مدينة غزّة - أعلنت وزارة الداخليّة في قطاع غزّة التي تديرها حركة حماس، خلال حفل نظّمته على شاطئ غزّة، في 22 كانون الأوّل/ديسمبر الماضي، عن إطلاق جهاز الشرطة البحريّة، كجهاز منفصل عن بقيّة الأجهزة الأمنيّة الأخرى.
ويحمل تأسيس هذا الجهاز الأمنيّ الجديد، رسالة تحدٍّ إلى إسرائيل. فقد جاء إطلاقه تزامناً مع الذكرى السنويّة الثامنة للحرب الإسرائيليّة الأولى على غزّة (من 27 كانون الأوّل/ديسمبر 2008 ولغاية 18 كانون الثاني/يناير 2009)، والتي بدأت بشنّ غارات جويّة فجائيّة على مقرّات الأجهزة الأمنيّة المنتشرة في كافة أرجاء مدينة غزة، ممّا أسفر عن استشهاد أكثر من 350 عنصراً وضابطاً من الأجهزة الأمنيّة، على رأسهم قائد الشرطة الفلسطينيّة اللواء توفيق جبر، وقائد جهاز الأمن والحماية في وزارة الداخليّة العقيد اسماعيل جبر.
وقال قائد الأجهزة الأمنيّة في غزّة اللواء توفيق أبو نعيم، في كلمته خلال الحفل: "إنّ الشرطة البحريّة ستعمل على تأمين امتداد الشريط الساحليّ للقطاع، والبالغ طوله نحو 39 كيلومتراً. وملقى على عاتقه أمن المنطقة الساحليّة من المهرّبين والمخلّين بالأمن وتنظيم حركة الصيّادين".
ويقول المتحدّث باسم وزارة الداخليّة في غزّة إياد البزم لـ"المونيتور": "جاء تأسيس جهاز الشرطة البحريّة، كجهاز مستقلّ بذاته، من أجل تطوير الإجراءات الأمنيّة على طول ساحل قطاع غزّة، ومراقبة هذه الشواطئ من عمليّات التهريب والإخلال بالأمن".
وأوضح البزم أن عدد عناصر جهاز الشرطة البحريّة الجديد يبلغ 600 عنصراً، "وهم ليسوا عناصراً تمّ توظيفهم حديثاً للانتساب إلى هذا الجهاز، بل هم في الأساس عناصر قديمة من أجهزة أمنيّة مختلفة تتبع إلى وزارة الداخليّة، ولكن طبيعة التدريبات التي تلقّوها خلال السنوات الماضية، جعلتهم مناسبين للانتساب إلى الجهاز الأمنيّ الجديد".
ويقول النائب عن كتلة التغيير والإصلاح البرلمانيّة التابعة إلى حماس، ومقرّر لجنة الداخليّة والأمن والحكم المحليّ في المجلس التشريعيّ الفلسطينيّ مروان أبو راس لـ"المونيتور": "إنّ أيّ بلاد لديها بحر لا بدّ أن يكون لديها جهاز أمنيّ بحريّ، من أجل حفظ الأمن البحريّ ومراقبة السواحل".
وأضاف: "من حقّ عناصر هذا الجهاز الأمنيّ الفلسطينيّ الجديد أن يتلقّوا التدريبات المناسبة التي تؤهّلهم للقيام بمهامهم وأعمالهم على درجة عالية من الخبرة والدراية".
ويسعى جهاز البحريّة الجديد إلى التصدّي لمهرّبي المخدّرات، ومراقبة أيّ محاولة للتواصل الاستخباريّ بين جواسيس فلسطينيّين يعملون على جمع معلومات عن المقاومة الفلسطينيّة، وضبّاط إسرائيليّين، عبر البحر الذي تسيطر عليه إسرائيل.
وتبذل أجهزة الأمن التابعة إلى حماس جهوداً للقبض على جواسيس البحر. ففي 24 نيسان/أبريل 2016، ذكر موقع المجد الأمنيّ التابع إلى المقاومة الفلسطينيّة، أنّ الأجهزة الأمنيّة في غزّة تمكّنت من القبض على صيّاد (37 عاماً) يعمل كمتخابر مع إسرائيل منذ عام 2010، وتورّط في تسريب معلومات عن نشاط المقاومة، إضافة إلى تسليم بعض أسماء المقاومة إلى ضبّاط إسرائيليّين.
على الرغم من الأهداف المدنيّة والأمنيّة السابق ذكرها، التي يسعى جهاز الشرطة البحريّة الجديد إلى تحقيقها، إلّا أنّ الخبير في الشؤون الأمنيّة والاستراتيجيّة يوسف الشرقاوي قال لـ"المونيتور": "إنّ إسرائيل تخشى من أن يساهم جهاز الشرطة البحريّة الجديد، في تعزيز الإمكانات العسكريّة البحريّة الخاصّة بكتائب القسّام، الجناح العسكريّ لحماس، والتي تتّهمها إسرائيل باستغلال البحر في تهريب السلاح ومعدّات غوص وغطس، استعداداً للمواجهة العسكريّة المقبلة مع إسرائيل".
وكانت إسرائيل قد كشفت في 13 أيلول/سبتمبر الماضي، عن قيامها في آب/أغسطس الماضي، باعتقال الصيّاد جهاد عرايشي (24 عاماً)، لتهريبه عبر سفينته موادّاً متفجّرة تستخدم لصنع أسلحة لصالح حركة حماس.
وذكر موقع المصدر الإسرائيليّ في مقالة له نشرت في 7 تشرين الثاني/نوفمبر الماضي حول التجهيزات البحريّة للمقاومة الفلسطينيّة، أنّ "إسرائيل تتابع بحذر محاولات حماس زيادة كميّات تهريب السلاح من البحر إلى داخل القطاع، والتدريبات المكثّفة التي تجرى للـ"كوماندوز" البحريّ للحركة".
بالنسبة إلى الشرقاوي، فهو يرى أنّ أكثر ما تخشاه إسرائيل عند أيّ مواجهة عسكريّة جديدة مع حماس، هو عمليّات التسلّل البحريّ لعناصر الـ"كوماندوز" الخاصّة بحماس في أسفل الموانئ البحريّة الإسرائيليّة، ونصب عبوات ناسفة في أسفلها أو اقتحام بلدات إسرائيليّة ساحليّة.
وشهدت الحرب الأخيرة على غزّة في عام 2014، أولى محاولات حركة حماس تنفيذ عمليّة تسلّل داخل إسرائيل عبر البحر، حيث تمكّن أربعة غوّاصين ينتمون إلى كتائب القسّام من قطع الحدود البحريّة، والتسلّل إلى قاعدة زكيم الإسرائيلية العسكريّة في 8 تمّوز/يوليو 2014، والاشتباك مع قوّات إسرائيليّة لساعات، قبل أن تجهز عليهم جميعاً.
ولفت الشرقاوي النظر إلى أنّ هذه العمليّة شكّلت اهتماماً كبيراً لدى إسرائيل في استكشاف قدرات حماس البحريّة ورصد تطوّرها.
ويقول البزم في هذا الصدد: "إنّ عمل الأجهزة الأمنيّة كافّة في وزارة الداخليّة في غزّة، غير مرتبط مطلقاً بعمل المقاومة الفلسطينيّة، وينحصر هدفها في خدمة المواطنين، وتقديم خدمات مدنيّة بحتة".
أمّا أبو راس فيرى أنّ أي تخوّفات إسرائيليّة "غير مبرّرة"، ويقول: "إسرائيل تخاف من السراب، هي لا تريد للسلطات الحاكمة في غزّة أن تطوّر أيّاً من أعمال أجهزتها الأمنيّة المدنيّة، تحت ذرائع المقاومة والعسكرة، ونحن نرى أنّ أي تخوفات إسرائيلية هي مجرّد هواجس غير مبرّرة، ونحن من حقّنا تطوير أجهزتنا الأمنيّة، ولا نأبه لهواجس إسرائيل الأمنيّة".
وأضاف: "من حقّ المقاومة أن تدخل السلاح كما تشاء، ولكن ليس من خلال الأجهزة الأمنيّة التابعة إلى وزارة الداخليّة، ففصائل المقاومة لديها وسائلها وأساليبها، أمّا في ما يتعلّق باعتقالات إسرائيل للصيّادين واتّهامهم بتهريب الأسلحة لحماس، فهذه محض افتراءات".
على الرغم من ذلك، إلّا أنّ حدود عمل جهاز الشرطة البحريّة الجديد، لا يتجاوز مسافة ستّة أميال بحريّة، إذ أنّ البحريّة الإسرائيليّة لا تسمح لأيّ كان تجاوز هذه المسافة، خلافاً لاتّفاقية أوسلو في عام 1993، التي تنصّ على الحقّ في الإبحار لمسافة 20 ميلاً، إلّا أنّ ذلك لم يحظ بالتزام إسرائيل.
في نهاية المطاف، يجب الأخذ في الاعتبار أنّ إسرائيل تتعامل مع الأجهزة الأمنيّة والشرطة المدنيّة التابعة إلى حماس، على أنّها أجهزة عسكريّة، الأمر الذي دفعها إلى تدمير بنيتها التحتيّة ومرافقها الأمنيّة، خلال الحرب الإسرائيليّة الأولى على غزّة في عام 2008، وهذا ما يجعل الشرقاوي لا يستبعد أن يكون جهاز الشرطة البحريّة الجديد عرضة للتدمير عند أيّ مواجهة جديدة مع إسرائيل.