رام الله، الضفّة الغربيّة — شهدت محافظة الخليل جنوب الضفة الغربية يوم الاثنين 9 كانون اول/ديسمبر اضرابا شاملا احتجاجا على توجه السلطات الاسرائيلية لبناء حي استيطاني في السوق القديم من المدينة، حيث اندلعت مواجهات بين الفلسطينيين والجيش الاسرائيلي.
وبدأت إسرائيل أولى خطواتها لبناء حيّ استيطانيّ جديد في شارع الشهداء في وسط الخليل في جنوب الضفّة الغربيّة، على سوق الخضار القديم المغلق منذ عام 1994 بقرار عسكريّ إسرائيليّ، عقب مجزرة الحرم الإبراهيميّ التي راح ضحيّتها 29 فلسطينيّاً حين اقتحم المستوطن باروخ غولدشتاين الحرم الابراهيمي فجر 25 شباط/فبراير أثناء أداء الفلسطينيين صلاة الفجر، وأطلق الرصاص عليهم ما ادى الى استشهاد 29 فلسطينيا وأصابة 150 بجروح.، حيث صادق وزير الدفاع الإسرائيليّ نفتالي بينيت في 1 كانون الأوّل/ديسمبر على مخطّط بناء الحيّ.
وأصدر بينيت تعليماته في 1 كانون الأوّل/ديسمبر إلى الإدارة المدنيّة الإسرائيليّة في الضفّة الغربيّة لإبلاغ بلديّة الخليل، بنيّة السلطات الإسرائيليّة هدم المباني الموجودة في سوق الخضار، لبناء متاجر ومبانٍ سكنيّة جديدة للمستوطنين، والخطّة تشمل بناء 70 وحدة سكنيّة، بحسب صحيفة هآرتس الإسرائيليّة.
ومن شأن الحيّ الاستيطانيّ الجديد أنّ يخلق تواصلاً جغرافيّاً وامتداداً بين الحرم الإبراهيميّ في البلدة القديمة في الخليل، وحيّ أبراهام أفينو الاستيطانيّ القريب، وكذلك زيادة عدد المستوطنين القاطنين في البلدة القديمة في الخليل، والبالغ 800 مستوطن.
سفيان الجنيدي (64 عاماً) من مدينة الخليل، هو أحد عشرات التجّار الذين كانوا يستأجرون محلّات تجاريّة في السوق المهدّد بالهدم، لكنّ الجيش الإسرائيليّ أغلق متجره في عام 1994 عقب مجزرة الحرم الإبراهيميّ.
وقال الجنيدي لـ"المونيتور" إنّ "الجيش أغلق محلّ الخضار الذي كنت املكه بقرار عسكريّ، ومنذ ذلك الوقت لم استطع ولو لمرّة واحدة من زيارته".
وأوضح الجنيدي أنّ محلّ الخضار ورثه من والده، الذي قام باستئجاره من بلديّة الخليل في عام 1965، حيث كانت هذه المنطقة التي تقع وسط الخليل تعجّ بالمتسوّقين والزوّار، وكانت تصلها عشرات الأطنان من الفواكه والخضراوات، كونها منطقة تجاريّة مهمّة، "لكنّنا محرومون من الوصول إليها منذ عشرات السنوات".
وتبلّغت بلديّة الخليل في 2 كانون الأوّل/ديسمبر من قبل الإدارة المدنيّة الإسرائيليّة، قرار الوزير بينيت، وأمهلتها شهراً للردّ على البلاغ، إذ قال رئيس بلديّة الخليل تيسير أبو اسنينة لـ"المونيتور" إنّ البلاغ الذي وصلنا يشير إلى نيّة سلطات الاحتلال هدم سوق الخضار المركزيّ (الحسبة) وإقامة مجمّع استيطانيّ مكانه، وقالت سلطات الاحتلال انها ستأخذ بعين الاعتبار الحقوق المالية للفلسطينيين لكنها لم توضح الآلية التي ستتبناها في هذا الصدد.
ولفت أبو اسنينة إلى أنّ تعهّد الاحتلال بالمحافظة على الحقوق الماليّة للفلسطينيّة "نكتة سيّئة" وكذبة، فلا يعقل أن تسمح سلطات الاحتلال الآن للفلسطينيّين الذين حرمتهم من الوصول إلى متاجرهم طيلة 25 عاماً، بذلك بعد بناء عشرات الوحدات السكنيّة للمستوطنين.
وأكّد أبو اسنينة أنّ إقامة حيّ استيطانيّ في سوق الحسبة سيقضي على أيّ آمال لدى السكان بفتح شارع الشهداء مرة اخرى أمام الفلسطينيّين، وسيزيد من أعداد المستوطنين في المدينة، وسيؤدّي إلى مزيد من التوتّر وارتفاع وتيرة اعتداءات المستوطنين على السكّان في المنطقة، ويطلق الرصاصة النهائيّة على بروتوكول الخليل ويجعله بلا قيمة.
وكانت منظّمة التحرير الفلسطينيّة واسرائيل وقّعتا في 15 كانون الثاني/يناير 1997 بروتوكول إعادة الانتشار في الخليل لإعادة انتشار القوّات الإسرائيليّة في المدينة، وبموجب البروتوكول، تمّ تقسيم المدينة إلى منطقتين هما H1 وتشكّل 80% من مساحة الخليل وتخضع إلى سيطرة السلطة، ومنطقة H2 وتشكّل 20% من مساحة الخليل، وتخضع إلى السيطرة الأمنيّة الإسرائيليّة، حيث نصّ البروتوكول المكوّن من 23 بنداً، في بنده الثامن على فتح سوق الحسبة، وعودة حركة المركبات إلى شارع الشهداء، لكنّ أيّاً من تلك النقاط لم تنفّذ.
وأكّد أبو اسنينة أنّ إسرائيل تعمل منذ احتلالها الخليل في عام 1967 على تنفيذ مشروعها الهادف إلى إقامة مدينة استيطانيّة يهوديّة في قلب الخليل.
وأوضح أبو اسنينة أنّ السوق تبلغ مساحته نحو 5 دونمات، ويحتوي على 40 محلّاً تجاريّاً في بنايات عدّة، لافتاً إلى أنّ البلديّة بدأت منذ تسلّمها التبليغ بتشكيل لجنة قانونيّة تعمل على إعداد ملفّ قانونيّ لتقديم اعتراضات في البداية وفي حال رفضها سيتم تقديم دعوى قضائية، بالتعاون مع مؤسّسات محلّيّة عدّة كمحافظة الخليل، ولجنة إعمار الخليل، وهيئة مقاومة الجدار والاستيطان، من أجل اللجوء إلى القضاء الإسرائيليّ، لأنّه لا يوجد أمامنا خيار سواه، على الرغم من عدم ثقتنا به.
بدوره، قال المستشار القانونيّ لبلديّة الخليل سامر شحادة أنّ قرار بينيت يعدّ سياسيّاً، ولا يستند إلى أساس قانونيّ، ولذلك التحرّك القانونيّ الذي سنقوم به سيبدأ بعد انتهاء مهلة الشهر التي أمهلتها الإدارة المدنيّة لبلديّة الخليل للردّ على التبليغ.
وأوضح شحادة: "التوجّه سيكون للاعتراض لدى لجنة التخطيط والبناء في الإدارة المدنيّة الإسرائيليّة، على كلّ المخطّطات التي سيتمّ تقديمها لبناء الحيّ، وفي حال رفض الاعتراض، سنتوجّه إلى مجلس التنظيم الأعلى، وفي حال المصادقة على المخطّطات من قبل مجلس التنظيم الاعلى، سنتقدّم بالتماس إلى المحكمة العليا في اسرائيل".
من جانبه، قال منسّق لجنة الدفاع عن الخليل هشام الشرباتي لـ"المونيتور" إنّ سوق الخضار المستهدف كان يجب إعادة فتح محلّاته التجاريّة بعد توقيع بروتوكول إعادة الانتشار في الخليل، لكنّ إسرائيل لم تلتزم بذلك، ممّا يدلّل على نيّة إسرائيل المسبقة بتهويده واستهدافه لصالح مشاريع استيطانيّة.
وأكّد الشرباتي أنّ المشروع الاستيطانيّ سيزيد أعداد المستوطنين في الخليل، ممّا يظهر نوايا إسرائيل بتحويل أجزاء من قلب الخليل إلى مدينة يهوديّة وضمّها إلى سرائيل، التي تستفيد من التواطؤ الأميركيّ، خصوصاً بعد قرارها اعتبار المستوطنات شرعيّة.
ولفت الشرباتي إلى أنّ بناء الحيّ ستكون له انعكاسات خطيرة على الأرض، حيث سيزداد التوتّر، وترتفع حدّة اعتداءات المستوطنين الذين يحظون بحماية من الجنود الإسرائيليّين، ممّا سيرفع احتمال وقوع مواجهات شبه يوميّة في المدينة.
وأدانت مؤسّسات السلطة الفلسطينيّة ومنظّمة التحرير الفلسطينيّة والفصائل الفلسطينيّة المشروع الاستيطانيّ، محذّرة من أنّه قد يشعل انفجاراً في المدينة، إذ قال عضو اللجنة المركزيّة لحركة فتح حسين الشيخ في تغريدة على "تويتر" في 4 كانون الأوّل/ديسمبر: "تنفيذ قرار وزير الدفاع الإسرائيليّ بإنشاء حيّ استيطانيّ في قلب الخليل ينذر بالانفجار والانتقال إلى مواجهة من نوع آخر، ويتطلّب ردّاً رسميّاً وشعبيّاً فلسطينيّاً على هذا التغوّل الاستعماريّ الذي يأتي أيضاً في ظلّ التوجّه إلى ضمّ الأغوار"، كما قالت مؤسّسات مدينة الخليل وفعاليّاتها، خلال اجتماعها في 3 كانون الأوّل/ديسمبر، إنّ "إقامة مستوطنة جديدة في قلب الخليل ستؤدّي إلى انفجار الوضع وزيادة عنف المستوطنين المتطرّفين على المواطنين".