تجاوز إلى المحتوى الرئيسي

كيف تؤثّر المواجهة الإيرانيّة-الأميركيّة المحتملة على وضع لبنان الماليّ؟

العلاقات الاقتصاديّة بين لبنان وإيران ضعيفة، فلبنان يستورد بـ60 مليون دولار سنويّاً من إيران ويصدّر إليها بـ20 مليون دولار
RTS1SV0N.jpg

بيروت — تظهر النظرة لتاريخ لبنان الماليّ أنّه يتأثّر بالأوضاع السياسيّة والأمنيّة المتغيرة في منطقة الشرق الأوسط، ففي الوقت الذي ينتظر أن تفرج الدول المانحة عن أموال "مؤتمر سيدر" الذي انعقد في 6 نيسان/ أبريل 2018 في العاصمة الفرنسية باريس والبالغة 11 مليار دولار لتحريك العجلة الإقتصادية، بدأت ملامح نزاع كبير بين الولايات المتحدة الاميركية وإيران تلوح في الأفق، وانعكست حملة الضغط القصوى التي ينفذها الرئيس الأميركي دونالد ترامب ضد إيران على لبنان، وبالتحديد على "حزب الله"، وذلك مع إعلان وزارة الخزانة الأميركية الثلاثاء 9 تموز/يوليو عن فرض عقوبات على رئيس كتلة "الوفاء للمقاومة" النيابية، النائب محمد رعد، والنائب أمين شري، ورئيس وحدة الارتباط والتنسيق وفيق صفا، ما يعني أنّ لبنان قد يكون أرضًا خصبة للطرفين لكي يتنازعا فيه، ويوصلان رسائل لبعضهما عبره، وهنا يُطرح السؤال حول كيفية تأثير المواجهة على الوضع المالي للبنان.

 وبما أنّ الليرة هي أبرز ما يُنظر اليه عند حصول هزات أمنية واقتصادية، فلا بدّ من التذكير بأن أكثر المحطّات التي اهتزّ فيها سعر صرف الليرة كانت إبّان الاجتياح الإسرائيليّ في عام 1982، ما أدى حينها الى تدهور سعر صرف الليرة اللبنانية من 5.49 ليرات للدولار الى 455 ليرة في نهاية 1987، وبمقارنة للوضع خلال الإجتياح مع الوضع الحالي، نجد أنّ قيمة صرف الليرة تبلغ 1512.14 مقابل الدولار الأميركي. كذلك فقد تردّى الوضع الإقتصادي عام 1992، وسقطت حكومة رئيس الوزراء عمر كرامي بعد تظاهرات عمّت الشارع احتجاجًا على الوضع الاقتصادي السيئ، فوصل سعر صرف الليرة إلى 2825 ل. ل. لكل دولار، بحسب ما كتبه وزير المالية اللبنانية السابق جورج قرم على موقع الجيش، ومن ثم عاد السعر الى 1800 ل ل في آخر 1992، حتّى أتى حاكم مصرف لبنان رياض سلامة في عام 1993، وانتهج هندسة ماليّة ساعدت في استقرار الليرة.

وما يعزّز وضع لبنان الماليّ هو امتلاكه 286,8 أطنان من احتياطي الذهب وحلوله في المرتبة الـ18 عالميّاً، بحسب ما أعلنه مجلس الذهب العالميّ في أواخر حزيران/يونيو 2018، ونشر بنك بيبلوس الأرقام على موقع الإلكتروني.

 وفي ورقة بحثيّة نشرها على موقعه الإلكترونيّ الخاص في 30 نيسان/ابريل 2018، قال النائب الأوّل لحاكم مصرف لبنان رائد شرف الدين: "يتمثّل التحدّي الماليّ في تنامي الدين العامّ وخدمته واختلال استدامته، فهو يقارب الـ80 مليار دولار أي 160% من الناتج المحلّيّ، وتتمثّل مكامن القوّة في لبنان في السياسة النقديّة وفي الاستقرار الماليّ".

ويتوقّع صندوق النقد الدوليّ أن يرتفع الدين العامّ إلى 180% في حلول عام 2023، فيما ذكرت "بلومبيرغ" أنّ لبنان في المرتبة الثالثة عالميّاً من حيث المديونيّة. إذاً كيف تؤثّر المواجهة الإيرانيّة-الأميركيّة المحتملة على الوضع الماليّ؟

قال مدير مركز المشرق للدراسات الإستراتيجيّة سامي نادر لـ"المونيتور" إنّ تفاقم الصراع بين العرب أو بين أميركا وإسرائيل من جهة وإيران من جهة أخرى سيؤثّر على لبنان بسبب وجود حزب الله الممثّل في الحكومة وامتلاكه ترسانة عسكريّة أيضًا، وهو هدف لمن يريد الضغط على إيران، التي في المقابل، قد تلجأ إليه وتستخدمه كرافعة للضغط من أجل فكّ الحصار عنها. وأضاف: "الساحة اللبنانية محيّدة والسؤال هو إلى متى ستستمرّ هكذا".

وقال إنّ إيران تدرك هشاشة الوضع الاقتصاديّ في لبنان، معتبرًا أنّ وضع لبنان أسوأ ممّا كان عليه في عام 2006، من حيث السيولة والعجز في ميزان المدفوعات وتراجع معدّل النموّ. علمًا أنّ وزارة المالية أعلنت عام 2006 أنّ الحرب أفشلت الجهود الساعية الى تحقيق المزيد من الاستقرار الإقتصادي والمالي، فقد كان من المتوقع أن يبلغ النمو الإقتصادي في ذلك العام 5%، إلا أنّ ما حصل كان العكس، وبلغ حجم الخسائر 1.6 مليار دولار. ويذكر أنّ حاكم مصرف لبنان قال لـ"رويترز" على هامش مؤتمر يوروموني الذي عقد في بيروت في 25 حزيران/يونيو إنّ معدّل النموّ بلغ 0% في عام 2019.

من جانبه، أوضح الباحث الاقتصاديّ والأستاذ في الجامعة اللبنانية البروفيسور جاسم عجاقة لـ"المونيتور" أنّ هناك تداعيات للمواجهة الأميركيّة-الإيرانيّة على لبنان، فحملة الضغط التي ينفذها ترامب على إيران قد تزيد من الضغوط على حزب الله ، خصوصاً مع تصريحات أميركيّة بزيادة معاناته. واعتبر أنّ إعلان لبنان رفضه صفقة القرن رسميّاً والتي ترفضها إيران أيضًا، قد يؤثّر على الوضع الاقتصاديّ. فقد أشار وزير الصناعة وائل أبو فاعور بعد انتهاء جلسة مجلس الوزراء في 27 حزيران/يونيو، والتي ترأسها رئيس الحكومة سعد الحريري في السرايا الحكومية، إلى أن "الرئيس استهل الجلسة بالحديث عما يسمى صفقة القرن، وقال: إن موقف الحكومة اللبنانية واضح، فنحن ضد هذا المشروع وهناك إجماع في لبنان على رفضه".

ولفت عجاقة إلى أنّ المواجهة العسكريّة إذا حصلت، ستسفر عن 5 سيناريوهات بعضها كارثيّ، مثل عزل لبنان إذا تمّت المواجهة المباشرة بين حزب الله وإسرائيل بسيناريو شبيه بحرب تمّوز/يوليو، كذلك تدمير إسرائيل نقاطاً مهمّة اقتصاديّاً للضغط على الرأي العامّ اللبنانيّ، وسيتأثّر تدفّق أموال المغتربين والتضييق على الاستيراد والتصدير، والحدّ من تنقّلات رجال الأعمال اللبنانيّين. وطمأن عجاقة أنّ أميركا ملتزمة بسقف لا تحيد عنه، وهو الحفاظ على القطاع المصرفيّ اللبنانيّ، موضحاً أنّ العقوبات، وفي حال فرضتها واشنطن على لبنان، لن تكون شاملة عليه ككل، فلبنان يشكّل جزءاً مهمّاً في الاستراتيجيّة الأميركيّة الجديدة في الشرق الأوسط.

وبما أنّ صفقة القرن هي جزء من النزاع الأميركيّ-الإيرانيّ، فأميركا تسعى إلى فرضها وإيران ترفضها انطلاقًا من التزامها بالقضية الفلسطينية ورفضها اعتبار أن حل النزاع الإسرائيلي الفلسطيني اقتصاديًا، فالقضية أعمق وتتعلق بحقوق الفلسطينيين بدولتهم وهذه المسألة سياسية،

 أوضح عجاقة أنّ ما يمكن أن يدفعه لبنان ثمن النأي بالنفس عن الصفقة يتمثّل في تأخير الشركات عن التنقيب واستخراج الغاز في البحر والسعي الإسرائيلي إلى إنشاء سكّة حديد تربط تلّ أبيب بالعمق العربيّ، ممّا سيؤثّر سلباً على لبنان، لأنّ هذا المشروع سينزع عن بيروت مركز الترانزيت الأوّل في اتّجاه الدول العربيّة.

أمّا الخبير الاقتصاديّ الدكتور غازي وزني فأوضح لـ"المونيتور" أنّ العلاقات الاقتصاديّة بين لبنان وإيران ضعيفة، فلبنان يستورد بـ60 مليون دولار سنويّاً من إيران ويصدّر إليها بـ20 مليون دولار، والاستثمارات كذلك، فقد أجّل رجال أعمال لبنانيّون استثمارات في ايران بعدما زاروها منذ عامين من أجل تفعيل العمل في طهران لتفاؤلهم في تعزيز العلاقات الإقتصادية بعد إبرام الإتفاق النووي بين إيران والولايات المتحدة، كما أنّ العلاقات في مستوى متدنٍّ في القطاع المصرفيّ، والإيرانيّون لا يودعون أموالهم في حسابات في لبنان وشدّد وزني على أنّ لبنان ملتزم بتطبيق القرارات الأميركيّة، والعقوبات التي تطال إيران منذ 15 عاماً حالت دون توسّع العلاقات الاقتصاديّة مع لبنان.

والجدير ذكره أن العلاقات الديبلوماسية بين إيران ولبنان بدأت في عهد الرئيس اللبناني الراحل كميل شمعون بين عامي 1952 و1958، والآن يشغل منصب​ سفير ​لبنان​ لدى الجمهورية الاسلامية الايرانية السفير حسن عباس، أما السفير الإيراني في لبنان فهو محمد جلال فيروزنيا.

واعتبر وزني أنّ الوضع الماليّ دقيق وصعب بسبب تراجع التدفّقات الماليّة وخروج بعض الودائع من لبنان، وتراجع احتياطات مصرف لبنان بالعملات الأجنبيّة حوالى 6 مليارات دولار منذ بدء عام 2019. وأوضح أنّ قيمة تحويلات المغتربين تبلغ كلّ عام ما بين 7 و8 مليارات دولار، أمّا الاستثمارات الأجنبيّة المباشرة فقد تراجعت أكثر من 45% منذ العام 2010 وحتى اليوم، أمّا مداخيل السياحة فكانت تسجّل 10 مليارات دولار أمّا الآن فوصلت إلى 6 مليارات دولار في 2019، ونموّ القطاع المصرفيّ كان بين 7 و8% فأصبح 3% هذا العام، وبلغ العجز في ميزان المدفوعات 4.8 مليارات دولار في عام 2018.

من جانبه، رأى كبير الاقتصاديّين في مجموعة بنك بيبلوس نسيب غبريل أنّه في حال تدهورت الأوضاع في المنطقة أو وقعت مواجهة سينسحب تأثيرها على لبنان، الذي يعاني أصلاً في القطاع الإقتصادي موضحاً أنّ تحويلات الودائع وتحويلات المغتربين تتأثّر بأسعار النفط، وأي حرب ستؤثّر سلباً على السياحة. وقال: "إذا ارتفعت أسعار المشتقّات النفطيّة، سيتأثّر لبنان لأنّها تشكّل 20% من فاتورة استيراده العامّة، وقد كانت 24% قبل عام 2014، وإذا زادت هذه الفاتورة، سيتفاقم العجز في الميزان التجاريّ وميزان المدفوعات، وسترتفع أسعار الوقود في المحطّات، ممّا يكثّف الضغوط التضخّميّة ويقلّل القدرة الشرائيّة، وستزيد فاتورة الكهرباء وتقابل بزيادة تحويلات الخزينة إلى مؤسّسة الكهرباء، وبالتالي يرتفع العجز في الموازنة".

وأوضح غبريل أنّ الأحداث الأمنيّة التي وقعت أخيراً لا تؤثّر في الوضع الماليّ، مقارنة بالقرارات التي اتّخذت في عام 2017، وكانت خلفيّاتها سياسيّة، كإقرار سلسلة الرتب والرواتب لموظّفي القطاع العامّ وسوء تقدير النفقات، إضافة إلى زيادة الضرائب، ممّا أدّى إلى ردّة فعل عكسيّة في الأسواق وتباطؤ اقتصاديّ، فالضرائب طالت الاستهلاك والدخل والأموال المنقولة، ممّا أدّى إلى أزمة سيولة. وأضاف أنّ النموّ الاقتصاديّ سجّل ارتفاعاً بنسبة 0,6% في عام 2017، و0,3% في عام 2018، وتفاقم العجز في الماليّة العامّة من 7,2% من الناتج المحلّيّ في عام 2017 إلى 11% في عام 2018. وأوضح أنّ ما سبق حدث نتيجة قرارات داخليّة لا إقليميّة، وفي حال حصول اهتزاز أمنيّ في المنطقة، سيؤدّي إلى تفاقم ما يعاني منه لبنان في الأصل.

Join hundreds of Middle East professionals with Al-Monitor PRO.

Business and policy professionals use PRO to monitor the regional economy and improve their reports, memos and presentations. Try it for free and cancel anytime.

Already a Member? Sign in

Free

The Middle East's Best Newsletters

Join over 50,000 readers who access our journalists dedicated newsletters, covering the top political, security, business and tech issues across the region each week.
Delivered straight to your inbox.

Free

What's included:
Our Expertise

Free newsletters available:

  • The Takeaway & Week in Review
  • Middle East Minute (AM)
  • Daily Briefing (PM)
  • Business & Tech Briefing
  • Security Briefing
  • Gulf Briefing
  • Israel Briefing
  • Palestine Briefing
  • Turkey Briefing
  • Iraq Briefing
Expert

Premium Membership

Join the Middle East's most notable experts for premium memos, trend reports, live video Q&A, and intimate in-person events, each detailing exclusive insights on business and geopolitical trends shaping the region.

$25.00 / month
billed annually

Become Member Start with 1-week free trial
What's included:
Our Expertise

Memos - premium analytical writing: actionable insights on markets and geopolitics.

Live Video Q&A - Hear from our top journalists and regional experts.

Special Events - Intimate in-person events with business & political VIPs.

Trend Reports - Deep dive analysis on market updates.

We also offer team plans. Please send an email to pro.support@al-monitor.com and we'll onboard your team.

Already a Member? Sign in