ريف حلب الشماليّ، سوريا — يعاني عامّة السوريّين القاطنين في مناطق سيطرة المعارضة في محافظة إدلب وريف حلب أوضاعاً معيشيّة سيّئة، ويجد غالبيّتهم صعوبة في تأمين الحاجات الأساسيّة، كالتدفئة والطعام والسكن اللائق والمياه النظيفة، وغيرها من الحاجات التي بات أمر تأمينها مكلفاً للغاية، في ظلّ الانهيار الكبير للّيرة السوريّة، وهبوط أسعار صرفها أمام العملات الأجنبيّة، إضافة إلى عوامل أخرى أثّرت في شكل مباشر على حياة الناس وزادت من معاناتهم اليوميّة.
التقى "المونيتور" الناشط الإعلاميّ أيمن سويد، وهو من ريف حلب الشماليّ، حيث قال: "هذا الشتاء قاسٍ جدّاً، لم تتمكّن الغالبيّة العظمى من الناس في ريف حلب من تغطية نفقات التدفئة بسبب التكلفة المرتفعة، فأسعار المحروقات ارتفعت في شكل كبير أخيراً، حيث أصبح مثلاً سعر البرميل الواحد من الديزل الذي يستخدم للتدفئة 90 ألف ليرة سوريّة، أي ما يعادل مئة دولار أميركيّ، بينما كان سعر البرميل الواحد في الشتاء الماضي في عام 2018 لا يزيد عن 35 ألف ليرة سوريّة، أي ما يعادل 50 دولاراً أميركيّاً فقط".
وأضاف سويد: "مدفأة الحطب كانت خيار عامّة الناس، بعض العائلات وفي شكل خاصّ من تقطن في المخيّمات وهي من الفقراء، تقوم بجمع الحطب وأغصان الأشجار الجافّة من البساتين، والبعض الآخر من الناس ممّن يتوافر لديهم مال يشترون كيساً من الفحم الحجريّ الذي يزن 25 كيلوغراماً بسعر 4 آلاف ليرة سوريّة، أي ما يعادل 5 دولارات أميركيّة لاستخدامه في التدفئة، ويكفينا لـ3 أيّام".
يعاني الناس في ريف حلب وإدلب من ارتفاع حادّ في أسعار المحروقات التي زاد الطلب عليها بعد دخول فصل الشتاء، ممّا دفع الكثير منهم إلى البحث عن بدائل أقلّ تكلفة من الناحية المادّيّة، وشهدت المشتقّات النفطيّة كالديزل والبنزين والكاز ارتفاعاً كبيراً في مناطق المعارضة أخيراً، وذلك مقارنة بأسعارها في الفترة نفسها من العام الماضي 2018، ومن أبرز البدائل التي توجّه الناس إلى استخدامها في التدفئة، الغاز والفحم والحطب.
أمّا مصطفى بكور، وهو صاحب متجر لبيع المحروقات في ريف حلب الشماليّ فقال لـ"المونيتور" إنّ معركة نبع السلام التي بدأتها تركيا وفصائل الجيش الوطنيّ التابع إلى الجيش السوريّ الحرّ في 9 تشرين الأوّل/أكتوبر الماضي، ضدّ قوّات سوريا الديمقراطيّة في شرق الفرات في شمال شرق سوريا، كان لها الدور الأبرز في ارتفاع الأسعار، لأنّ "قسد" قامت بتخفيض كمّيّات المحروقات التي كانت تدخل من معبر أم جلود والذي يصل مناطق سيطرتها في منبج بمناطق سيطرة المعارضة في ريف حلب. وبحسب ما أكّد بكور، قامت "قسد" بإغلاق المعبر كلّيّاً بعد أيّام من انطلاق المعركة، وكانت كمّيّات كبيرة من النفط الخامّ تأتي من حقول النفط في شمال شرق سوريا، والتي يتمّ تكريرها في ما بعد في ريف حلب في محطّات تكرير بدائيّة، وهذا بالضبط ما تسبّب في ارتفاع أسعار المادّة، وفق بكور.
دفع انقطاع المحروقات المحلّيّة إلى استيرادها من تركيا بأسعار عالية جدّاً، ويبلغ سعر الليتر الواحد من الديزل المستورد 600 ليرة سوريّة، أي ما يعادل 0,70 سنتاً تقريباً، بينما سعر الليتر الواحد من البنزين وصل إلى 650 ليرة سوريّة، أي ما يعادل 0,85 سنتاً تقريباً. وأثّر ارتفاع أسعار المشتقّات النفطيّة عموماً على مختلف النواحي الاقتصاديّة في مناطق المعارضة في محافظة إدلب وريف حلب، وطال غلاء الأسعار أجور المواصلات والخبز والمواد المصنّعة محلّيّاً، وكذلك الخضار والمواد الغذائيّة التي ارتفعت أسعارها بسبب تكاليف نقلها التي ارتفعت بعد ارتفاع سعر الديزل والبنزين.
أكّد الناشط الإعلاميّ عمر حافظ لـ"المونيتور" أنّ ارتفاع صرف الدولار الأميركيّ أمام الليرة السوريّة ساهم في شكل كبير في ارتفاع أسعار المواد الغذائيّة، فقد وصل سعر صرف الدولار الواحد إلى 900 ليرة سوريّة تقريباً، وذلك في وقت قياسيّ، بعدما كان لا يتجاوز الـ600 ليرة سوريّة لكلّ دولار واحد، وبالتالي ارتفعت أسعار مختلف السلع والبضائع التي يحتاجها الناس في شكل يوميّ بنسبة 35% على الأقلّ، الأمر الذي زاد من معاناة الناس في ظلّ الانتشار الكبير للبطالة، ويواجه الناس الكثير من التحدّيات، بحسب حافظ.
قالت ملاك محمّد، وهي مهجّرة من الغوطة الشرقيّة في ريف دمشق وتعيش في ريف محافظة إدلب، لـ"المونيتور": "تأمين الحاجات الأساسيّة يبدو مهمّة غاية في الصعوبة، في ظلّ الارتفاع الكبير في أسعار مختلف المواد الغذائيّة، العامل الذي يحصل على أجر يوميّ بمعدّل ألفي ليرة سوريّة، أي ما يعادل دولارين أميركيّين تقريباً، يمكنه أن يؤمّن خبز عائلته ومياه الشرب والقليل من الخضار للطبخ، وليس في إمكانه التوفير لكي يدفع إيجار المنزل الذي يسكنه، فكيف سيكون حال من لا يعمل ولا يجد عمل أصلاً، البطالة هي السائدة هنا، ولا توجد فرص عمل واسعة في إدلب".
قالت الناشطة المدنيّة دلال البش، من ريف إدلب، لـ"المونيتور" إنّ ارتفاع الأسعار وانخفاض القوّة الشرائيّة لدى عامّة السوريّين في محافظة إدلب وريف حلب بسبب انهيار الليرة السوريّة، انعكسا سلباً على الناس، وأجبرتهم الظروف الجديدة على التخلّي عن وجبات طعام اعتادوا أن يأكلوها، كاللحوم بمختلف أنواعها، والخضروات والفاكهة بسبب ارتفاع أسعارها، فيما بات تركيز عامّة الناس منصبّاً على تأمين الحاجات الأساسيّة، وهي في قائمة الأولويّات، وعلى الرغم من ذلك، لا يتمّ تأمينها كاملة، وفق ما أكّدت البش.
التقى "المونيتور" الناشط الإعلاميّ أحمد الدمشقي، وهو مهجّر من ريف دمشق ويعيش في مدينة عفرين في ريف حلب الشماليّ، حيث قال: "الغالبيّة العظمى من السكّان في عفرين تعاني من ارتفاع الأسعار، الأسواق شبه متوقّفة بسبب الغلاء، لن تجد عائلة في إمكانها تغطية حاجاتها".
أمّا رامي السيّد، وهو ناشط إعلاميّ في ريف حلب الغربيّ، فقال لـ"المونيتور": "الوضع الإنسانيّ في ظلّ أزمة المعيشة التي تعصف في مناطق المعارضة يبدو أكثر تأزّماً في المخيّمات، الناس في المخيّمات لا يعرفون كيف يتدبّرون أمورهم لتغطية مصاريفهم، التدفئة والكهرباء والماء وحتّى الدواء وحليب الأطفال، كلّها باتت من المتطلّبات اليوميّة التي لا يمكن الاستغناء عنها، وفي الوقت نفسه، يصعب تأمينها".