريبها من الخارج عبر سيناء حيث يصل من إيران والسودان وليبيا، أو بالتصنيع الداخليّ، الأمر الذي قد يرجّح فرضيّة أن تسعى إسرائيل إلى نزع سلاح الحركة بالخيار العسكريّ والحرب الشاملة، رغم أنّ هذا السيناريو قد يحمل مفاجآت كبيرة من "حماس" ووقوع خسائر إسرائيليّة فادحة غير محتملة.
سبق لإسرائيل أن خاضت 3 حروب طاحنة على غزّة لتفكيك سلاح "حماس"، ولم تنجح. واليوم، لا يوجد إجماع إسرائيليّ على الحرب لعدم ضمان تحقّق أهدافها منها، وإمكانيّة أن تأتي بنتائج غير مضمونة.
في هذه الحالة، من الطبيعيّ أن يدفع قلق "حماس" على سلاحها إلى توافقها مع السلطة الفلسطينيّة عبر جهود المصالحة المستأنفة بعد إعلان الصفقة، فالحركة المحاصرة غير قادرة لوحدها على تحمّل أعباء الفلسطينيّين في غزّة، فضلاً عن رغبتها في الحيلولة دون تعرّضها لحرب إسرائيليّة طاحنة تنفرّد بها في غزّة لنزع سلاحها، لكنّ المشكلة تبقى ما أعلنه الرئيس محمود عبّاس في 3 شباط/فبراير أنّه لا يؤمن بالسلاح وسيسعى إلى أن تكون دولة فلسطين منزوعة السلاح. كما أنّ السلطة لا تريد العودة إلى غزّة أو تحمّل إدارتها الماليّة والمعيشيّة.