منذ أن بدأت احتجاجات الإيرانيّين في 28 كانون الأوّل/ديسمبر ضدّ تدهور أوضاعهم الاقتصاديّة، صاحبها تنديد المحتجّين بسياسة بلادهم بإنفاق الأموال في فلسطين وسوريا ولبنان، وهتفوا: "لا غزّة ولا لبنان، حياتي لإيران".
والتزمت الفصائل الفلسطينيّة التي تدعمها إيران الصمت، ولم تعقّب على المظاهرات، خشية أن يكون لإعلان موقفها أثر سلبيّ على توقّف دعمها أو خفضه.
لا توجد أرقام دقيقة حول الدعم الإيراني للفصائل الفلسطينية، نظرا لسرية الموضوع، لكن موقع الجزيرة نت ذكر بيوليو 2015 أن متوسط ما تقدمه إيران لحماس بلغ 250 مليون دولار سنويا بين 2006-2011، بنسب متفاوتة بين عام وآخر، بجانب الإمداد العسكري لكتائب عز الدين القسام، الجناح المسلح لحماس، دون توفر أرقام للدعم المالي الإيراني لباقي الفصائل، كالجهاد الإسلامي والجبهة الشعبية لتحرير فلسطين.
وبعد اندلاع الثورة السورية في 2011، وخروج حماس من دمشق أواخر 2012، وتوتر علاقتها بإيران، تراجع الدعم الإيراني، مع بقاء ما تقدمه للجناح المسلح لحماس.
السفير الإيراني بلبنان محمد فتحعلي أعلن في فبراير 2016 أن إيران تدعم كل عائلة شهيد فلسطيني قتله الجنود الإسرائيليون، بسبعة آلاف دولار٬ و30 ألف دولار لكل أسرة فلسطينية هدم الاحتلال الإسرائيلي منزلها.
تواصل "المونيتور" مع العديد من ممثّلي الفصائل الفلسطينيّة التي تدعمها إيران كـ"حماس" و"الجهاد الإسلاميّ" و"الجبهة الشعبيّة لتحرير فلسطين"، و"الجبهة الشعبيّة لتحرير فلسطين- القيادة العامّة"، لأخذ تعقيبهم على الاحتجاجات، لكنّهم جميعهم رفضوا التعليق، باعتبارها شؤوناً داخليّة إيرانيّة، لا يريدون التدخّل فيها.
وقال أستاذ العلوم السياسيّة في جامعة الأمّة بغزّة والمقرّب من "حماس" حسام الدجني لـ"المونيتور": "إنّ صمت الفصائل الفلسطينيّة على احتجاجات إيران ينسجم مع توجّهاتها بعدم التدخّل بشؤون الدول الداخليّة، ولكن إن تطوّرت المظاهرات، فإنّ إيران قد تطلب من الفصائل مواقف داعمة لها بمواجهة المتظاهرين، لأنّ دعم إيران للفصائل يأتي لتحقيق إمبراطوريّتها الإقليميّة وزيادة نفوذها في المنطقة، وإنّ قياس ما تنفقه على الفصائل يهون مقابل ما تحقّقه من تأثير عليها، ولا أعتقد أنّها ستعيد النظر بدعمها الخارجيّ للفصائل، رغم ما قد يطرأ من تقليصات طفيفة، من دون قطع الدعم كليّاً عنها".
وردّ مستشار رئيس مجلس الشورى الإسلامي للشئون الدولية حسين أمير عبد اللهيان في 7 كانون الثاني/يناير على الإيرانيّين المطالبين بوقف الدعم الخارجيّ، بأنّه ليس لديهم فهم صحيح عن الأمن القوميّ، مدافعاً عن ذلك الدعم.
أمّا الأمين العام لـ"حزب الله" السيّد حسن نصر الله فدافع عن هذا الأمر في 3 كانون الثاني/يناير، قائلاً: إنّ الإيرانيّين بغالبيّتهم يؤيّدون الدعم الخارجيّ، رغم أنّ احتجاجات عام 2009 الإيرانيّة شهدت طرح شعار وقف هذا الدعم، لكنّه لم يؤثر على ذلك، فالشعب الإيرانيّ مقتنع بأهميّته، ولديه استعداد لتقديم التبرّعات الماليّة إلى حركات المقاومة، مع وجود أقليّة إيرانيّة تريد وقفه.
وشهدت إيران في يونيو 2009، احتجاجات شعبية استمرت ثمانية أشهر، أعقبت الانتخابات الرئاسية، وفشل مرشح المعارضة مير حسين موسوي، وفوز الرئيس الأسبق محمود أحمدي نجاد، فتظاهر مئات الآلاف، وأعلنوا عدة شعارات منها "إيران أولاً"، وهتفوا "لا غزة ولا لبنان، روحي فداء إيران"، مطالبين بتقليص الدعم الإيراني لحزب الله وحماس.
وقال عضو في مجلس الشورى الإسلاميّ الإيرانيّ، أخفى هويّته، لـ"المونيتور": "إنّ وقف دعم إيران للفلسطينيّين وإعادته إلى داخلها، لن يعالج أزماتها الاقتصاديّة، رغم أنّه من الطبيعيّ أن يربط المتظاهرون أزماتهم الداخليّة بما تنفقه الدولة في الخارج، لكنّه ربط تدعمه أوساط عربيّة وأميركيّة لإظهار أنّ إيران تدعم الخارج على حساب الداخل، مع أنّ حفظ الأمن القوميّ الإيرانيّ يتضمّن إيجاد حلفاء في الخارج، ودعمهم ماليّاً وعسكريّاً، وهذه المظاهرات لن تمنع إيران من استمرار السياسة المتّبعة اليوم في فلسطين ولبنان وسوريا واليمن والعراق".
وبالتزامن مع المظاهرات الإيرانيّة، قال قائد الجيش الإسرائيليّ الجنرال غادي أيزنكوت في 2 كانون الثاني/يناير: إنّ إيران تنفق مئات ملايين الدولارات سنويّاً على حلفائها. وفي الأشهر الأخيرة، تنامى إنفاقها في الساحة الفلسطينيّة بزيادة تمويلها السنويّ لـ"حماس" و"الجهاد الإسلاميّ" 100 مليون دولار.
وقال الخبير العسكريّ لصحيفة "هآرتس" عاموس هرئيل في 8 كانون الثاني/يناير: إنّ إيران تهدّد إسرائيل من 3 ساحات: لبنان وسوريا وغزّة، حيث تتلقّى حركتا "الجهاد الإسلاميّ" و"حماس"، مساعدات اقتصاديّة منها.
من جهته، قال المحلّل السياسيّ المقرّب من "الجهاد الإسلاميّ" في غزّة حسن عبدو لـ"المونيتور": "إنّ صمت الفصائل الفلسطينيّة إزاء احتجاجات إيران بسبب رغبتها في عدم التدخّل بالإشكاليّات الإقليميّة، خشية دخول القضيّة الفلسطينيّة بمحاور سياسيّة. وقد تؤثّر هذه الاحتجاجات على سياسة إيران الخارجيّة، لتنتبه لقضاياها الداخليّة، من دون التخلّي عمّا استثمرته في السنوات الماضية من مكاسب إقليميّة، خصوصاً في الملف الفلسطينيّ، فهذا أمر غير وارد".
وقال الصحافيّ الإيرانيّ محمّد الأحوازي، وهو من منطقة الأحواز ذات الأقليّة العربيّة، لـ"المونيتور": "إنّ مظاهرات الإيرانيّين كشفت انقسامهم حول الدعم الخارجيّ، لا سيّما للفصائل الفلسطينيّة وحزب الله، فالرئيس حسن روحاني يرى إمكانيّة تحقيق إيران لفوائد الاتفاق النوويّ في عام 2015 بتنازلات إقليميّة للعالم تخصّ علاقتها بغزّة وحزب الله، لكنّ الحرس الثوريّ يرفض بدعم المرشد الأعلى علي خامنئي، ويعتبر أنّ علاقة إيران بحماس يجب أن تكون كحزب الله، حتّى يمكنها خدمة طهران، وأنّ بقاء النظام كجمهوريّة إسلاميّة مرتبط بقوّته إقليميّاً والدعمين الماليّ والعسكريّ الذي تقدمه إيران لحلفائها".
أضاف: "النفقات الإيرانيّة على الفصائل الفلسطينيّة تأتي من ميزانيّة دفاعها، لكنّها أوجدت عداء الإيرانيّين تجاهها، اعتقاداً منهم بأنّ من تنفق عليهم الأموال خارج حدودها حالهم أفضل من مواطنيها، ويعتبرونه هدراً لأموالهم، وسرقة لثرواتهم واستنزافها، لكنّي أرجّح ألاّ يتراجع هذا الإنفاق".
والتقى بعض قادة الفصائل الفلسطينيّة بسوريا في 4 كانون الثاني/يناير بوفد إيرانيّ رفيع بمقر السفارة الإيرانية بدمشق ترأسه القائم بأعمال السفير الإيرانيّ في دمشق عبد الرضا قاسميان ورئيس وفد مجلس الشورى الإسلاميّ الإيرانيّ أحمد السالك للبحث في دعم الشعب الفلسطينيّ لمواجهة الاحتلال الإسرائيليّ.
وأعلن نائب رئيس المكتب السياسيّ لـ"حماس" صالح العاروري في 30 كانون الأوّل/ديسمبر أنّ إيران تقدّم دعماً جوهريّاً إلى المقاومة، لم يتوقّف، وهو دعم ليس شكليّاً، بل حقيقيّ لاستمرار المقاومة.
وأشار القياديّ في الجهاد الإسلاميّ خضر حبيب في 16 تشرين الثاني/نوفمبر إلى أنّ إيران داعمة معنويّاً وسياسيّاً وماديّاً لها، داعياً الدول العربيّة والإسلاميّة إلى أن تقتدي بها.
بدوره، قال الباحث في السياسات الإيرانيّة المقيم في أنقرة علي باكير لـ"المونيتور": "إنّ مظاهرات الإيرانيّين أظهرت أنّهم يرفضون إنفاق مليارات الدولارات على الأذرع الخارجيّة لنظامهم، فيما يعانون من أوضاع مزرية، لكنّ إيران لن تعيد النظر حاليّاً بهذا الدعم، لأنّ الاحتجاجات الحاليّة ليست خطراً وجوديّاً عليها، وترى أنّه لا حاجة إلى تقديم تنازلات لها. كما تنظر إيران إلى توسّعها الخارجيّ أداة لحماية نفسها، وأيّ انكفاء داخليّ قد يشجّع أعداءها على نقل المعركة إلى داخلها. كما أنّ إنفاقها الخارجيّ ليس من قرارات الحكومة، بل الحرس الثوريّ والمرشد".
وأخيراً، تواصل صمت الفصائل الفلسطينيّة إزاء الاحتجاجات الإيرانيّة لا يلغي عدم شعورها بالقلق إزاء استمرارها، وتخشى أن تؤثر عليها سلباً بتراجع التمويل الإيرانيّ لها، إن أسفرت عن عدم استقرار النظام، في ظلّ تناقص حلفائها في المنطقة، وزيادة الضغط الإقليميّ عليها.